رسالة مفتوحة من صدام حسين إلى الأمة في الذكرى الأولى لغزو العراق

د.فواز القاسم

رسالة مفتوحة من صدام حسين إلى الأمة في الذكرى الأولى لغزو العراق

د.فواز القاسم

لو أتيح لصدام حسين ، وهو في زنزانته ، أن يكتب رسالة صادقة إلى الأمة ، يؤشر فيها أهم الدروس والعبر التي استخلصها من سقوط نظامه على يد الأمريكان في التاسع من نيسان لعام 2003 ، لحسبتُ أن يركز على النقاط التالية :

أولاً : إن الملك هو كسوة ربانية ، يكسوها من يشاء من عباده ، وينزعها عمن يشاء ، مصداقاً للآية الكريمة بسم الله الرحمن الرحيم (( قل اللهم ، مالك الملك ، تؤتي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعزّ من تشاء ، وتذلّ من تشاء ، بيدك الخير ، إنك على كل شيء قدير )) . صدق الله العظيم .

ثانياً : ولما كان دوام الحال من المحال ، وأن لكل حاكم نهاية محتومة مهما علا شأنه ، وطال زمانه ،  لذلك فلا يغترّنّ حاكم بملكه ما دام الله نازعه عنه ، والعاقل من اتعظ بغيره ، وعمل على تحسين هذه النهاية بحسن الأعمال ، وحسن الختام ..

ثالثاً : والملك لا يدوم بالقوة وحدها مهما كانت عظيمة  ، بل لا بد له من مقوّمات أساسية أخرى ، من أهمها: العدل ، والثقة ، والمحبة مع الشعب .

رابعاً : إن الذي يتكلم عن المبادئ العالية ، ويتصدى للمهمات العظيمة ، ويحمل من اللافتات العريضة ما يريد بها تحرير الدنيا ، وترشيد العصر ... عليه أن يهيئ لها ما يكافئها من الرجال المؤمنين العظماء ، فالرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) قائد هذه الأمة وقدوتها الأول ، بقي ثلاثة عشر عاماً في مكة ، يأمر بكف الأيدي ، وإغماد السيوف ، ويربي الأجيال ...فلما أنضج الرجال العمالقة ، القادرين على حمل المبادئ العالية ، والتضحية في سبيلها بالأموال والأنفس والأولاد ، أطلق صيحة الجهاد المباركة ، فدك بها عروش الكفر في جزيرة العرب ، واقتلع الشرك من جذوره ...

ثم خرجت جحافل أصحابه ، فانساحت شرقاً ، حتى وطئت بحوافر خيلها تربة الصين ، وغرباً ، حتى خاضت بتلك الحوافر في مياه الأطلسي .!!!

وليعلم أهل المبادئ ، بأن الأهداف العظيمة ، والمبادئ العالية ، لا تقوم على أكتاف الجياع ، ولا على أكتاف المرتزقة والانتهازيين ، ولا على أكتاف التافهين الحاقدين ، الناقمين على أوطانهم ، بل حتى على أنفسهم ...!!!!

إن الأهداف العظيمة والمبادئ العالية تحتاج إلى جيل متميز ، يتربى على منهج متميز ، ويقوده قائد متميز, فهلا عملت الأمة على إيجاده  .!؟

خامساً : لقد كنت صادقاً في معاداتي للصهيونية ، ومخلصاً في التصدي للأمريكان وأطماعهم في المنطقة ، ولكنني قصّرت في فهم الصحوة الإسلامية وتقريب الإسلاميين ، تماماً كما قصّروا هم في فهمي واستيعابي والتعاون معي ، لمصلحة المشروع العربي الإسلامي الكبير ، الذي أطلقت عليه ( القومية المؤمنة ) ، والذي كان يستأهل منا جميعاً أن نضحي من أجله ، وأن نتنازل عن بعض من حظوظ أنفسنا لإنجاحه ، لأنه المشروع الوحيد القادر على تحقيق أهداف الأمة المشروعة ، والوقوف بجدارة في وجه التحديات الخطيرة التي تهددها ...

ولقد أدركت الآن ، ولكن بعد فوات الأوان ، بأنهم ( الإسلاميين ) من أكثر أبناء الشعب غيرة ووطنية وتضحية ، وبأنهم من أخلص الناس ، وأقدرهم على لجم المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة ، لو اتيحت لهم أجواء العمل الحقيقي المرشّد  وإمكاناته ، ولات ساعة مندم ...!!!

سادساً : إن الصهيونية المسيطرة على مقدّرات العالم اليوم ، لا تسمح بظهور قائد عربي مسلم ، يحب أن يسير على خطى أجداده من القادة التاريخيين العظماء ، بل تريد القادة العرب والمسلمين ، ومجالس الحكم في الأمة ، مجرّد موظفين صعاليك ، يسهرون على حماية المصالح الصهيونية في بلادنا ، مقابل حفنة ذليلة من الدولارات والمصالح الأنانية التافهة التي تلقيها لهم .!!!

سابعاً : إن قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي يتبجح الغرب عموماً بها ، والأمريكان على وجه الخصوص ، ما هي إلا ألفاظ جوفاء ، ليس لها أي رصيد على أرض الواقع ، ولطالما رأيناها تداس بأقدام الكاوبوي الأمريكي القبيح ...!!!

بل القوة المتغطرسة ، والمصلحة الأنانية ، هي التي تحدد شكل العلاقات الدولية ، ولذلك عندما فقدت الأمة مقومات قوتها الأساسية صارت أمة تافهة ذليلة ، وصارت مطمعاً لكل حاقد وطامع وموتور ...

والذين فكروا من الحكام الشرفاء ، مجرّد تفكير بها ، كان جزاؤهم السحق والاستئصال ، بدون أية أثرة من الرحمة والشفقة والإنسانية ، وبدون أي رادع من القوانين الدولية وحقوق الإنسان ...!!!

ثامناً : إن العملاء والخونة والمتآمرين هم مصيبة المصائب في هذه الأمة ، وهم سبب كل بلوى وكل هزيمة فيها ، وعبر بوابة أحقادهم وعمالاتهم دخل كل الغزاة والطامعين والمحتلين إلى أوطاننا ...

وبالتالي ، فلا عزّ ، ولا نصر ، ولا منعة لهذه الأمة ، إلا بتنظيف البلاد من رجسهم وأحقادهم وخياناتهم ...

أخيراً ، وليس آخراً ... أقول للحكام العرب والمسلمين ، الذين فيهم بقية باقية من شرف وغيرة وإيمان ، ودع عنك ، العملاء والمتصهينين والمتأمركين : إن العدو ( الأنكلو –صهيو-أميريكي ) ، كما ترون يستهدف الأمة كلها ، حكاماً وشعوباً ، ديناً وقيم ومبادئ وأخلاق وثروات ...إلخ

فمتى تصحون على هذه الحقيقة ، فترصّون الصفوف ، وتنبذون الخلافات ، وتدعّمون الوحدة الوطنية ، وتطلقون الحريّات العامة ، وتمزّقون قوانين الطوارئ التي مضى على تطبيقها في بعض دولكم قرابة نصف قرن ...!!!؟

إن السبيل الوحيد لحماية أوطانكم ، والدفاع عن أنظمتكم ، والمحافظة على مكاسبكم ، أمام هذه الهجمة الصهيونية الماكرة ، هو ليس بالهرولة إلى واشنطن ، كالمستجير من الرمضاء بالنار ، ولا بالارتماء في أحضان الكيان الصهيوني ، وتقديم المزيد من قرابين الطاعة له ...!!!

بل : برص الصفوف ، والمصالحة مع شعوبكم ، والمزيد من إعطاء الحريات لها ، وتفجير طاقاتها ، وتوحيد صفوفها ، وإفساح المجال لها لكي تأخذ دورها الكامل في المعركة ...ا

انظروا ، ما ذا فعلت شعوبكم ، في فلسطين والعراق وأفغانستان ، في أول فرصة أتيح لها أن تعبر ولو بالحد الأدنى عما تريد ...

لقد دوخت الانتفاضة الشعبية المباركة في فلسطين الكيان الصهيوني وقلبت كل حساباته الشريرة ، كما أربكت المقاومة المباركة في العراق الأمريكان وأحبطت كل مخططاتهم الخبيثة ، حدث هذا والدنيا كلها تحاربهم ، بمن فيهم أنتم وحكوماتكم  ، فكيف لو تفجرت هذه الطاقات المباركة في أحضان جيوشها ، وتحت رعاية قياداتها وحكامها ، وبدعم كامل من شعوبها وجماهيرها ...!!!؟ 

بسم الله الرحمن الرحيم (( إنما يستجيب الذين يسمعون ، والموتى يبعثهم الله ، ثم إليه يرجعون )) صدق الله العظيم