مؤتمر الأحزاب العربية في دمشق

الطاهر إبراهيم

مؤتمر الأحزاب العربية في دمشق..

كيف أثر عليه غياب الإسلاميين؟

الطاهر إبراهيم *

السرية في الوقت الحاضر لم تعد عاملا حاكما في أدبيات أي جماعة سياسية، ولو كانت السرية خبزها وماءها فيما سبق. فقد أدى الانفتاح في عالم الاتصالات والإنترنت على وجه الخصوص، أن لا يترك "سترا مغطى" كما يقال. هذا الأمر يندرج على جماعة الإخوان المسلمين التي يضرب فيها المثل في اعتماد السرية في القرن الماضي. تبقى نمطية التفكير التي صبغت أسلوب الإخوان مما لا يسهل معرفته تماما من قبل غير الإخواني. فلو وجدنا كاتبا "إخوانيا" يتجرد فيكتب لكنا قرأنا شيئا قريبا من الحقيقة عن الإخوان المسلمين ومختلفا عما يكتبه الآخرون عنهم.

لن أتعرض هنا في هذه العجالة إلى ما يتم تداوله داخل جماعة الإخوان في قطر معين، فقد لا يضيف ذلك كثير معرفة، إذ لن يكون مطردا بين فروع جماعة الإخوان المسلمين في الأقطار العربية. وقد يكون مفيدا أكثر للقارئ والمراقب، أن نتعرض إلى تباينات مواقف الإخوان المسلمين في أقطار عربية مختلفة من قضية واحدة أو قضايا عدة.  

فعلى سبيل المثال لا الحصر: فقد اعتادت جبهة العمل الإسلامي –الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن- أن تنسق مع حزب البعث الحاكم في سورية، ولم تكن قيادة الإخوان السوريين تعترض على ذلك التنسيق. وربما كانت قيادة الإخوان الأردنية تستمزج رأيَ الإخوان السوريين قبل كل لقاء تعقده مع البعثيين في دمشق. فرغم تتابع اللقاءات بين وفود الإخوان الأردنية ووفد حزب البعث. غير أن وفود إخوان الأردن إلى دمشق فشلت  –وعلى مدى أكثر من عقد- في زحزحة القيادة السورية قيد أنملة عن موقفها الرافض لأي تسوية تتم مع الإخوان السوريين. مع ذلك أحجمت قيادة إخوان سورية عن انتقاد لقاءات إخوان الأردن مع النظام السوري، وأن بدا أن قواعد الإخوان السوريين بدأت تتململ من هذه اللقاءات العقيمة التي لا تثمر إلا "السدى".

التحضير لمؤتمر الأحزاب العربية في دمشق وضع التنسيق بين سياسات فروع الإخوان المسلمين على المحك مرة أخرى. فعندما علق الإخوان السوريون نشاطهم المعارض للنظام السوري، فقد اعتبروه مؤازرة منهم –كإخوان مسلمين سوريين- لإخوانهم في حركة حماس ، في مواجه الهجمة الإسرائيلية الشرسة التي استهدفت الحركة في غزة، بداية كانون الثاني 2009.

الإخوان السوريون من جهتهم برروا هذا التعليق بأنه توفير للجهود التي ينبغي أن تصب بل وتساهم في ردع العدوان وإفشاله. ومع أن كثيرين لم يقنعهم هذا التبرير، إلا أن كثيرين آخرين –أيضا- اعتبروا تعليق الإخوان لنشاطهم يداً ممدودة، وعلى النظام الحاكم في دمشق أن يقابلها في منتصف الطريق.  

ولكن، وبعد مضي ما يقرب من سنة على تعليق نشاطهم، شعر الإخوان أن النظام السوري ليس في وارده وضع نهاية سلمية للعلاقة المتوترة بينه وبين الإخوان وقددامت ثلاثة عقود. وقد اعتبر الإخوان استئنافَ النظام لاعتقال ناشطي المجتمع المدني في سورية تصعيداً غير مبرر من النظام. وكان آخرَ المعتقلين شيخُ الحقوقيين وداعية حقوق الإنسان المحامي "هيثم المالح"، ما دعا الإخوان أن يصدروا بيانا شجبوا فيه هذا الاعتقال.

وفي غمرة التحضير لمؤتمر الأحزاب العربية الذي انعقد مؤخرا في دمشق، فوجئ الجميع  -بعثيون ومدعوون- برسالة وجهها "علي صدر الدين البيانوني" المراقب العام للإخوان السوريين إلى عدد من الأحزاب الإسلامية وتنظيمات الإخوان في أقطار عربية دعاهم فيها إلى مقاطعة مؤتمر الأحزاب العربية المقرر عقده في دمشق (10 تشرين الثاني).  

وإذ أكد "البيانوني" في رسالته دعمَه وتأييده لحق إخوانه في فلسطين والعراق (أن يستفيدوا في سوريا من المفارقات السياسية لخدمة مشروعهم وقضيتهم)، فإنه في الوقت نفسه قال: (إن الإخوان السوريين ينظرون بألم بالغ لأي علاقة بين النظام السوري وأي تنظيم إخواني أو إسلامي أو أي شخصية إسلامية دون مراعاة لأوضاع إخوانهم المضطهدين في سوريا). وقد تطلع المراقبون إلى يوم الانعقاد، وصوبوا أبصارهم إلى حيث يجلس الرئيس السوري "بشار أسد" ليتأكدوا أن المنصة كانت خالية من أي قيادي إخواني إلى جانب الرئيس. وحتى الصفوف الأولى حيث كان يجلس كبار المدعوين، فقد كانت خالية من أي شخصية إسلامية عربية ذات وزن، -باستثناء فلسطينيين وعراقيين- وهذا ما أراده "البيانوني".

لقد انكمش حجم مؤتمر الأحزاب الأخير في دمشق بغياب الشخصيات الإسلامية، خصوصا قيادات "جبهة العمل الإسلامي" الأردنية، التي كان الدكتور "اسحق الفرحان" يرأس المؤتمر ويجلس على المنصة بجانب الرئيس. ومع التوقير لشخصيات عربية حضرت المؤتمر، فقد كان أكثر الحضور إما أحزابا حكومية، أو أحزابا غير مستقلة كأحزاب الجبهة التقدمية التي تنضوي تحت جناح حزب البعث، التي لا يجاوز عدد منسوبي بعضها أصابع اليد الواحدة. وللمفارقة، فإن المؤتمر عقد تحت شعار: "دورة القرار العربي المستقل".

و في تصريح لوكالة "آكي" الإيطالية للأنباء قال أمين عام حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي حسن عبد العظيم عن المؤتمر:"إن المؤتمر بوضعه الحالي لا يمثل إلا الأحزاب المرخصة رسمياً من حكوماتها".

وبالمناسبة، فقد ذكر "صفوان قدسي" رئيس أحد أحزاب الجبهة التقدمية فيعلن -وقد وجد نفسه قد أصبح رئيسا للمؤتمر- أنهم لم يدعوا الإخوان السوريين إلى المؤتمر لأنهم جماعة محظورة. وقد فات "القدسي": أن الإخوان المسلمين ليسوا الجماعة الوحيدة المحظورة في سورية، بل لا يوجد حزبٌ واحدٌ مرخصا في سورية باستثناء أحزاب الجبهة. وقد عرّفنا القارئ آنفا، بأحزاب الجبهة  التقدمية التي يمول حزب البعث جميع مصروفاتها!     

من ناحية أخرى، أثبتت تجربة غياب القيادات الإسلامية عن مؤتمر الأحزاب العربية في دمشق، استجابةً لدعوة "البيانوني"، أن حركات الإخوان المسلمين العربية في الأزمات التي تعصف بالأمة تعزف على وتر واحد كلما تطلب الأمر ذلك. وعندما يتعلق الأمر بالتهديد الدولي لقطر عربي أو إسلامي، فتكاد المواقف تتطابق، كما كان الحال في الموقف الذي اتخذه الإخوان المسلمون في مختلف الأقطار العربية عند احتلال أمريكا لأفغانستان، وعند احتلالها العراق، هذا الاحتلال الذي أنهى العراق كدولة عربية ذات كيان، وليس نظام "صدام حسين" وحده، كما زعمت واشنطن.

               

    * كاتب سوري معارض يعيش في المنفى