يا مبارك: لمن هذا الدم المحروق؟؟!!
أ.د/
جابر قميحةسيظل يوم الأربعاء السابع من ديسمبر 2005م نقطة عار وخزي وشنار في تاريخ حكمكم يا مبارك.. .. إنه يوم المهرجان الملتهب المتوهج الكبير.. بل أكبر مهرجان أقيم في عهدكم الذي التهم من الزمن ـ حتى الآن ـ ربع قرن.
ـ إنه مهرجان أريقت فيه الدماء البريئة الحرام.
ـ إنه مهرجان ضُرب فيه القضاة، وأهينوا، واعتدي عليهم سِفْلة السفلة من رجالكم.
ـ إنه مهرجان لفنون التزوير القذر، والتزييف الشيطاني الحقير الخسيس.
ـ إنه مهرجان مزق فيه عرض مصر، وهتك فيه شرفها، وداست على فُتاته الأحذية الغليظة الملوثة السوداء.
ـ إنه مهرجان الكذب الصارخ البُواح: باتهام الأبرياء بالبلطجة، والقتل، وإحراز السلاح.
ـ إنه مهرجان التستر الكبير على المجرمين الحقيقيين، والجناة القاتلين الذين تنكروا للحد الأدنى من القيم والرجولة والضمير.
ـ إنه مهرجان البراعة الكبرى في إبراز القدرة الفائقة على إشعال معركة من جانب واحد، أسلحتها العصى الغليظة، والقنابل المسيلة للدموع، والمسدسات، والمدافع الرشاشة، وماء النار، والرصاص المطاطي، والرصاص الحي، والضمائر الميتة، والقلوب العمياء.
رحم الله ابن الخطاب
رحم الله عمر بن الخطاب، ورضي عنه، لقد قال ـ يا مبارك ـ : "والله لو عثرت بغلة بالعراق، لكنت المسئول عنها أمام الله، لمَ لمْ أسوِّ لها الطريق؟".
إنها بغلة.. نعم بغلة يرى الخليفة أنه مسئول عن عثرتهاـ وبينه وبينها أكثر من ألف ميل ـ لأنه لم يمهد لها طريقها، ويميط الأذى والأحجار عنه حتى تواصل مشوارها.
ونرى قواتك ـ يا مبارك ـ سوّت كذلك لمواطنيك الطريق ليواصلوا مشوارهم، قتلى إلى القبور،وجرحى إلى المستشفيات.
وبمناسبة ذكرنا للبغال أشهد ـ يا مبارك ـ لقواتك الأمْنية ـ بالبراعة الفذة في "توظيف" عصيها الغليظة التي كانت تهوى على رءوس المواطنين المصريين المطحونين، ليحولوا بينهم وبين لجان الانتخاب، وهم بظهورهم يتراجعون بالمئات أمامها، وكأنهم قطعان من الأغنام، ولكن رعاة الأغنام لايسوقون أغنامهم إلا بكل رفق وهوادة، وإذا استعملوا العصى فهي "نحيفة" رفيعة اتخذوها "للهشّ" لا للضرب. ثم إني أقول لقد أجرم مواطنوك إذ صدقوا بأن عهدًا جديدًا قد بدأ من الحرية والديمقراطية، مما يمكنهم من الإدلاء بأصواتهم.. بصرف النظر عن توجهاتهم، وطوابعهم السياسية، وتوجه الرجال والنساء ليدلوا بأصواتهم في لجانهم، فاحتفى بهم رجال بطريقتهم الخاصة .. بالعصى والرصاص وماء النار والقنابل الخانقة المسيلة للدموع، فسقط أكثر من عشرة قتلى، وأكثر من ستمائة جريح، كثيرون منهم في حالة خطيرة، وكثيرون إن عاشوا فبعاهات دائمة وتشوهات خَلَـقية لا يمحوها الزمن.
دماء المصريين ـ يا مبارك ـ ماء!!؟؟
فهل أصبحت دماء المصريين في عهدكم ـ أعنى عهودكم ـ يا مبارك ماء، إن أراقها "رجال أمنكم" فلا ملامة، ولا تثريب؟ هل أصبحت دماء المصريين في عهدهكم ـ أعني عهودكم ـ أرخص من دم الحيوانات والزواحف والهوام؟!
هل أصبحت دماء المصريين هدرًا... كالكلأ المباح لرجال أمنكم النَّشامى.. الصناديد .. الشجعان؟
هل ذنب المصريين أنهم لم يكونوا يهودًا صهاينة كعزام عزام؟ يا للعار ـ يا مبارك ـ الجاني الحقيقي ـ يا عيني ـ برئ مظلوم .. المجرم الحقيقي حر طليق .. مكافأ مقدَّر، ينال من التوقير والثناء الكثير والكثير .. وقد يُحتفل به رسميًا، ويُمنح وسام "الشرف الدموي" المُحلّى "بالعظمتين والجمجمة".
أما الجاني الأثيم ـ في نظركم ـ فهم رجال من الناس اسمهم "الإخوان المسلمون" يدَّعى كبار مسئوليك أنهم اعتلوا سطوح المنازل، وأخذوا يطلقون الرصاص على الواقفين أمام اللجان.
ويفضح كذبهم أن القتلى جميعًا، أو أغلبهم ـ إن لم يكونوا أعضاء في جماعة الإخوان، فهم من مناصريهم، ومؤيدي مرشحيهم.. وحتى تستكمل الأكذوبة خيوطها تنشر الصحف المسماة بالقومية صورًا لأسلحة نارية وبيضاء (يوم الخمس 8 / 12 / 2005م) بزعم أن أحد القياديين الإخوانيين قام بتدبير هذه الكمية من السلاح لدعم مرشح الإخوان بفاقوس، كما ضبطت مبالغ مالية، ومحررات تنظيمية إخوانية على قاعدة بيانات جهاز كمبيوتر.
إنه اتهام رخيص، لا يصدقه أكثر الناس سذاجة، وأشدهم "عبطًا" و"هبلاً" وغباء؛ لأن هذا إذا وقع في فاقوس من محافظة الشرقية، فمن الذي قتل المواطنين في دمياط والمطرية دقهلية؟
الأغلبية المريحة!!!
إنه مصطلح جديد من ابتكارات المسمى (الحزب الوطني الديمقراطي) وتحقيق هذه الأغلبية المريحة لا يكون إلا بثلثي أعضاء مجلس الشعب، وهو هدف يستميت كبارهم في تحقيقه بشتى الوسائل .. وليس مهمًا أن يحققوه بالدم أو بالمال أوالكذب والتزييف، أو خراب البيوت، أو فتح المعتقلات، أو بهذه الوسائل جميعًا.
هذا زيادة على فتح الصدور لمن يريد الالتحاق بالحزب من الناجحين المستقلين منشقين وغير منشقين. المهم الوحيد هو تحقيق هذه الملعونة المسماة (الأغلبية المريحة)... بأي حساب وبأية تضحية.
هذا وقد أجاز بعضهم ـ وخصوصًا الذين ينافقون كبارنا الذين أضلونا السبيل ـ التحاق المستقل بالحزب الوطني، ولو مُنع لكان ذلك حَجْرًا وحرمانًا له من حق الحرية الذي كفله له الدستور.
وهي مغالطة مفضوحة مكشوفة؛ لأن للحرية ضوابط وقيودًا أهمها: عدم تعارضها مع حقوق الآخرين، وإلا ما استقام نظام، وما قام خُلق، وما عاش ضمير. فالمستقل يعني أنه غير حزبي، وقد انتخبه أهل دائرته على هذا الأساس، وبهذه الصفة، فتحوله لأي حزب بعد نجاحه يعد "نقضًا" للعقد الذي أبرمه معهم، ويعد إخلالاً بقيم الدين والرجولة، وتصرفًا خسيسًا بإرادة منفردة، والله سبحانه وتعالى يقول (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) (المائدة: 1) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان".
إنه عهد السقوط الكبير
نعم .. هو عهد السقوط الفاحش .. والفساد الزاعق، والرشاوى المفضوحة، والتزوير الأثيم، والظلم المجنون .. إنه عهد الاستهانة بالمواطنين.. عهد المعتقلات التي ما زالت تضم، وتخنق في بطونها قرابة خمسة وعشرين ألفًا من شباب هذه الأمة.
فهلا ذكرت يا مبارك أنت وحواريوك قول الإمام علي كرم الله وجهه "ضعْ فخرك، واحْطُط كِبْركَ، واذكر قبرك" نعم اذكر قبرك، فإنك ميت، وإنهم ميتون، واعلم أنها لن تدوم لكم. وصدق الشاعر القديم إذ قال:
اليوم عندك دَلُّها وحديثها وغدا لغيرك كفها والمعصم
وأراني أختم مقالي بأبياتي الآتية :
أيـها الظالمون في الأرضِ فـاتـقـوا الله إن لـلـهول يومًا لا تـظـنـوا السلطانَ يبقى لحيٍّ لا تـظـنـوا الرمادَ يعني خمودا لا تـظـنوا السكون يبقى سكونًا فكفى الشعب "ربع قرن" من الظلـ | مهلاًإن فـي الأرض والـسما فـيـه مـن ظلمكم سَتصْلَون نارا خُـلـقَ الـدهـرُ قُـلَّـبا دوّارا إن تـحـت الـرماد جمرًا ونارا إن خـلـف السكونِ عصْفًا مُثارا مِ أذقـتـم فـيـه الـعباد المرارا | جبارا.