انقلاب 8 آذار عام 1963 في سورية

الطاهر إبراهيم

انقلاب 8 آذار عام 1963 في سورية

وحصاد الشوك فيها

الطاهر إبراهيم *

قاد الانقلاب "زياد الحريري"، وشارك فيه الناصريون، واستولى عليه البعثيون.

قبل أيام مرت الذكرى السابعة والأربعون لانقلاب 8 آذار عام 1963، الذي غير مجرى تاريخ سورية وعكس وجه الحياة السياسية فيها من عهد ديمقراطي واعد كان يزدهر أحيانا ويتعثر أحيانا أخرى حتى جاء ذلك اليوم الذي غير كل شيء في سورية، وسار بها باتجاه آخر غير الاتجاه الذي بدأته يوم استقلت عن فرنسا في 17 نيسان عام 1946.

وقد أعاد ذكرى ذلك اليوم إلى ذاكرتي برنامج "شاهد على العصر" الذي تبثه قناة الجزيرة القطرية ويقدمه الإعلامي "أحمد منصور" حيث يستضيف فيه المقدم "عبد الكريم النحلاوي" قائد الانقلاب الذي أنهى الوحدة بين سورية ومصر وطرد عبد الناصر من سورية.

لقد برر المقدم النحلاوي قيامه بالانقلاب بأنه احتجاج على مظالم كان يمارسها عبد الناصر في سورية -على الجيش والمواطنين- ما كانت تستأهلها منه بعد أن أستلم البلد على طبق من ذهب. كان ضباط الجيش السوري يحسون بتلك المظالم أكثر من بقية المواطنين، فعمل النحلاوي هو ورفاقه من الضباط الانقلابيين على القيام بتلك الخطوة التي أنهت عهد الوحدة بين سورية ومصر في 28 أيلول "سبتمبر" عام 1961.

كنت شاهدا على تلك الفترة. ورغم حزني على فصم عرى الوحدة، إلا أن الأيام أو ضحت أن السوريين كانوا قد خسروا حريتهم في عهد "عبد الناصر"، وأنه لا يمكن للبلد أن يتقدم في غياب الحرية والديمقراطية. كنت أشعر مدى الحرية التي استعادها المواطن في سورية بعد أن سُلبت منه على مدى 4 أعوام على يد أعوان عبد الناصر وفي مقدمتهم "عبد الحميد السراج" وزير الداخلية في عهد الوحدة. في عهد حكومة الانفصال لم يعد المواطن يشعر بالخوف من رجال "المكتب الثاني" أي شعبة المخابرات بفعل المقولة التي أشاعها "السراج" بين المواطنين وهي: " كل مواطن خفير" أي جاسوس على أخيه المواطن.

في نيسان 1962 غادر "النحلاوي" البلاد وغدت سورية بدون رقيب من العسكر وأصبحت بيد حكومة مدنية صرفة، بعد أن تم سحب الصلاحيات الاستثنائية من يد القوات المسلحة. لكن هذا لم يجعلها بمنأى عن خطر الانقلابيين، خصوصا وقد أصبحت سورية مفتوحة أمام أطماع ضباط مغامرين، كلهم تدفعهم السلطة. بعضهم يعمل لزعامة منفردة، وأكثرهم يسعى للزعامة من خلال تبنيه أيديولوجيا حزبية كالبعثيين، أووطنية عاطفية مثل من كانوا يسمون أنفسهم "ناصريين".

وهكذا أفاق سكان عاصمة الأمويين مرة أخرى صبيحة يوم8 آذار عام 1963 على صوت المارشات العسكرية والبلاغات الانقلابية تنطلق من الإذاعة، فأطلوا من نوافذ بيوتهم ليروا الدبابات تحيط بمبنى قيادة الأركان ومبنى الإذاعة وحول المنشآت الحكومية ذات الصبغة العسكرية، ولمّا يمضي على انقلاب الانفصال إلا سنة واحدة وخمسة أشهر و10 أيام فقط. كانت اللافتة التي رفعها انقلابيو 8 آذار هي إنهاء حكم الانفصال وإعادة الوحدة بين مصر وسورية، أوهكذا أعلن مذيع البلاغات العسكرية. وقبل أن ينتصف نهار يوم الانقلاب أعلن عن تشكل مجلس قيادة الثورة برئاسة العميد "لؤي الأتاسي".

ولكن كيف تم انفراد البعثيين بالحكم بعد انقلاب 8 آذار؟

كان العميد "زياد الحريري" قائد الجبهة مع إسرائيل هو القائدَ الفعلي لهذا الانقلاب. ولم يكن الضباط البعثيون يشكلون إلا أقل من نصف المشاركين في الانقلاب، مع ذلك فقد استولوا على حصة الأسد في مجلس قيادة الثورة الذي شكل في نفس اليوم. وقد عمل البعثيون في الهيئة القيادية العليا –مجلس قيادة الثورة- منذ اليوم الأول أن يضعوا يدهم على انقلاب 8 آذار، ومن ثم سيطروا على حكم سورية.

وفيما يلي جدول يبين أسماء أعضاء مجلس قيادة الثورة وانتماءاتهم:

اسم الضابط

عمله قبل الانقلاب ورتبته

الوظيفة بعد الانقلاب

رفع إلى

الانتماء

لؤي الأتاسي

عميد معتقل

رئيس مجلس القيادة

فريق

لا منتمي

زياد الحريري

عميد - قائد الجبهة

رئيس الأركان العامة

لواء

غير حزبي

محمد الصوفي

عميد -قائد لواء بحمص

وزير الدفاع

فريق

ناصري

راشد قطيني

عميد رئيس الاستخبارات

نائب القائد العام

لواء

ناصري

غسان حداد

عميد -قائد لواء بدمشق

إدارة شئون الضباط

لواء

بعثي

محمد عمران

عقيد مسرح موظف مدني

عضو في المجلس

لواء

بعثي

صلاح جديد

مقدم مسرح موظف مدني

نائب لشئون الضباط

لواء

بعثي

فهد الشاعر

عقيد قائد لواء في الجبهة

عضو في المجلس

لواء

لا منتمي

فواز محارب

رائد شارك في الانقلاب

عضو في المجلس

عقيد

ناصري

موسى الزعبي

نقيب شارك في الانقلاب

عضو في المجلس

مقدم

بعثي

لم يشارك فعليا في انقلاب 8 آذار من البعثيين إلا غسان حداد وموسى الزعبي. ومع ذلك كان تشكيل مجلس قيادة الثورة يوحي بأنهم في طريقهم إلى الاستيلاء على الحكم.

"صلاح جديد" ودوره في ترسيخ وجود البعثيين في الجيش:

يؤكد من تابع الانقلاب منذ يومه الأول أن "صلاح جديد" جاء من مكان وظيفته المدنية إلى مبنى رئاسة الأركان راكبا دراجة هوائية "بسكليت". وقد شارك مشاركة فعالة في اختيار أسماء أعضاء مجلس قيادة الثورة، واختار لنفسه مركزا بعيدا عن الأضواء لكنه في منتهى الخطورة، وهو منصب معاون مدير إدارة شئون الضباط.

لم يضيعْ وقته سدى. ففي نفس اليوم 8 آذار قام "جديد" بتسريح العديد من الضباط العاملين في الجيش من غير البعثيين من كافة الانتماءات الحزبية ومن الحياديين. كما قام باستدعاء أكثر من200 ضابط احتياط بعثي من وظائفهم المدنية إلى الجيش كان أهمهم على الإطلاق الرائد الجوي المسرح "حافظ أسد". (ليحكما سورية معا حتى عام 1970، ثم ليكون "حافظ أسد" فيما بعد "عدوا وحزنا" ل"صلاح جديد"، حيث اعتقله في16 تشرين ثاني عام 1970، فلبث في السجن حتى وفاته عام 1993، وينفرد "حافظ أسد" بعد ذلك في حكم سورية حتى وفاته في حزيران 2000).

كانت الخطوة الثانية التي قام بها "صلاح جديد": تنفيذ ( التشكيلات التي أجريت في الجيش السوري في غياب بعض أعضاء "مجلس قيادة الثورة" في مصر أثناء مباحثات الوحدة مع مصر والعراق من 3 نيسان إلى 17 نيسان، حيث قام بنقل بعض الضباط الناصريين إلى السلك الدبلوماسي أو الوظائف المدنية وإحالة البعض الآخر إلى التقاعد، ما أدى إلى استياء القيادات الناصرية في مجلس قيادة الثورة وتقديمها استقالاتها ورفضها أي حوار أو مساعٍ حميدة قام بها الفريق "لؤي الأتاسي" واللواء "زياد الحريري") (أنظر صفحة 164 من كتاب "أوراق شامية من تاريخ سورية من عام 1946 إلى عام 1966" كتبه عضو مجلس قيادة الثورة البعثي "غسان حداد"). عندما نشير إلى دور "صلاح جديد" الفعال في تمكين حزب البعث من الاستيلاء على الحكم في سورية، فلا يعني ذلك أنه هو المسئول الوحيد عن ذلك. إلا أن دوره كان هو الدور الأساس، وذلك ما سأبينه لاحقا.

ماهو معروف في أدبيات قيادة الجيش السوري أنّ إدارة شؤون الضباط هي الجهة المخوّلة بتحضير وإعداد اللوائح والنشرات المتعلّقة بالضباط. وحتى تصبح هذه اللوائح والنشرات سارية المفعول ينبغي أن يوقع عليها قائد الجيش ووزير الدفاع. أما وزير الدفاع "محمد الصوفي" فهو ناصري، ولا يمكن أن يوقع على قائمة نقل وتسريح ضباط ناصريين. أما قائد الجيش "لؤي الأتاسي" فقد أكد "غسان حداد" -في كتابه- أنه قام بمساعيه الحميدة كما ورد ضمن القوسين أعلاه. كما أن "الأتاسي" و"الصوفي" كانا مع الوفد السوري في القاهرة أثناء مباحثات الوحدة. كما أن اللواء "غسان حداد" مدير إدارة شئون الضباط كان هو الآخر مع الوفد في القاهرة. وعليه لم أفترِ على "صلاح جديد" شيئا لم يفعله، حيث انتفت إمكانية مشاركة الآخرين في تسريحات الضباط الناصريين.

على أن تسليط الضوء على دور "صلاح جديد" في التمكين لحزب البعث، لا يعني أنه قام بذلك منفردا. فحتى يتم لها الانفراد بالسلطة، فقد قامت القيادة البعثية بالخطوة الثالثة التي تمثلت بإبعاد ثلاثين ضابطا من أنصار رئيس الأركان اللواء "زياد الحريري" إلى وظائف مدنية أو مراكز أقل أهمية أوائل شهر تموز أثناء زيارة الحريري مع وفد إلى الجزائر. بعد عودة "الحريري" إلى دمشق في 4 تموز قام مجلس قيادة الثورة –الذي اقتصر على البعثيين فقط بعد استقالة الناصريين من المجلس- بإصدار قرار بإبعاد اللواء "زياد الحريري" القائد الفعلي لانقلاب 8 آذار سفيرا متجولا لسوريا في أوروبا على أن يكون مقره في باريس.كما استقال الفريق "لؤي الأتاسي" فيما بعد احتجاجا على الإعدامات التي طالت مشاركين في محاولة انقلابية قادها العقيد المسرح "جاسم علوان" في 18 تموز 1963، أي بعد أربعة أشهر من انقلاب 8 آذار.

لم يبق الكثير لكي يقال عن حصاد الشوك في سورية الذي أعقب انقلاب 8 آذار 1963. فقد غيبت الحريات وأخضعت إلى قانون الطوارئ واحتكر حزب البعث الدولة والمجتمع، حيث نص في الدستور السوري في المادة 8: على أن "حزب البعث قائد للدولة والمجتمع".

لكن هل هي نهاية المطاف في سورية؟ البعض يؤكد أنه في سورية لا يوجد خاتمة اسمها نهاية المطاف. ويستشهد بما آل إليه حال عبد الناصر الرجل القوي الذي ما كان أحد يتوقع أن يأتي اليوم الذي يجرؤ فيه أحد في سورية على أن يقول لعبد الناصر: لا.

مع ذلك فها نحن نتابع -على فضائية الجزيرة- قصة الانقلاب الذي قاده المقدم "عبد الكريم النحلاوي" الضابط صغير الرتبة الذي قاد مجموعة صغيرة من الضباط صغار الرتب، وأن يتحدى بهم "عبد الناصر" وينقلب عليه في 28 أيلول من عام 1961، ويجبره على سحب أعوانه من سورية. ومن يدرى فالأيام حبالى يلدن كل عجيب؟

       

* كاتب سوري معارض يعيش في المنفى