(بشار أسد) و(عبد الله غول)
لقاءُ النقيضَيْن
د.محمد بسام يوسف*
العلاقات بين الشعبَيْن الجارَيْن السوريّ والتركيّ تاريخية وثيقة العُرى، إذ يجمعهما الإسلام والحضارة الإسلامية والمصالح المتبادلة والحدود المشتركة الطويلة.. وقد تعكّرت هذه العلاقات خلال مراحل سياسيةٍ متعدِّدة، إلى أن آلت السلطة في تركية إلى (حزب العدالة والتنمية) ذي الجذور الإسلامية، وذلك عبر صناديق الاقتراع، ثم ترسّخت عبر مصداقية الحكّام الجدد مع شعبهم، من خلال تحقيق منجزاتٍ كثيرةٍ لم تتحقّق للشعب التركيّ طوال عشرات السنين، في كل مجالات الحياة.
بشار أسد يزور تركية في ظروفٍ استثنائيةٍ تمرّ بها منطقتنا العربية والإسلامية.. يزورها محاصَراً بالمحكمة الدولية المختصّة بالمجرمين القَتَلَة، ومطارَداً بنتائج السلوك السياسيّ والأمنيّ لنظامه الأرعن داخلياً وخارجياً، وتحت ضغط هاجسٍ واحد: التشبّث بالسلطة المغتَصَبة، مهما كان الثمن المدفوع غالياً ومُسَدَّداً من رصيد الوطن والكرامة الوطنية السورية.
بأي وجهٍ يلتقي الدكتاتور بشار أسد، الذي ورث السلطة بحراب أجهزة المخابرات والحرس الخاص بأبيه الدكتاتور.. بأي وجهٍ يلتقي الرئيسَ التركيَّ الذي وصل إلى سدّة الرئاسة بعمليةٍ ديمقراطيةٍ نزيهةٍ حضاريةٍ أذهلت العالَم كله؟!..
بشار أسد الذي ينتهك حقوق الإنسان السوريّ بكل ما أوتيَ من صفاقة، ويُفرِّط بأمن سورية، ويُسلِّط رعاديدَ نظامه على الناس، ويسطو شركاؤه على ثروات الوطن، وينشر مع عصابته الحاكمة الفسادَ بأنواعه في كل المؤسّسات الوطنية السورية، ويُصادِر الكلمة الحرّة، ويبيع شرف سورية في صفقاته السياسية، ويضطهِد شعبه ويقمعه، ويملأ سجونه بأبناء وطنه، ويعتدي على حُرُمات السوريين، ويُهجِّر خيرة أهل الشام، ويزرع الحقد والفُرقة والمحاكم الاستثنائية، ويُحاكم الأبناء والأحفاد لخلافه السياسيّ مع الأجداد، ويرفض أن يُدليَ نظامه بأي معلومةٍ عن عشرات الآلاف من السوريين المفقودين في زنازينه.. بشار هذا، يزور تركية التي تحترم إنسانها التركيَّ وحقوقَه الإنسانية المشروعة، وتُضَحّي –حتى بتحالفاتها- عندما تشعر أنّ كرامتها الوطنية أوشكت أن تلجَ دائرة التهديد، وتفعل الأفاعيل للقضاء على الفساد بكل أنواعه، وتمتطي المستحيل لتحقيق الخير والازدهار لإنسانها ومواطنها!..
بشار أسد يزور تركية، البلد المسلم.. وفي جعبته تاريخ طويل من التواطؤ الطائفيّ مع حليفه الإيرانيّ، الذي بات يُهدِّد بمشروعه المشبوه كلَّ الأمة الإسلامية، بما فيها تركية المسلمة، التي أنقذت العالَم الإسلاميّ مراتٍ عدة عبر التاريخ، من الأخطار الصفوية وتواطؤ أصحابها مع كل عدوٍ لأمة الإسلام!..
بشار أسد الذي اعتدى نظامه على الحجاب الإسلاميّ للمسلمات السوريات، يصطحب زوجته السافرة المقولَبَة على الطراز الأوروبيّ الغربيّ، لتلتقي زوجةَ الرئيس التركيّ المسلمة المحجَّبة، التي خاضت مع زوجها الرئيس معاركَ سياسيةً داخليةً تاريخية، لتحافظَ على حجابها والتزامها بتعاليم الدين الحنيف!..
فبأيّ وجهٍ سيلتقي بشار أسد الرئيسَ التركيَّ عبد الله غول؟!..
لن نُثقِلَ كاهِلَنا بالانشغال بما يَشغَل المُحلِّلين السياسيّين البعيدين عن فهم لعبة النظام السوريّ وسلوكه وبهلوانيّاته وشعاراته المكشوفة وباطنيّته، من أنّ زيارة رئيس النظام لها أهداف اقتصادية وتجارية وتنسيقية بين جارَيْن.. فكل تحرّكات النظام الأسديّ تدور حول هدفٍ واحد وحسب: التشبّث بكرسيّ الحكم المغتَصَب!.. وكرسيّ الحكم يحتاج إلى (نجّارٍ) خبيثٍ يتعهّده بالرعاية والعناية والحماية.. لكنّ الوصول إليه (أي إلى النجّار الخبيث) يحتاج –في بعض الأحيان– إلى وسيط.. فهل سينجح بشار أسد بدفع الوسيط التركيّ، لتسخين الخطوط وتأكيدها وتوثيقها مع (النجّار الصهيونيّ الإسرائيليّ)، وبخاصةٍ مع اقتراب ما سُمِّيَ بمؤتمر الخريف للسلام في الشرق الأوسط، الذي تُسَوِّقه الإدارة الأميركية هذه الأيام؟!..
*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام