أهل الحكم في دمشق وملاحقة الفاسدين

فيصل الشيخ محمد

فيصل الشيخ محمد

تقوم في سورية في هذه الأيام حملة ملاحقة رموز الفساد الاقتصادي وقد طالت رؤوساً كنا نظن أنها في مأمن من سيف العدالة والملاحقة، ونسمع ونقرأ كل يوم عبر وسائل الإعلام السورية الرسمية عن اعتقالات طالت موظفين كبار في أعلى المراتب وأهمها حساسية، وكنا نظن أن حصونهم مانعتهم من الملاحقة والاعتقال!!

صحيح أن هذه الحملة جاءت متأخرة.. ومتأخرة جداً، إلا أنها خطوة في الاتجاه الصحيح وإن أتت متأخرة.. فخير من أن لا تأتي أبداً!!

لقد كان المواطن السوري المطحون والمسحوق هو الضحية الأولى لأساطين الفساد وحيتانه، الذين نهبوا ثروات الوطن، وأفرغوا جيوب المواطنين على مدى نصف قرن تقريباً، مدعومين بقوانين ومراسيم وقرارات خدمت أغراضهم الدنيئة ونفوسهم الرخيصة وجشعهم الذي لا حدود له، حتى غدا واحدهم متخوماً بأرصدة تحمل أرقاماً فلكية لا يعرف لها كمية أو عدد متداول بين الرياضيين والفلكيين.. كنا نسمع في الماضي أن هناك في سورية بضع أشخاص يوصفون على أنهم مليونيريين.. أي قد يملك أحدهم – بين أموال منقولة وغير منقولة – ما قيمته بين مليون أو ثلاثة ملايين ليرة سورية، في حين نسمع اليوم عن بعض رؤوس الفساد الذين ألقي القبض عليهم أن خزائنهم مليئة بعشرات المليارات من العملة الصعبة (دولار ويورو) في حين أن بعضهم قد أخرج عشرات المليارات من هذه العملات إلى خارج البلاد وأودعها في بنوك أوروبا وأمريكا، ولم يستثمر منها قرش واحد داخل البلاد يمكن أن يشغل بها آلاف العاطلين عن العمل من شبابنا الذين يقفون أذلاء في طوابير أمام السفارات الأجنبية للحصول على (فيزا) للعمل فيها.

عملية ملاحقة المفسدين والفاسدين مقدرة لأهل الحكم في دمشق.. ولكن الملاحقة لا تكفي لأن هؤلاء قد فرخوا الآلاف غيرهم.. فالقضاء على الفساد والمفسدين بحاجة إلى قوانين صارمة دون المساس بمصلحة المواطن أو عرقلة تقدم عجلة الحياة الاقتصادية في سورية.

كما قلنا فإن عملية ملاحقة الفاسدين والمفسدين ممن نهبوا ثروات الوطن وأفرغوا جيوب المواطنين مقدرة لأهل الحكم في دمشق، إلا أننا ننتظر منهم أن يطال سيف العدالة والملاحقة الأجهزة الأمنية المحمية بقوانين تمنع ملاحقتهم أو محاسبتهم، وهم الأخطر على الوطن وتقدمه وعلى المواطن وأمنه، ويُعاملون على أنهم من نوع آخر من البشر، وكأنهم لم يأتوا من أرحام النساء ولا ظهور الرجال، فكل واحد منهم في موقعه دولة لها أسوار وعلم ونشيد وجواز سفر وفيزة مرور، الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود، ديدبانهم تخويف المواطن وإرهابه وابتزازه حتى آخر قرش في جيبه أو يتمكن من استدانته لينجو بريشه، محصنين بقوانين مستوردة ليست لها أي معايير إنسانية أو أخلاقية.. فهل نسمع في قابل الأيام أن أهل الحكم في دمشق وضعوا حداً لتعسف رجال الأمن وتطاولهم على المواطن وابتزازه وتخويفه وتقويس ظهره وحني قامته، بحجة مكافحة الإرهاب وحماية أمن الوطن، وهم من يمارسون الإرهاب ويخترقون جدران أمن الوطن والمواطن؟!