عاجل جداً جداً....... الفلوجة تختنق

أمير أوغلو

عاجل جداً جداً....... الفلوجة تختنق

بقلم : أمير أوغلو

 [email protected]

     أصل هذا المقال نشر يوم حصار الفلوجة القديم في أبريل من هذا العام, وعندما أردت كتابة مقال جديد عما يحدث اليوم في الفلوجة وجدت أن الأمور لم تتغير نهائيا وإن كانت ازدادت سوءاً وبربرية ووحشية والهجوم هذه المرة كان أكثر بطشا وأكثر إرهابا وأكثر تهديما وتدميراً, كما أنه يتميز بأنه مدعوم من الحكومة المؤقتة بشكل كامل بل وتتفاخر الحكومة بهذا الإنجاز المتمثل بقتل المدنيين وخراب بيوتهم وتشريدهم ومنع المساعدات الإنسانية عنهم حتى الطبية منها.

اليوم هو العاشر من الهجوم على الفلوجة , والدمار طال معظم بيوت المدينة ومنشآتها, ولا أعرف في الحقيقة اسما لما يحصل غير التطهير العرقي أو الإبادة الشاملة وكأن هناك انتقام متعمد من أهل هذه المدينة الصامدة ولا أدري ما هو ذنبها القديم ؟ لقد تم قطع الكهرباء والماء عن المدينة منذ أكثر من عشرة أيام وحوصرت اقتصاديا وشرد أهلها منها ومنعت قوافل الإسعاف من دخولها وسجن أطباؤها واحتل مشفاها , وكأن الإبادة التامة متعمدة لمن بقي من أهلها فيها وهم يقدرون بمائة وخمسين ألف نسمة , وما يلفت النظر في الموضوع أنه رغم تحرير تسعين بالمائة من المدينة حسب قول الأمريكان إلا أنهم مازالوا يرفضون دخول سيارات الإسعاف إليها , كما أن الأخبار عن سحل الجرحى واقتحام المساجد والقضاء على العزل وقتل المدنيين المحاصرين توحي بأن هناك عملية إبادة مدروسة ومخططة من قبل الحكومة والأمريكان لأهداف معينة ستظهر بعد هذا بوضوح لمن لم يستطع أن يراها حتى الآن .

العجيب في الأمر , أو ما أصبح طبيعيا مع الزمن , هو سكوت كل الأنظمة العربية سكوت الأموات وكأن ما يجري على كوكب آخر وكأن القتلى من غير بني الإنسان , والعجيب أيضا هو التوقيت المتعمد لبدء الهجوم في العشر الأواخر من رمضان وتعمد قصف المساجد وإهانتها وتدنيس حرمتها , والعجيب أيضا تعمد نقل مشاهد قتل الناس داخل المساجد رغم أنهم  غير مسلحين , والعجيب أيضا هو تعمد إصدار منع للتجول في بغداد ليلة القدر لحرمان الناس من الخروج إلى المساجد وإحياء الليل , والعجيب أيضا هو أن عدد القتلى من المسلحين تجاوز بكثير ما كان معلنا عن أعدادهم قبل الهجوم ورغم هذا لم ينته الهجوم , والعجيب أيضا أن الأمريكان قبل الهجوم أعلنوا أن الزرقاوي شبحهم المفضل , هرب من الفلوجة رغم أن حجة الهجوم كانت القضاء عليه !

كل هذا يدفع للاعتقاد الجازم بأن المشروع الأمريكي ليس مشروع حرب وسيطرة على مدن وقرى وتأمين حكومة تحكم باسمه بعدما يرحل , وليس مشروع نهب ثروات ومصالح اقتصادية فحسب , المشروع الأمريكي يا سادة مشروع عقيدي واضح له مخطط يسير عليه من اليوم الأول للحرب الأولى إلى اليوم بدأه بوش الأب ويكمله اليوم بوش الابن شئنا أم أبينا شاء المثقفون أم أبوا شاء الذين لا يحبون نظرية المؤامرة أم أبوا .

إهانة المسلمين في أقصى ما يؤمنون به متعمد جداً , تدمير النفسية المسلمة الأبية متعمد جداً, استعمال وسائل التعذيب الجنسية وهي أقصى ما ينكره المسلم والإسلام واستعمال مفهوم العرض وتدميره متعمد جداً , إشعار المسلمين بأنهم لا حامي لهم ولا مدافع عن قضاياهم من طرف حكوماتهم خاصة ومن العالم كله عامة أمر متعمد جداً , أعداد القتلى التي تنشر وصورهم وهم مدنيون لا يحملون السلاح متعمد جداً , تيئيس المسلمين من كل عون ونصرة واتحاد واتفاق متعمد جداً , حتى توقيت رفع الأجهزة الطبية عن عرفات ونقل جثمانه إلى غزة كان متعمدا جداً .

لا يمكننا أن نؤمن بنظرية المؤامرة فعلا , لأن الواقع فاق النظرية بمراحل وما كان الغرب ليحلم بأن يصل إلى ما وصل إليه من أهداف في السنوات الأخيرة منذ غزو الكويت إلى اليوم, سنكون بلهاء فعلا إن ظننا أن هناك مؤامرة وأن المستهدف هو عقيدتنا وديننا , لأن عقيدتنا وديننا يضربان فعلا كل يوم بالقنابل من جهة وبالفكر والثقافة المدسوسة من جهة أخرى وبخيانات ولاة الأمور وتنازلاتهم وسكوتهم وصمتهم من جهة ثالثة , والقضية لم تعد نظرية بل هي مثال واضح لغباء العرب والمسلمين وسهولة إقناعهم بكل ما يريده العدو يصلح للتدريس في مدارس الغرب في المستقبل القريب وربما بدأ تدريسه فعلا في دوائر صنع القرار في الغرب .

نظرة واحدة إلى الإعلام التلفزيوني تريك أين نحن, ونظرة واحدة إلى الإعلام المكتوب توضح لك أين وصل التطبيق – وليست النظرية -  في ضرب العقيدة والدين والثوابت والحضارة , ونظرة واحدة إلى ما يكتب وينشر في الشبكة تريك مدى التردي الذي نعيشه وضراوة الهجوم الذي نتعرض له وقساوته وشراسته , افتح أي موقع على الشبكة لترى القصف الصاروخي الموجه لثوابت الإسلام : الحجاب عادة اجتماعية ذكورية , الحديث ليس فيه صحيح , الصحابة نماذج خيالية صنعناها بأنفسنا لنحور الدين كما نشاء , القرآن هو المرجع الوحيد للدين مع عدم أخذنا بأي تفسير قديم له بل يجب أن نفسره بفهمنا نحن وبحسب واقعنا وليس هناك ما يلزمنا بشيء من الماضي . هذا كله على المواقع التي أخذت على  عاتقها مهمة التغيير السياسي والاجتماعي وهي ما نسميه مواقع المعارضة , فهل هذا هو المستقبل وهل التغيير السياسي لن يتم إلا بتبديل ديننا والخضوع للدين الإسلامي الأمريكي الجديد ؟ وعلى الطرف المقابل تطرف إسلامي رهيب وفهم منقوص جامد للإسلام , وإظهار له بأنه دين بربري وحشي يحتاج المسلم فيه  إلى فتوى خاصة ليرد السلام على جاره , وتحتاج المرأه فيه إلى فتوى خاصة للخروج من بيتها , ويحتاج الطفل فيه إلى فتوى خاصة لشراء أو قراءة مجلة أطفال فيها صور وتصاوير ! ويحتاج الشاب فيه إلى فتوى خاصة ليسمع مدحا يذكر فيه اسم نبيه صلى الله عليه وسلم .

اليوم أدانت الجامعة العربية قتل الناشطة مارغريت حسن ويحق لها هذا طبعا , بل يجب عليها أيضا , ولكنها مازالت تفكر في إدانة مجزرة الفلوجة فانتظروا يا أهل الفلوجة فعما قليل ستأتيكم إدانة الجامعة العربية لترفع عنكم كل الآلام وتمسح كل الجراح وتوقف هذه الجريمة النكراء . حزب الله تذكركم أيضا في اليوم العاشر بعد الميلاد وربما تحرك السيستاني قريبا فقد تعرض للكثير من الانتقادات العلنية في الفضائيات لصمته ولكنه اعتذر بأنه صائم عن الكلام ولم يفطر بعد . بقية رؤساء العرب لم يسمعوا بعد عن المجزرة ولكن إخوانكم العرب المستعربة في اليونان قاموا بتظاهرات من أجلكم أما العرب العاربة في مزارع العبيد فينتظرون الإذن من مالكي المزارع وربما سمحوا لهم بالتظاهر بعد قطاف موسم الزيتون حتى لا يتأثر اقتصاد المزارع بالسياسة الخارجية . بدأت بعض الاعتراضات الرسمية على قتل المدنيين الجرحى والإجهاز عليهم في المساجد تظهر على السطح فانتظروا فلربما زادت هذه الاعتراضات في الأعوام القليلة القادمة وتشكل منها رأي عام عالمي سيوقف أمريكا وأذنابها عند حدها وعندها ستتوقف المذبحة وستعودون إلى دياركم سالمين , ولا بأس من تهريب بعض الأفلام عن مثل هذه المجازر لكسب الرأي العام العالمي .

على شاشات الفضائيات يظهر المسؤولون العراقيون ليبرروا المجزرة بأن أهل الفلوجة رفضوا الحل السياسي ولهم برنامجهم العسكري المرفوض , وبأن خروج الأمريكيين الآن من العراق سيؤدي إلى خلق فراغ هائل وفوضى قد يستغلها أناس أشرار فيصلوا إلى الحكم . نعم بهذا الإستغباء لعقول الناس وبهذا الطرح الأعوج وبهذا المنطق المغلوط تبرر مذابح القرن الواحد والعشرين قرن الحضارة والتقدم والعولمة والديمقراطية . هذا المنطق يقول بقل وقاحة : إننا لن نبدأ بالعملية السياسية وبالحوار مع الاحتلال ليخرج من أرضنا إلا بعد إفناء كل من يعارضنا ممن له رأي آخر يقول إن أخراج المحتل يأتي أولا ثم يأتي الاتفاق على الحل السياسي !

لقد احتلت كل البلدان العربية في مطلع القرن الحالي وقامت حركات تحرر في كل البلدان العربية وتحررت كل هذه البلدان فعلا ولكننا لم نسمع عن فئة مثل هذه الحفنة الحاكمة في العراق ولم نسمع عن منطق أعوج كهذا في تاريخنا كله . لم نسمع أن الفئات التي حاربت الاستعمار على اختلاف مشاربها ومعتقداتها واتجاهاتها قامت بتصفية حساباتها مع بعضها أولا ثم توجهت للمحتل ! لم نسمع أن هذه الجماعات بدأت بتصفية بعضها البعض قبل أن تتخلص من الاحتلال ! لقد حدثت بعض التصفيات ولكن بحق من كان يتعاون ويتعامل مع الاحتلال لا بحق من كان يقاوم الاحتلال بحجة أنه يخالفني الرأي ! فمهلا يا حكومة العراق فالتاريخ يسجل كل كلمة وكل عمل وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

في الحقيقة لم يبق من المقال القديم شيء والكلام تحول إلى إيضاح الهدف النهائي للعدو وإلى أهمية المعركة التي يخوضها شرفاء الفلوجة والموصل والرمادي , لقد زدت في العنوان كلمة (جداً) أخرى وربما بعد أشهر سأكتب مقالا آخر وأزيد فيه كلمة (جداً) أخرى أو قد أغير كلمة الفلوجة بعد مسحها عن الخارطة إلى الموصل أو الرمادي أو بعقوبة ..  لا يهم , المهم أن يستمر المثقفون بحواراتهم وجداً لاتهم حول الإصلاح وهل سيأتي من الشرق أم من الغرب ؟ من الداخل أم من الخارج ؟ هل سرعته الحالية كافية أم يجب أن يسرع أكثر ؟ هل سيقوم به الحكام على أكتافهم أم ستقوم به الشعوب على جثثهم ؟ المهم أيها السادة الكرام أن يستمر العلماء والفقهاء في توضيح أحكام صدقة الفطر للناس على جميع الفضائيات: هل يجوز أن تعطى للقتيل الذي قتل في مسجد الفلوجة أم للقتيل الذي قتل في أحد شوارع غزة ؟ وهل يجوز إخراجها من مكانها أم يجب أن تلتصق بمكانها وما هي حدود هذا المكان هل تعتبر الضواحي تابعة للمدن في هذا المجال وهل تتبع القرى للمحافظات ؟ تابعوا يا علماء الأمة الحديث عن كل هذا وإياكم أن تقربوا من الحاكم الذي وصل إلى الحكم بالغلبة والتغلب فهو ظل الله في الأرض وهو من كتبت عليكم  طاعته والخضوع له إلى أن يأتي الحاكم التالي الذي يبيح لكم شتم الأول فعندها وعندها فقط يمكنكم أن تبينوا للناس ما هي الأخطاء والبلايا والمصائب التي ارتكبها الحاكم السابق . ويا أيتها الأمة المغلوبة على أمرها بيدها ,  والمستهانة بعد أن هان الهوان عليها , والمستضعفة بعد أن رضخت لواقعها , والمستعبدة بعد أن رضيت بالعبودية واستبدلتها بالحرية , والمطيعة لحكامها بعد أن استخفوا بعقولها , أيتها الأمة لقد صار بطن الأرض لك خير من ظهرها ........ فانتظري الاستبدال !

 

الدانمارك / 17 تشرين الثاني – نوفمبر 2004