التقويم

مصطفى محمد الطحان

التقويم

مصطفى محمد الطحان

التقويم الهجري

بالأمس القريب مرت بنا مناسبة عظيمة هي حلول العام الهجري الجديد (1426هـ)، هذا التقويم الإسلامي الذي انحصر استخدامه في أوساط إسلامية محدودة مع الأسف بعد انشغال المسلمين باستخدام التقويم الروماني، فماذا يمثل التاريخ الهجري للمسلمين؟ وماذا تمثل التقاويم الأخرى (الرومانية – السريانية – العبرية – القبطية) بالنسبة للثقافة الإسلامية؟

إن هيبة الأمم واستقلالها تتمثل في تحرير كيانها الثقافي، والاعتزاز بهويتها وخصوصيتها الثقافية، والتاريخ ليس مجرد وسيلة لحساب الأيام والشهور والسنين فقط، وإنما رمز هوية الأمم وذاكرة حضارتها، ومن هنا وجدنا كل أمة من أمم الأرض حريصة على أن يكون لها تقويمها الخاص الذي تعتز به حسب عقيدتها وروح حضارتها.

التقويم العربي

لقد استخدم العرب السنة القمرية وعدد شهورها (12) شهراً، وجعلوا يومهم يبدأ من غروب الشمس، ومن ثم يعرف التقويم باسم التقويم الغروبي، وقسموا يومهم إلى (12) ساعة لليل ومثلها للنهار، كما قسموا الساعة إلى (15) درجة، والدرجة إلى (4) دقائق تقريباً وعلى ذلك يختلف التوقيت الغروبي من مدينة إلى أخرى، كما تختلف المدة الفعلية للساعة مع الأيام بين الصيف والشتاء.

وتستمد أسماء الشهور العربية معانيها إما من الظروف الطبيعية التي تتعرض لها بيئتهم، أو من أسماء الأفعال التي تتم في كل شهر كما يلي:

· محرم: سمي بذلك لأن العرب قبل الإسلام حرموا القتال فيه.

· صفر: سمي بذلك لأن ديار العرب كانت تصفر أي تخلو من أهلها لخروجهم بحثاً عن الطعام وهرباً من حرّ الصيف.

· ربيع الأول: لأن تسميته جاءت في الربيع فلزمه ذلك الاسم.

· ربيع الآخر: جاءت تسميته في الربيع أيضاً، ولا يقال: ربيع ثاني كي لا توحي بوجود ثالث.

·  جمادى الأولى: لأن تسميته جاءت في الشتاء فلزمه ذلك.

· جمادى الآخرة: لأن تسميته جاءت في الشتاء أيضاً، ولا يقال: ثاني كي لا توحي بثالث.

·  رجب: يقال رجب الشيء أي هابه وعظمه، لأن العرب كانوا يعظمونه بترك القتال فيه.

· شعبان: لأن العرب كانت تتشعب فيه أي تتفرق للحرب بعد قعودهم في شهر رجب.

· رمضان: يقال رمضت الحجارة.. إذا سخنت بتأثير الشمس، وسمي بذلك اشتقاقاً من الرمضاء حيث كانت الفترة التي سمي فيها شديد الحر.

· شوال: سمي بذلك لأنها في فترة تشولت فيها ألبان الإبل أي نقصت وجف لبنها.

· ذو القعدة: لأن العرب كانت تقعد فيه عنه القتال باعتباره من الأشهر الحرم.

· ذو الحجة: لأن العرب عرفت الحج فيه.

وقد أخذ التقويم القمري الغروبي شكله وهيئته النهائية الحالية منذ سنة 412م تقريباً، ولم يكن للعرب قبل الإسلام تقويم خاص بهم، وإنما اعتمدوا في تاريخهم للأحداث على حوادث تاريخية مشهورة لديهم مثل: بناء الكعبة وحرب الفجار وعام الفيل إلخ.

وقد أقرّ الإسلام على هذا التقويم القمري الغروبي بشكله وهيئته دون تحديد حدث معين يؤرخ به ولا عاماً بعينه ليكون بداية له، وفي عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب أبو موسى الأشعري – وكان والي البصرة – إلى عمر قائلاً: (إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ) فجمع عمر الناس يستشيرهم بهذا الأمر فقال بعضهم: أرخ بالمبعث، وقال بعضهم: أرخ بالهجرة، فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها، واتفقوا على شهر المحرم ليكون بداية للعام الهجري، وقد بدأ العمل بالتقويم الهجري في يوم الأربعاء 20 من جمادى الآخرة عام 17هـ وانتشر مع الفتوحات الإسلامية وعلى أساسه تم ضبط العبادات الإسلامية من زكاة وصوم وحج.

والسر في نقاء التقويم الهجري القمري أنه تقويم رباني كوني قديم، فكل شيء فيه يتم بحركة كونية ربانية رسم خطاها رب العزة حيث قال: ) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ((1) والضمير في قوله )قدرناه( يعود على القمر، فاختاره لنا ربنا جل شأنه للتأريخ والتقويم، بل حدّد لنا عدد شهوره بقوله سبحانه: ) إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا((2) وقد وردت بعض أسماء الشهور القمرية وأسماء الأيام في كتاب الله، كما وردت في السنة النبوية بقية الأسماء التي تداولتها الأمة الإسلامية على مرّ القرون، وظلت تستخدمه إلى أن جاءت الموجة الاستعمارية وما تبعها من تغريب وفقدان للهوية أدت إلى سقوط الخلافة الإسلامية على يد مصطفى أتاتورك الذي أصدر قراراً بإلغاء التاريخ الهجري واستبداله بالتاريخ الروماني (الميلادي) عام  1344هـ الموافق 1926م. وبذلك حلّ التقويم الروماني (الجريجوري) محل التقويم الهجري تنفيذاً لمخطط دام قروناً طويلة.

التقويم الروماني

سمي التقويم الروماني بهذا الاسم نسبة إلى روما – حاضرة الإمبراطورية الرومانية – لأنهم اعتمدوا تأسيس مدينة روما بداية لتقويمهم، وقد جعلوا العام عشرة أشهر في البداية وهي:

1-  مارس: ويرمز للمريخ وهو إله الحرب الروماني.

2-  أبريل: ويرمز للأزهار رمز الآلهة (فينوس).

3-  مايو: ويرمز للآلهة  اليونانية (مايا) الخاصة بالخصب والنماء.

4-  يونيو: ويرمز لاسم (Junius) أكبر القبائل الرومانية.

ومن الشهر الخامس حتى العاشر ترمز إلى مكانها وأسمائها.

5-  كونيلس: أي الخامس

6-  سكستيلس: أي السادس.

7-  سبتمبر: أي السابع.

8-  أكتوبر: أي الثامن.

9-  نوفمبر: أي التاسع.

10-  ديسمبر: أي العاشر.

ونظراً لما لهذا النظام من خلل واضح تم إدخال التعديلات التالية عليه:

أولاً: تعديل (نوما) وهو ثاني أباطرة الرومان ويشتمل تعديلاته ما يلي:

1-    أضاف شهراً قبل مارس سماه يناير: ويرمز للإله (يانوس) إله الشمس عند الرومان وحارس أبواب السماء.

2-    أضاف شهراً بعد ديسمبر سماه فبراير: ويرمز إلى الكفارة والتطهر والتقديس.

3-    أضاف شهراً طوله 22 يوم أو 23 يوم مرة كل سنتين.

ثانياً: في عام 452 ق. م. قام أحد أباطرة الرومان بجعل شهر فبراير بين يناير ومارس ولكن الكهنة تلاعبوا بهذا التقويم حتى جاء الإمبراطور يوليوس قيصر وأدخل تعديلاته المعروفة بالتعديل اليولياني.

ثالثاً: التعديل اليولياني ويشتمل على ما يلي:

1-    جعل السنة الشمسية أساساً للتقويم.

2-    جعل السنة الكبيسة 366 يوماً والعادية 365 يوماً.

3-    جعل عام 718 رومانية تساوي 445 يوماً لإعادة ضبط التقويم.

4-    جعل مبدأ التاريخ الروماني أول يناير 709 تبعاً للروماني.

5-    جعل الشهور فردية العدد: 31 يوماً، وزوجية العدد: 30 يوماً.

6-    جعل الشهر فبراير 29 يوماً في السنة العادية و30 يوماً في الكبيسة.

رابعاً: في عام 44 ق. م. تم إطلاق اسم الإمبراطور يوليوس قيصر على الشهر السابع فصار اسمه (يوليو).

خامساً: في عام 31 ق. م. أطلق اسم الإمبراطور إكتافيوس الملقب بأغسطس (أي المهيب) على الشهر الثامن فصار اسمه (أغسطس) وحتى لا يكون في عدد أيامه أقل من سلفه زيد في أيامه يوم أخذ من فبراير، وبتعديل عدد أيام كل من سبتمبر ونوفمبر وجعل كل منهما: 30 يوماً رغم أنهما من الأشهر الفردية، واستقر الأمر بهذا التعديل المعروف باسم التقويم اليولياني الذي جعل بداية السنة الميلادية بيوم البشارة 25 مارس (آذار)، وجرى الناس على ذلك فترة ثم وقع الاختيار على الأسبوع الذي يلي تاريخ الميلادي ليكون بداية السنة الجديدة وهو المستقر للآن.

سادساً: التعديل الجريجوري: ويعتبر التعديل الأخير للتقويم الروماني واستند على أن السنة اليوليانية تعادل 365 يوماً وربع اليوم، بينما في الواقع تنقص السنة عن ذلك بمقدار (11) دقيقة و(14) ثانية، ومع توالي السنوات اتضح الخلل بين السنتين، فقد لاحظ جريجوري الثالث عشر – بطريرك الفاتيكان – أن الفرق بين السنة اليوليانية والسنة الشمسية يبلغ ثلاثة أيام كل 400 سنة، فقرر استقطاع عشرة أيام، وجعل يوم الجمعة الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1582م يساوي يوم الجمعة الخامس عشر من نفس السنة.

وبظهور التقويم الجريجوري أخذ التقويم الشمسي الروماني شكله وهيئته النهائية، وأخذت به فرنسا فور ظهوره، وأخذت به إنكلترا عام: 1752م، واليابان عام: 1872م، ومصر عام: 1875م، والصين عام 1912م، واليونان عام 1913م كما تم تطبيقه على كل من سوريا – لبنان – فلسطين – الأردن – والعراق في أيام الاحتلال الإنكليزي والفرنسي، وفي الاتحاد السوفييتي عام: 1923م، وفي تركيا عام 1923م.

التقويم السرياني

يرجع هذا التقويم في أصله إلى آلهة بابلية قديمة، كما تستمد معظم أسماء شهوره معانيها كذلك. ويتخذ التقويم السرياني عند أغلب المؤرخين عام 312 ق. م. بداية له، وهو العام الذي فتح فيه (سلوقس) – أحد قادة الإسكندر – مدينة بابل، وقد اندثر هذا التقويم ولم يبق منه سوى أسماء الشهور التي ما زالت متداولة حتى الآن وهي كما يلي:

آب – أيلول – تشرين أول – تشرين ثاني – كانون أول -  كانون ثاني - شباط – آذار – نيسان – آيار - حزيران – تموز، ومعلوم أن سبعة من أسماء الشهور السريانية تتطابق تماماً مع أسماء الشهور العبرية التي تستخدمها اليهود.

الخلاصة

رغم أن التاريخ الميلادي الذي يجري العمل به حالياً يتخذ من حيث المبدأ من ميلاد السيد المسيح عليه السلام بداية له باعتباره معجزة من معجزات الله سبحانه، فإن معظم شهوره تمجد عدداً من أباطرة الرومان وآلهتهم الوثنية، وهذا يتناقض مع أساسيات الدين الإسلامي الحنيف وثوابت العقيدة ويصطدم مع متطلبات الوحدانية، ومع أن توصيات كل من الندوتين:

1-    (التأريخ الإسلامي وأزمة الهوية) التي عقدت في طرابلس بليبيا عام 2000م.

2-    (فلسفة التأريخ وهويتنا الحضارية) التي عقدت في الأردن عام 2002م.

أكدتا بأن اعتمادنا على التقويم الميلادي يشتت ذاكرتنا التاريخية ويحول دون استمساكنا بهويتنا العربية الإسلامية ويذيب ثقافتنا فيما يسمى بالثقافة العالمية التي هي في نهاية المطاف تأصيل لنظرة أحادية مستعلية تريد أن تبسط نفوذ الغرب على العالم وتطمس حضاراته، إلا أن تلك التوصيات، لا تطالب المسلمين بالعودة إلى تاريخهم الهجري، بل تطالب بتقويم شمسي للأمة الإسلامية يجعل من وفاة الرسول r بداية له.

السلطان عبد الحميد في مذكراته

ولقد استهل السلطان عبد الحميد.. وهو قابع في سجنه بعد أن أسقطه انقلاب الاتحاد والترقي الطوراني عام 1909.. استهل مذكراته بفصل عن التاريخ الهجري.. وتساءل: لماذا تركنا تاريخنا المعبر عن حضارتنا.. وأخذنا بالتقويم الرومي الذي يمجد آلهة روما؟!

          

 (1) يونس- 5.

(2) التوبة- 37.