اقتدار معرفتنا و جهل مقدرتهم
د. علاء الدين شماع
أمام كل هذا الكم الهائل من الانكسارات و أجواء الخيبة التي تحيط بنا والتي تشدنا أرضاً كأنا مقعدون مثبطو العزيمة نشكو هزالاً و ضعفاً و غشاوة تعمي القلوب والأبصار ,وحيرة في حزم أمرنا في اتخاذ قرارنا و كأنا على رشدنا وبلوغنا البيولوجي ننتظر من أولي أمرنا الأمريكان إقرار ما يلزم قادمنا وإسقاط ما لا يلزم من حقائق تميز صبغة وجودنا وان كانت آيات من القرآن ومناهج درسية ترد لنا بعض اشراقاتنا التاريخية من صفحة بيضاء هنا وأخرى زاهرة هناك من تاريخ أمتنا العربي الإسلامي .
أمام كل هذا يلوح في الأفق دائماً ما يحفزنا على النهوض واستنهاض الهمم مهما بلغت العتمة التي تغلف وجودنا أشدها. قصد الحط من قدرنا و التأثير من وثوق استشراف غدنا الواعد.
نعم أقولها وأنا على دراية بما أقول أن واحدة من هذه اللمع المنيرة في دنيا احباطاتنا يتعلق بالحالة المعرفية الحالية لإنساننا العربي ومبلغ ما وصلته من دراية وحنكة في معرفة ما يدور حوله وما يحاك ضده من أمور تمس كيانه و وجوده ,حتى بتنا نحن العرب نقرأ في كتاب مفتوح بعد أن كنا لا نقرأ وان قرأنا لا نفهم – قول لغولدامائير رئيسة وزراء إسرائيل قالته بعد النكسة-,لا بل إن حجم كل القراءات العربية الحالية وكل الكتابات والتحليلات و الغوص فيما بين السطور حتى ,لا تدل على دراية فائقة وحسب إنما تشير إلى معرفة متقدمة بما يحاك ضدنا, وهي مع الأسف , معرفة لا تساوي مقدرتنا في التغيير, وهنا الطامة الكبرى و هذا ثلم وجودي عجيب ينم عن عجز اقتدار لا مبرر له و لا يقبل معه تساؤل أن نكون أو لا نكون .
يدخل في هذا التوصيف قرار تقسيم العراق , وهو مثال واضح عن البون الشاسع بين قدرة معرفتنا و عدم اقتدار فعلنا , رغم كل التحليلات التي فاضت بها صحفنا و مجلاتنا و هي تنبه إليه لا بل تنذر به و بالأسوأ منه , وصدق من ساواها بتقسيمات سايكس-بيكو جديدة تستهدف منطقتنا وهي كذلك ويزيد حتى بتنا وبجدارة ظاهرة كلام- صوتيه و حسب.
فما الذي فعلناه للتصدي لمثل هذه القرارات المجحفة بحق أمتنا ؟!
سؤال مفتوح برسم الإجابة.. و ليست الشعوب العربية بمنأىً عن الملامة بعد كل هذا التقاعس من الحكومات , إذ يكفي أن نتساءل ماذا حرك قرار الكونغرس الأمريكي بخصوص تقسيم العراق في الشارع العربي و الإسلامي.
نعم إن كون أننا أمة حية تميزها مكونات وجود ثرة,أولها إنساننا ومقدار ما نستثمر في بنائه يليها كل ما وهبنا الله من خيرات لنا حرية التصرف بها دون إذن من أحد تجعلنا نقولها و بالفم الملآن نعم لأن نكون وفقط.. ولغيرنا أن يشكك في وجوده أمام حقيقة وجودنا القاطعة لأي شك في تأثيرنا الحضاري ذو الصبغة الإنسانية و ديدن ما فطرنا عليه منذ الأزل.
وكم يمضني و يرهق مسامعي – وهذه واحدة من معرفتنا في وجهها غير المنضبط- أن نستعمل اصطلاحات لها تأثير سيء فيما تتضمنه من دلالات تتعامل معنا أما كحالات كيانية متفرقة أو و جودات مبعثرة لا يشدها رابط من دين وعرق وهي ترجمات مباشرة لما ينشر في الصحف الأجنبية من دراسات و تحاليل حول منطقتنا العربية ,ومن مثل هذه تعبير, منطقة الشرق الأوسط و دول الاعتدال العربي و دول التطرف العربي ,و العرب السنة و كأنه لا عرب في العراق إلا السنة بكل ما تثيره هذه الاصطلاحات من فرقة و تشرذم .
أنا أدرك أن من بين العرب من يتنكب مستغنياً بنفسه صامداً متصدياً في حالة حضارية مقاومة و مجاهدة على الأخص أولئك الذين هم على ثغور المواجهة مع العدو . و أن من العرب من ينكب على المخطط الصهيو –أمريكي المرسوم ضد منطقتنا و كأنه قضاء مبرم لا فكاك منه . لكن الذي لا أدركه أن نكون أمريكيين أكثر من الأمريكان أنفسهم في أن نمد لهم يد العون لإنقاذهم من فشلهم المريع في المنطقة , وأن نمتثل لدعوة مبادرة لسلام يريدونه تلميعاً لصورتهم أمام الداخل الأميركي و حسب و كأنا نرمي إليهم طوق نجاة ,أليست المبادرة السعودية للسلام و هي ما أتفق عليه العرب كافية لا استرجاع حقنا إن تمسكنا بها تجمع الاعتدال العربي إلى التطرف ان صح التعبير و هو ما يغنينا مرة أخرى عن التفريط بقدرة معرفتنا مادام لنا كل هذا الكم من المعرفة فيما يحاك ضدنا , و أن نكون في حالة اقتدار تجمع بين معرفة و فعل . إذ أضحى أمر السلام مقابل الأرض أقصى ما يمكن أن نقدمه في إدراك تام منا أنا شعوباً محبة للسلام وهو موقف عرفاني تبنيناه عن قناعة بعد جهد ممض استغرقنا نصف قرن ويزيد لم يلازمه فيها إعمال فكر,إن على أمريكا و إسرائيل أن ترتفع إلى عرفاننا هذا و أن يكفا عن استعمال قوتهم ضدنا في جهل يردهم عصر الهمجية ,وإلا فالتطرف الأشد في منطقتنا قادم على أشد ما هو عليه الآن . و عندها قد لا تقبل أجيالنا القادمة ما نقبله الآن عن حسن نية واقتناع.ِ