ماذا يريد الإخوان المسلمون في سوريا
ماذا يريد الإخوان المسلمون في سوريا؟
د. عبد الله السوري
[email protected]
من
مشكلات العالم العربي أن حوار الطرشان يسـود فيه حتى بين الفئات المثقفـة ، ولاتجد
إلا القليل ممن يعرف ماذا يريد الآخرون ، وفي هذه الحالة يؤدي الفهم الخاطئ إلى
الرمي بالتهم ، والتراشق بالشتائم ، بدلاً من الحوار الهادئ العاقل .
من
أوضح الأمثلة على ذلك ما يكتبه بعض العلمانيين ، والملحدين ، عن الإخوان المسلمين ،
تجدهم يتهمون الإخوان المسلمين بأنهم طلاب كراسي ، يتاجرون بالدين من أجل الوصول
إلى الكراسي ، وعندما يصل الإخوان إلى السلطة سيكونون أكثر ديكتاتورية من غيرهم ،
وأخيراً يرى علي الشهابي أنهم سيكونون أكثر استبداداً من النظام القائم في سوريا
حالياً ؛ كما كتب في موقع كلنا شركاء تحت عنوان ( الديموقراطية وديموقراطية الحزب
الديني ) وخلاصته أن الحزب الديني لايستطيع أن يكون ديموقراطياً ، بل لابد أن يكون
ديكتاتورياً ، لأنه سيمنع الملحدين والمفسدين وناشري الانحلال والمجون الأخلاقي من
( حقهم في الحرية وممارسة التعبير كما يقول الشهابي ) . ولفت انتباهي أن هذا الكاتب
وكثيرين غيره لايعرفون شيئاً عن الإخوان المسلمين إلا ما يقوله أعداؤهم من عملاء
الصهيونية والصليبية .
ومن
أسباب جهل الآخرين بالإخوان المسلمين ؛ تقصير الإخوان المسلمين في نشر فكرتهم ،
وتحديد مطالبهم بدقـة ، و يحاول الإخوان اليوم تدراك ذلك التقصير ، ومن أجل ذلك جاء
المشروع السياسي لسوريا المستقبل الذي أصدرته جماعة الإخوان المسلمين في سوريا
أخيراً ، ووزعت منه نسخاً كثيرة في اللغات العربية والفرنسية والانجليزية .
من
أجل ذلك أردت أن ألخص بوضوح وصراحة تامين ماذا يريد الإخوان المسلمون في سوريا ؟
الإخوان المسلمون حركة تدعو الناس كافة إلى الإسلام ، وتدعو المسلمين إلى الالتزام
بالإسلام ، حتى يصلوا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ، وسبيلهم إلى ذلك التربية ،
وإعداد الفرد المسلم ، ثم الأسرة المسلمة ، ثم المجتمع المسلم ، ثم الدولة المسلمة
، ثم الأمـة المسلمة . لتكون خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
ويؤمنون بالله .
ووسيلة إعداد ذلك كله هي الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن
، وتربية المسلمين الذين استجابوا لهذه الدعوة ، تربيتهم على الإسلام ، أو قل
مساعدتهم على تفهم الإسلام والالتزام بـه .
وقد
عايشنا نصف القرن الماضي في سوريا ، وتأكد لنا أن الآخرين يمنعون الإخوان المسلمين
من الدعوة إلى الإسلام ، يمنعونهم من ( حق التعبير ) ؛ الذي يمارسـه الملحدون
والمفسدون والمنحلون أخلاقياً ، ويدعون الآخرين إلى فسادهم ومجونـهم ، أما الإخوان
فقد منعوا من حق التعبير ، بل منعوا من حريتهم الشخصية ، ووضعت العقبات الكثيرة
أمامهم ومن هذه العقبات على سبيل المثال لا الحصر :
1 ـ
محاربة الداعية المسلم في لقمة عيشـه وعيش أولاده ، وقد تخرج كثير من الدعاة من
الجامعة ، ولم يسمح لهم بممارسة التعليم ، وبالتالي منعوا من حق التعبير ، ومن حق
الحياة الكريمة ، واضطر كثير منهم إلى الهجرة خارج سوريا بحثاً عن لقمة العيش .
2 ـ
كانت الحكومة تبعد المدرس الداعية عن الشباب المسلم ، حيث يجد المدرس طلاباً
يتقبلون دعوته إلى الالتزام بتعاليم الإسلام ، فكانت تعين أمثال هؤلاء في ثانويات
البنات ، ولما وجدت الدولة أن هؤلاء المدرسين انتشرت دعوتهم بين البنات ، وساد
الحجاب في مدارس البنات في حماة وحلب وغيرهما ،خلال بداية الستينات ، عندما عينت
الحكومة عدداً من مدرسي التربية الإسلامية الدعاة في ثانويات البنات ، فقررت
الحكومة عندئذ إبعاد هؤلاء المدرسين فنقلتهم إلى أماكن بعيدة ، وشرائح من الشعب
السوري لاتقبل دعوتهم ، وبذلك حرموهم من حق التعبير .
3ـ
لم يقف الحرب عليهم عند هذا الحد بل سـرحت الحكومة السورية أعداداً من المدرسين
الدعاة (1979) ، بعد أن سلكت السلطة طريق نقل المدرسين الدعاة من وزارة التربية
إلى وظائف كتابية في شتى الوزارات ، كي تمنعهم من ممارسة حقهم في التعبير والدعوة
إلى الله عزوجل . ومن هذه المحاربة ، التضييق في لقمة العيش على المسلمة المحجبة ،
وعلى زوجها ، ووصل الأمر كما يعلم الجميع إلى قتلهم وتصفيتهم الجسدية في عقد
الثمانينات . وخلاصة جريمتهم أنهم يدعون الناس إلى الإسلام ، ويدعون المسلمين إلى
الالتزام بالإسلام .
4 ـ
ومن البدهي أن الدولة في سوريا تمنع قبول الشباب المحافظين على الصلاة في الكليات
العسكرية منذ (1963) ، بل أنها سرحت الدفعة التي دخلت الكلية العسكرية في عام
(1962) زمن عهد الانفصال ، والتي كان فيها قليل ممن يؤدون الصلاة ويحافظون عليها ،
لذلك سرحت الحكومة الدفعة كلها .
5 ـ
بل حورب الإخوان المسلمون عامة في حريتهم الشخصية ، فالفتاة التي تختار الحجاب بعد
أن عرفت أن الله عزوجل فرض عليها الحجاب لتصون نفسها ، وتصون غيرها ، لكن السلطة
وبعض المثقفين خارج السلطة حاربوا هذه الفتاة ، فلا يقبلونها في دور المعلمات مثلاً
، وإذا كانت متخرجة من الجامعة لاتقبل في مسابقة المدرسين والمدرسات لتكون مدرسة ،
وهكذا بدأت محاربة الحجاب في سوريا وتونس والجزائر والعراق خلال الستينات ، قبل أن
تبدأ محاربته في أوربا خلال هذا العقد من القرن الحالي . وحورب الشباب المسلم لأنهم
أطلقوا لحاهم أسوة بالنبي r
، الذي أمرهم بإعفاء اللحى وحف الشوارب ، استجاب هؤلاء الشباب وأطلقوا لحاهم
فحوربوا ، ومنعوا من دخول دور المعلمين أو الالتحاق بالوظائف التعليمية ، أو دخول
الكليات العسكرية ،كل ذلك لمنعهم من ممارسة حريتهم الشخصية ، في التعامل من شـعر
وجوههم ، كما منعت الفتيات من ارتداء الحجاب ، وهذا أقصى الاستبداد والاستعباد
والاستعمار .
5 ـ
ومن الملاحظ سرعة استجابة المسلمين إلى الالتزام بدينهم ، رجالاً ونساء ً إذا ما
توفر الداعية المسلم الذي يتقن فن الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، ولكن
السلطة في سوريا منذ (1963) تحارب هؤلاء الدعاة وتمنعهم من حق التعبير ، وواجب
الدعوة إلى الله ؛ إذ أن المسلم يعتقد أن الدعوة إلى الله فريضة ، يجب عليه أن ينفذ
هذه الفريضة ، وإلا كان آثماً .
هذه
الأعمال التي منع الإخوان المسلمون من ممارستها بحرية تامة ، هذه الأفعال هي
مايريده الإخوان المسلمون في سوريا وفي غيرها .
ومن
هذا العرض أنتهي إلى أن الإخوان المسلمين يريدون أن يسمح لهم بممارسـة الدعوة إلى
الله ، دعوة الناس إلى الإسلام ، ودعوة المسلمين إلى الالتزام بالإسلام ، وتربية
أبناء المسلمين وبناتهم على الإسلام ، كل ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة
بالتي هي أحسن .
إن
أصحاب الباطل ( من وجهة نظر الإخوان ) يسمح لهم بالدعوة إلى باطلهم ، وتضع الدولة
بين أيديهم وسائل حديثة في الدعوة كالمجلات والصحف والإذاعة والتلفزة ، ونشر الكتب
والأفلام السينمائية ....وغيرها كثير . بينما يحرم الإخوان من ممارسة حقهم في
التعبير عن أنفسهم وعن الدعوة إلى الله التي يؤمنون أنها فريضة عليهم ، الدعوة إلى
الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسـن ، حتى الدعوة بالكلمة
الشفوية التي يخاطب الدعاة بها غيرهم من المسلمين .
ولعل الكثير من الناس لايعرف أنه في عام (1962) تقدم العميد (صدقي العطار) إلى
المراقب العام للإخوان المسلمين ، وعرض عليه أن يقوم هذا الضابط ومجموعة من زملائه
بانقلاب عسكري ، ومن ثم يسلمون دفة الحكم للإخوان المسلمين ، فرفض الأخ المراقب
العام يومذاك ( الأخ عصام العطار )، بعد أن شكره على حسن الظن بالإخوان والثقة بهم
، ومماقاله : لانستلم الحكم الذي تأتي بـه الدبابة . ومما هو جدير بالذكر أنه بعد
هذه المقابلة ببضعة شهور قام انقلاب الثامن من آذار (1963) ؛ الذي استلم الحكم وهو
على ظهر الدبابة ، ومازال يركب الدبابة ويحكم سوريا منذ أربعين سنة بالدبابة
والمدفع وراجمات الصواريخ .
ياقــومـــنا
... لسنا طلاب كراسي ولاحكم ، اسمحوا لنا بحرية التعبير عن أنفسنا ، لنربي أولادنا
وبناتنا ، على شريعة الله عزوجل ، وندعو المسلمين في بلدنا إلى طاعة الله ورسوله
والتزامهم بشريعة الله ، كل ذلك نفعله بالحكمة والموعظة الحسنة ، واسمحوا لنا بنشر
دعوتنا بالصحيفة والمجلة وعبر الفضائيات والانترنت ، وأؤكد لكم أن الإخوان لايريدون
غير ذلك ، اسمحوا لنا أن نفعل ذلك بحرية وبنشاط علني ؛ كما كنا في الخمسينات ،
ونؤكد لكم أننا لانريد غير هذا ، ونحن ممن يزهدون في الإمارة ، ويعرضون عنها ،
تأدباً بأخلاق الإسلام ، فلسنا طلاب كراسي ولامناصب ، لأن هذه الكراسي والمناصب (
حسرة وندامة يوم القيامة ) ، ونحن نخاف كثيراً من يوم القيامة ومابعد القيامة ،
ونسأل الله عزوجل أن يتلطف بنا ويهون حسابنا ، ويعيننا يوم الحشر ، وعند المرور
على الصراط ونحن نتأسى بمقولة عمر رضي الله عنه ( لو أن بغلة أو شاة عثرت على شاطئ
الفرات لخشيت أن يحاسبني الله عنها لمَ لمْ أمهد لها الطريق !!!) . لذلك لسنا طلاب
كراسي ومناصب ، ولانريد غير السماح لنا بدعوة الناس إلى الإسلام .
أسأل الله عزوجل أن يهدي قومنا ليسمحوا لنا بممارسة الدعوة إلى الله في بلدنا ، وأن
يعود بلدنا حراً لجميع أبنائه بلا استثناء ، فكلنا شركاء في هذا الوطن . والحمد لله
رب العالمين .