لهذه المهام تفرغ الجيش السوري
لهذه المهام تفرغ الجيش السوري
محمد فاروق أحمد
قرأت - والألم يعتصرني - ملخص كتاب ((وقائع ثلاثة أشهر زلزلت سورية)) لمؤلفه العماد مصطفى طلاس نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع السوري، الذي نشرته جريدة النهار على موقعها الألكتروني في 25/1/2004. ولم يفاجئني ما جاء فيه لأنني لست بعيدا عن تلك الحقائق، ولكن ما آلمني هو ما سيحدثه هذا الكتاب من وقع على الشعب السوري، وخاصة تلك الأجيال التي تربت على النضال الإذاعي، وتشبعت بالشعارات الهلامية الرنانة، وعاشت سراب حلم البطولة والصمود والتصدي والتحرير!!!
والكتاب بحسب ما جاء في الملخص هو أقرب إلى الوثيقة، حيث أن مؤلفه كان الأقرب إلى حافظ الأسد، فقد كان ساعده الأيمن يوم تنفيذه مع صلاح جديد انقلابا على رفاق الححزب التاريخيين، في 23 شباط 1966، وكذلك في السادس عشر من تشرين الثاني1970، بما أسماه ((الحركة التصحيحية))، وحافظ الأسد حكم سورية ثلاثين سنة، وقاد الجيش السوري كوزير للدفاع أكثر من أربعين سنة، وفي أيامه سقطت الجولان في حزيران 1967، وأصبحت فوهات المدافع الإسرائيلية على بعد 54كيلو مترا من دمشق في عام 1973، بما تلقنته الأجيال السورية الشابة ((حرب تشرين التحريرية)). وعلى عهده استبيحت مدينة حماة وارتكبت فيها أبشع جرائم العصر، ونصبت في المدن السورية (حلب،وحمص،واللاذقية،وجسر الشغور،وسرمدا) المجازر الرهيبة. التي أزهقت فيها الأرواح واستبيحت المقدسات، وسيق الآلاف إلى السجون والمعتقلات، وأمام ناظريه نزعت شبيبات الثورة الحجاب عن رأس الحرائر في دمشق.
ومؤلف الكتاب ((العماد مصطفى طلاس)) هو شريك لحافظ الأسد بكل ما أصاب سورية من محن ومصائب وهزائم وانتكاسات وانتهاكات لأبسط حقوق الإنسان، انعكست سلبا على دور سورية القومي والإقليمي والدولي لتصب في خدمة الأهداف الصهيونية، وأعداء العروبة والإسلام.
وهنا قد يتساءل المرء: هل استفاق ضمير ((العماد مصطفى طلاس)) بعد هذا الثبات الطويل وراح يكشف المستور؟؟!! سنترك الإجابة على ذلك إلى قابل الأيام…
في كل الأحوال.. لابد للمرء من أن يقدم الشكر للعماد مصطفى طلاس لكشفه المستور للجماهير السورية والعربية والإسلامية وإظهار حقيقة بواطن النظام السوري وزيف شعاراته ونضالاته الإذاعية على مدى أكثر من أربعين سنة.
وللمزيد من مشاهدة صحوة الضمير عند العماد مصطفى طلاس نتمنى عليه أن يدلي بشهادته على العصر بكل صدق وشجاعة في برنامج ((شاهد على العصر)) الذي يعده الصحفي اللامع ((أحمد منصور)) على فضائية الجزيرة، أسوة برفيقه ((أحمد أبو صالح)) عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي وعضو مجلس قيادة الثورة والوزير في الحكومة السورية ما بين عامي (1963 - 1966). التي أطيح بها بما عرف ((حركة 23 شباط التي قادها آنذاك اللواء حافظ الأسد وزير الدفاع واللواء صلاح جديد رئيس الأركان)).
وما يقوله العماد مصطفى طلاس في كتابه ((وقائع ثلاثة أشهر زلزلت سورية)) يظهر حقيقة المهام المنوط بها الجيش السوري منذ استفراد حزب البعث العربي الاشتراكي بالسلطة في سورية، بعد الانقلاب الذي قاده ضباطه في 8/3/1963. ليحولوا هذا الجيش من سياج لحماية الوطن إلى مقاصل تجهز على رقاب الوطنيين والأحرار ، وسياط تلهب ظهور الجماهير، ولصوص لسرقة أموال الشعب الخاصة والعامة، ونعامة أمام العدو الصهيوني وذئاب كاسرة في مواجهة الجماهير. وفيما يلي نورد أهم النقاط التي جاءت في كتاب طلاس فما أن استفاق الرئيس حافظ الأسد من غيبوبته التي امتدت لأكثر من ثلاثة أشهر، حتى وجد نفسه أمام خطب أهم من مرضه الذي كان يأكل جسده، فهذا أخوه ((العميد رفعت الأسد)) قائد سرايا الدفاع (40ألف مقاتل يملكون أحدث الأسلحة) المنوطة بها حماية الرئيس وصيانة النظام الذي أقامه، قد أطلق على نفسه لقب (القائد) وهو الحاكم الفعلي لسورية بمعرفة القاصي والداني ولما كان رفعت الأسد غبي ومحدود التفكير بعد النقلة الكبيرة والنوعية في حياته، فمن عريف يلهث وراء الدريهمات إلى قائد يتحكم بالعباد والأرزاق، راح هذا الأفاك المغامر يطمع بالاستفراد بالحكم، فهو كما يعتقد أحق من ابن أخيه باسل الأسد الذي يعده حافظ الأسد لخلافته، فأقدم بكل غباء على نشر صوره في شوارع دمشق تحت اسم (القائد رفعت الأسد) في الوقت الذي كان فيه أخوه حافظ الأسد يصارع المرض.
وعندما نبا إلى مسامع حافظ الأسد أخبار ما يقوم به أخوه رفعت، لم يجد أمامه إلا رفيقه وصديقه العماد مصطفى طلاس - الذي لم يكن في حقيقة الأمر يملك أيا من مفاتيح القوة الفاعلة في سورية - أن يكلفه بأن يكون مراسلا بينه وبين من يعتقد أنه مواليا له في صفوف القوات المسلحة السورية التي أفرغها بيديه من كل ضابط مخلص غيور على البلاد واستقرارها وأمنها وسلامتها.
يقول العماد مصطفى طلاس في كتابه وقائع ثلاثة أشهر زلزلت سورية:
((في بداية شباط من عام 1984 شاهدت صورا على بعض جدران دمشق للعميد رفعت الأسد تمثله رافعا قبضة يده كدليل على القوة والتحدي)). ويروي طلاس حادثة إبعاد العقيد سليم بركات (أحد الضباط الموالين لرفعت الأسد)من موقعه كقائد للكتيبة 170 من السرايا المكلفة بحراسة مبنى القيادة العامة للجيش ووزارة الدفاع (اسما، و هي في حقيقة الأمر مكلفة بردع أي تحرك يستهدف رفعت الأسد من داخل القيادة ووزارة الدفاع). وكيف أن رفعت الأسد اتخذ من هذه الحادثة غطاء لتحركه للاستيلاء على الحكم. حيث يقول طلاس: أنه ((بعد الحادثة قرر العميد رفعت المواجهة مستندا إلى نصائح أصدقائه في الداخل والخارج، وبخاصة (طويلي العمر) الذين كانت توحى إليهم التوجيهات بشكل مباشر من واشنطن)) ويبين العماد أن المقصود بطويلي العمر ((الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية)) وهنا ليس لنا تعليق. فالأمير السعودي أحق بالرد!!!
ويتابع العماد قوله: ((وقد علم الرئيس الأسد بنيات شقيقه كونه الشخص الوحيد الذي يمسك ببعض الخيوط الأمنية في سرايا الدفاع)) التي يقودها رفعت.
وفي فجر يوم 25/2/1984، كما يقول طلاس،هتف الرئيس إلى العماد طلاس في منزله: ((ارتد لباسك العسكري وتوجه مباشرة إلى مكتبك في القيادة العامة واستنفر التشكيلات الضاربة القريبة من دمشق وارفع درجة استعدادها القتالي إلى الكامل - ليس لاسترداد الجولان أو تقديم الدعم للأشقاء الفلسطينيين - لأن العميد رفعت الأسد استنفر سرايا الدفاع بالكامل وهو يعد العدة للسيطرة على دمشق، وليكن في علمك أن رفعت جاد هذه المرة _ وهذا يعني أن رفعت ابتز أخاه أكثر من مرة ليحقق مطامعه وأهدافه ويكسب الكثير من المال الذي جعله فيما بعد من أثرياء العالم - ويجب أن تضع في اعتبارك أن المواجهة قائمة لا محالة ولذلك ليس أمامك سوى إشعاره بأن المواجهة مع الجيش ستكون عملية انتحارية له ولأتباعه)).
ويتابع طلاس قائلا: (( عند السابعة صباحا - وبعد أن نفذ طلاس أوامر الأسد - اتصل العماد طلاس راجيا الرئيس أن يرتاح قليلا إذ لم يبق غير ((رب العالمين لم نستنفره!)) فرد الرئيس ضاحكا: ((لأنه معنا)).
وراح طلاس - كما يقول - يستنجد ببعض الوحدات دون معرفة قادتها، فقد طلب فوج مغاوير من الوحدات الخاصة المتمركزة في لبنان التي يقودها اللواء علي حيدر دون علمه لمعرفة الرئيس بأن هناك تنسيق كامل بين حيدر ورفعت. مما جعل هذا الأخير يقدم على مصطفى طلاس مضطربا، ويبادره متسائلا عن سبب معاملته كالزوج المخدوع (أي آخر من يعلم؟). فرد العماد: ((إذا كنت حقا معنا فما عليك إلا أن تطلب من مكتبي العميد رفعت الأسد وتقول له بصراحة موقفك)). وهاتف علي حيدر رفعت الأسد قائلا: ((أبو دريد ما بتعرف أنه في هذا البلد لا يوجد سوى قائد واحد هو الرئيس حافظ الأسد.. كيف يقوم عناصر من سرايا الدفاع بهذه الأعمال المشينة التي تسيء إلى انضباط القوات المسلحة؟)) وكان جواب العميد رفعت: ((أنت الآن تريد أن تعطيني دروسا في الوطنية يلعن أبوك ابن كلب)). وأغلق السماعة.
وتأكيدا على هشاشة فاعلية وقوة مصطفى طلاس في صفوف الجيش الذي من المفترض أن يكون قائدا له، يقول طلاس نفسه: ((ولما كان العميد رفعت مسيطرا على مداخل دمشق فقد تم تهريب صواريخ (فاغوت) المضادة للدبابات لتسليح سرايا الصراع (التي يقودها ابن شقيق الرئيس عدنان الأسد المرشحة للاصطدام قبل غيرها مع سرايا الدفاع التي يقودها عمه رفعت الأسد) في عربة إسعاف. وهكذا - كما يقول طلاس - تمت عملية تحصين بيت قائد الأمة ورمزها المفدى)).
وكانت قوات رفعت الأسد - كما يقول مصطفى طلاس - موزعة على أربعة ألوية سميت ((الألوية المحيطة)). وقد كلف كل منها مهمة السيطرة على المحاور المؤدية إلى دمشق: اللواء الأول: محور حمص، اللواء الثاني: محور بيروت، اللواء الثالث: محور القنيطرة، اللواء الرابع: محور درعا والسويداء. (أما الجبهة السورية فلها الله!!).
وكانت فكرة رفعت الأسد - كما يقول طلاس - ((تقضي بإغلاق المحاور الأساسية في وجه الوحدات والتشكيلات الضاربة المتمركزة خارج دمشق والتي ولاؤها معقود للقائد الأسد)). ثم ((تتحرك ثلاث مفارز قوامها سرية دبابات + سرية مشاة ميكانيكية + فصيلة هندسة عسكرية)). مهمة المفرزة الأولى السيطرة على منزل رئيس الجمهورية، فيما تتولى الثانية السيطرة على مقر القيادة العامة، أما الثالثة فتقوم باحتلال مقر الإذاعة والتلفزيون وتعلن مباشرة على العالم نبأ تسلم رفعت الأسد مقاليد السلطة في البلاد.
أما القسم الأكثر رعبا في خطة رفعت، فيقول العماد: ((القيام بقصف دمشق عشوائيا لإرهاب السكان وقطع أنفاس الناس، وستنفذ هذا القسم من الخطة كتائب المدفعية /ب.م 21/التي تستطيع أن تطلق 720 قذيفة في دقيقة وعشرين ثانية. أما هدف القصف فهو إشعار سكان العاصمة دمشق بأن القبضة التي تسلمت الحكم قبضة فولاذية.
ولا تتوقف الخطة عند قصف دمشق، فبعد قصف المدينة تقوم مفارز المشاة من السرايا بعملية نهب وسلب للمدينة المنكوبة. ذلك أن العميد رفعت كان قد أبلغ ضباطه وجنوده أن المدينة ستكون لهم حلالا زلالا ثلاثة أيام بلياليها مشترطا عليهم ألا يظل فقير واحد في سرايا الدفاع بعدها. فإذا طلب جندي بعدها مساعدة أو إكرامية سيقطع يده)).(وهكذا أعاد رفعت أسد إلى الأذهان مأساة استباحة هولاكو لبغداد عام 1258م).
ومن أفظع ما يرويه العماد عن خطة قصف دمشق أن رفعت قال في حديث هامس مع مستشاره السياسي محمد حيدر وكانا يمشيان في ضوء القمر بمعسكرات القابون: ((مو حرام وأسافة أن تهدم هذه المدينة الجميلة .. فأجابه المستشار: والله صحيح حرام وأسافة ولكن شو طالع بأيدينا غير هيك)).
ولم يكتف رفعت باستباحة دمشق لأزلامه ، بل ضم إليهم بعض اللصوص من لبنان، حيث طلب من علي عيد (قائد فرسان البعث في لبنان): (( تجهيز مفرزة من اللصوص قوامها مئتا عنصر مع عشرين سيارة متنوعة وهم مسلحون ببنادق كلاشنيكوف ومدافع مضادة للدروع وقنابل يدوية، لتشارك هذه المجموعة في نهب محلات المجوهرات خاصة بدمشق عندما تحين ساعة الصفر لاستباحة المدينة ثم يهربون بالمسروقات إلى لبنان وهناك تتم عملية الاقتسام)).
لقد أحيا عهد حافظ الأسد الطائفية التي لم يتمكن الاستعمار الفرنسي من إحيائها والصورة التي سنوردها ستثبت بما لا يدع مجالا للشك في ذلك. فهذا طلاس يؤكد على وجود الطائفة المرشدية (فئة من العلويين تبعت سليمان المرشد الذي ادعى الألوهية وأيدته فرنسا نكاية بالشيخ صالح العلي الذي كان يقود ثورة في جبال العلويين ضدهم وقد أعدم (مدعي الربوبية) بعد الاستقلال في عهد الرئيس شكري القوتلي ). وتأكيدا على الطائفية التي زرعها ونماها وشجعها حافظ الأسد. يقول محمد إبراهيم العلي قائد الجيش الشعبي في سورية في الجزء الثاني من كتابه (حياتي والإعدام) الذي نشرت ملخصه جريدة الشرق الأوسط اللندنية في 14/3/2004حيث أفرد العلي الفصل السابع من كتابه عن الطائفة المرشدية، وعن الظلم والقهر الذي تعرضت له - كما يقول -: (( منذ عهد الرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي ومن ثم في عهد أديب الشيشكلي فمرحلة عبد الحميد السراج أيام الوحدة، فمرحلة الانفصال، ليستمر فيما بعد الاضطهاد والتعذيب بكافة ألوانه وأشكاله إلى أن قامت ثورة الثامن من آذار عام 1963، في حينها قام المؤلف بمحاولة التقريب بين المرشديين والقيادة السورية، ويتابع العلي قائلا: إن الحرية الكاملةلم تعط للمرشديين، إلى أن حدث تحول في موقف القيادة السورية منهم تمثل في إلغاء الرئيس الراحل حافظ الأسد، حين كان وزيرا للدفاع، التعليمات التي صدرت في عهد الانفصال وكانت تقضي - بحسب زعمه - باضطهاد المرشديين، واستمر الحال على هذا التحسن النسبي في أحوالهم إلى أن قام الرئيس حافظ الأسد بحركته التصحيحية ليطرأ على هذا التحسن تطور ملحوظ تمثل بالاستجابة لمبادرة جديدة من العلي تدعو إلى تمثيل المرشديين في مجلس الشعب السوري (كوتا مرشدية) ودخل إلى المجلس عام 1977 اثنان منهم، ليرتفع العدد فيما بعد إلى ثلاثة أعضاء، وبات ذلك عرفا معمولا به. وفي معرض حديثه عن التطور الإيجابي الذي أصاب حياة المرشديين في السبعينيات، أشار العلي إلى أن هذا التطور دفع بهم ليأخذوا دورهم في جميع مجالات الحياة المدنية والعسكرية، وتدفقوا للتطوع بأعداد كبيرة في صفوف الجيش السوري كضباط وصف ضباط وجنود))، في الوقت الذي كان محظورا على السنة الذين يعدون 80%من الشعب السوري الانخراط في صفوف الجيش إلا إذا كانوا أعضاء في حزب البعث ومضمون ولاءهم للرئيس حافظ الأسد دون اقترابهم من الأماكن الحساسة والفاعلة في الجيش السوري، إضافة إلى التسريح المتواصل لكل من يرفع بحقه تقرير بعدم ولائه لعظيم الأمة حافظ الأسد. يقول العماد: ((كان لقائد الجيش الشعبي محمد إبراهيم العلي دور مهم في إبعاد الطائفة المرشدية عن العميد رفعت وكسبها إلى صف الرئيس حافظ الأسد. فلكي يبرئ (إبراهيم العلي) نفسه من شبهة الموالاة لرفعت أبدى استعداده للإتيان بأبناء الرب سليمان المرشد من حمص ومن جوبة البرغال لمقابلة السيد الرئيس. ومصدر أهمية هذه الطائفة التي تكونت أيام الانتداب الفرنسي واعتبرت زعيمها سليمان المرشد إلها، شراكة العميد رفعت مع ابن الرب المسمى (النور المضيء)، في الأعمال التجارية، ثم انخرط عدد كبير من أبنائها في سرايا الدفاع تنفيذا لتعليمات قيادتهم الروحية، وهم يشكلون العمود الفقري للسرايا ويأتي ترتيبهم بعد الشريحة العلوية مباشرة)).
ويتابع طلاس قائلا: ((وصدق العلي في ما وعد فأتى بأبناء الرب وفي مقدمتهم (النور المضيء)حيث استقبلهم الرئيس في مكتبه لأكثر من ثلاث ساعات، وتسرب عن اللقاء أنه قالوا للرئيس ((نحن لا يمكن أن نكرس الخيانة مبدأ للطائفية ففي الماضي اتهمنا الإنكليز بأننا عملاء فرنسا، واليوم يتهمنا الوطنيون القوميون في سورية بأننا عملاء أمريكا (على هؤلاء العملاء أقام حافظ الأسد بنيان حكمه) نحن باختصار رجال حافظ الأسد،وقد أحببنا أخاك رفعت لشعورنا بأنه جناحك الأيمن، أما وأنه قد شق عصا الطاعة عليك فلا ولاية له علينا)). وقد اكتفى منهم الرئيس بأن يبلغوا جميع أبناء الطائفة ((واليوم قبل بكرة)) بموقفهم الجديد. وعندما علم رفعت بتحول المرشديين عنه استدعى ((النور المضيء)) وتحاور معه 7 ساعات من دون أن يظفر منه بحق ولا باطل ، أخيرا قال رفعت للنور المضيء: أتعرف أنك لن تكلفني سوى رصاصة واحدة في رأسك، فأجابه هذا: ((أعرف ذلك، لكن هل تعرف أن الطلقة الثانية ستكون في رأسك أنت)). وأعلمه بأن الحاجب الذي قدم لهما الشاي والقهوة ((مرشدي وليس علويا)). وبعد نهاية اللقاء طلب رفعت من المسؤول عن التوجيه السياسي في السرايا أن يسأل الجنود المرشديين إن كانوا معه أو مع أخيه الرئيس حافظ الأسد. ويقول العماد إن رفعت صعق في اليوم التالي حين جاءه الجواب أن نسبة مؤيدي الرئيس ((مئة في المئة وليست 99%بينهم)). (النسبة التي كان يفوز بها حافظ الأسد في كل الاستفتاءات الصورية التي كان يجريها لتجديد ولايته). وهنا صمم رفعت على الانتقام من المرشديين في السرايا فجمعهم (وكانوا 3225 ضابطا وجنديا) وجردهم من أسلحتهم ((وأركبهم عربات نقل عسكرية كبيرة وقذفهم على الحدود السورية اللبنانية الفلسطينية وفي مواجهة الجيش الإسرائيلي مباشرة)). ويكشف العماد أن إسرائيل لم ترد على هذا الإجراء لأن الجنود الذين في مواجهتهم شبه عراة وكان الوقت ليلا)). وقد أعيد الجميع بعلم الرئيس ووزعوا على قطعات الجيش كافة من صلخد إلى القامشلي. (مبارك لهذا الجيش بهؤلاء الخونة الذين زرعهم حافظ الأسد بين مفاصله!!!).
أما الرفيق محمد إبراهيم العلي ((فقد كوفئ على موقفه بأن انتخب بتوجيه من الأمين العام (الرئيس حافظ الأسد) عضوا في اللجنة المركزية للحزب في المؤتمر القطري الثامن 1985)).
ويتابع العماد قائلا: ((بعودة الطائفة المرشدية إلى حمى الرئيس الأسد بدأت سرايا الدفاع تتآكل وأخذت هيبتها تتدهور. هنا قرر رفعت نقل الصراع إلى اللاذقية لأن المنطقة حساسة ولأنه يعتمد بشكل جدي على أبناء الطائفة العلوية. ويبدو أنه كان يتصور أن من الصعب أن يأمر السيد الرئيس سلاح الطيران بقصف الأماكن التي ينشب فيها النزاع)). ويؤكد العماد طلاس أن هذا ((الإحساس خاطئ)) إذ ((لم يكن الرئيس يتردد بقصف أي مكان يلجأ إليه المتمردون على سلطته)). (وموقف حافظ الأسد من هذا الصراع بينه وبين أخيه رفعت يذكرنا بالذي جرى مع العقيد أديب الشيشكلي الذي اختار المنفى على الاقتتال مع رفاق السلاح عندما تمرد عليه حفنة من الضباط البعثيين الصغار لتجنيب البلاد كارثة حرب أهلية يكون المستفيد منها العدو الصهيوني).
ويكشف العماد ((أن رفعت الأسد كان يدغدغ أحلام المتعصبين طائفيا بأن وعدهم أنه سيقيم الدولة العلوية هناك كما أقام اليهود الدولة العبرية في فلسطين، وكما كان غلاة المتعصبين من الموارنة يحلمون بإقامة الدويلات الطائفية التي ستدور في فلك إسرائيل قولا واحدا. ويبدو أن رفعت تشجع في مشروعه لعلمه أن أميركا سوف ترحب بالفكرة لأنها مع أي تفكك للأمة العربية)).
وكان موقف حافظ الأسد - كما يقول العماد - حاسما: ((أن لا مهادنة أبدا مع الخارجين على النظام. اضربهم اليوم قبل الغد)). غير أن قائد القوى البحرية الذي أمره العماد وزير الدفاع بأن ينذر المتمردين بالاستسلام وإلا يضربهم بالمدفعية الساحلية أظهر أمارات التردد والنذالة وعدم الحسمية، ثم كذب على العماد حين أخبره بأننا ((رشقناهم رشقة ونحصي الآن خسائرهم))، (مثل هذا الجيش يستحق مثل طلاس قائدا له). وقد نال هذا الضابط - كما يقول طلاس - جزاءه حين انتهت الأزمة وسرح من الجيش.
في هذا الوقت - يقول العماد - كان الصراع قد صار مكشوفا لا يمكن التستر عليه كما ارتأى العمادان حكمت الشهابي (رئيس الأركان) و علي أصلان (نائب رئيس الأركان)، لكن العماد طلاس رأى أن أي وكالة أنباء لن تقدم على إذاعة الخبر لسببين: ((1 - وكالات أنباء الغرب والموجهة من أميركا لن تذيع النبأ لأنه يبرز انتصار الرئيس الأسد وهم لا يرغبون بذلك. 2 - وكالات الأنباء التي تدور في فلك موسكو لن تذيع هي الأخرى هذا النبأ حتى لا تتسبب لنا بأي إحراج)). (وكان الشعب السوري هو الزوج المخدوع الذي كان آخر من يعلم). وصدقت نبوءة العماد - كما يقول العماد عن نفسه - فلم تقم حتى ((الصحف اللبنانية المحسوبة على الخط الاشتراكي بإذاعة النبأ)).
ويتابع العماد قائلا(خلال ثلاثة أشهر من عمر
الأزمة زارنا الرئيس اللبناني أمين الجميل ثلاث مرات)) وهو ما لا يحدث بين أي بلدين
مهما تكن علاقتهما متميزة، كما يقول العماد. وتحليل العماد لهذا التواتر غير
المألوف أن أميركا التي كانت تعرف ما يدور في السرايا ((عن طريق عميلها جوزف صنصيل))،
(لم يعرف لنا العماد هذا العميل وكيف تم اكتشافه)، كانت توفد الرئيس الجميل لمعرفة
ما ((تجهله تماما في دائرة الرئيس الأسد)). غير أن الرئيس اللبناني كان (( يعود إلى
بيروت صفر اليدين لأن الرئيس الأسد يتمتع بموهبة خارقة في إخفاء نياته عن خصومه)).
وهكذا خاب فأل الإدارة الأميركية وأهدافها الخبيثة.
وحين حدثت الأزمة بين الشقيقين - يقول العماد -: ((أخذ أعضاء الرابطة - رابطة متخرجي الدراسات العليا التي أسسها رفعت الأسد بعد نيله الإجازة في التاريخ عام 1974، لتكون مظلة قانونية لعمله - يهاجمون جهرا الرئيس حافظ الأسد في مجالسهم الخاصة ويتهمونه بالديكتاتورية، زاعمين أن العميد رفعت راعي الديموقراطية في هذا البلد. وقد عقدوا مؤتمرا لهم في فندق شراتون دمشق. وكان لافتا لنظر العماد وجود أكثرية حقيقية من أخوتنا أبناء الطائفة المسيحية بين أعضاء الرابطة. فمن بين خمسة آلاف كان من يوحي ظاهر أسمائهم الطيف الديني المسيحي يربو على الأربعة آلاف. ومن ذلك انتساب أعضاء مسيحيين أو متزوجين من مسيحيات في قيادة حزب البعث القطرية إلى الرابطة القطرية الرفيق وهيب طنوس والرفيق إلياس اللاطي، إضافة إلى الرفيق عبد الرؤوف الكسم الذي قال العماد إنه تم تزوير أصل زوجته من يهودية إلى مسيحية كي يتمكن من تولي مناصب حزبية. (يحق لحزب البعث العربي الاشتراكي أن يفخر بمثل هؤلاء الأعضاء الذين قادوا سورية على مدى أربعين سنة.. فقد تربع الكسم على رأس الوزارة السورية لأكثر من ثلاث مرات) ويضع العماد ذلك كله في سياق عقيدة التعصب ضد الإسلام)).
ويتابع العماد قائلا: ((بعد تأمين القيادة العامة والقصر الجمهوري أخذ العماد طلاس يرافقه العماد علي أصلان يقومان بزيارات ميدانية لوحدات الجيش ويلقيان فيها خطبا تندد بالهيمنة الأميركية وعملائها في المنطقة ودعمها غير المحدود للعدو الصهيوني وتنوه بالمآثر القيادية للرئيس حافظ الأسد ودوره في بناء سورية الحديثة وحرب تشرين وحرب الاستنزاف والحرب التي خضناها ببسالة منذ أقل من عامين للدفاع عن استقلال لبنان ليبقى دائما عربي الوجه واليد واللسان)).
أما في اللقاءات الخاصة مع الضباط حتى مستوى قائد كتيبة فكنت أضعهم _ والقول للعماد _ في صورة المؤامرة كاملة وأسمي الأسماء على المكشوف بصراحتي المعهودة. وفي نهاية كل جولة كان العماد - كما يقول - يتلقى وثيقة عهد بالدم ولاء للسيد الرئيس من التشكيل الذي يزوره. وكان الرئيس الأسد يتابع كل ذلك سعيدا بنتائجه.
وعن الجمعة الحزينة التي تصادف يوم 13/4/1984- كما يسميها العماد - يقول العماد: ((في الساعة الخامسة بعد الظهر تسلل اللواء علي حيدر من مقره، وأبلغني بأن سرايا الدفاع بدأت بالتحرك من بين أشجار الزيتون في اتجاه دمشق، ولم تلبث أن تواترت إلى وزير الدفاع معلومات مماثلة من مصادر أخرى بينها العميد عدنان الأسد قائد سرايا الصراع. أعلم العماد طلاس الرئيس بما لديه، وبعد دقيقة رد الرئيس بأن رفعت أكد أن تلك المعلومات كاذبة ولا أساس لها من الصحة. ولما أكد له العماد صحة معلوماته أبلغه الرئيس بأنه سيرد عليه بعد 5 دقائق. لكن من تكلم بعد الدقائق الخمس كان العميد عدنان مخلوف قائد الحرس الجمهوري (ابن خال الأسد) الذي أبلغ العماد بأن الرئيس توجه بمفرده إلى مقر شقيقه رفعت، وأنه أعطاه التوجيه الآتي: إذا لم يعد بعد ساعة قل للعماد طلاس أن ينفذ الخطة وعليك في الوقت نفسه أن تعطي التعليمات لقادة الفرق أن لا ينفذوا أي أمر إلا إذا كان صادرا عن العماد طلاس)).
يقول العماد: (( كانت الساعة التي غاب فيها الأسد عن عرينه تعادل دهرا بكامله (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون). وجاء الفرج قبل 5 دقائق من انتهاء مدة الساعة المقررة لتنفيذ الخطة، فقد اتفق الرئيس مع شقيقه أن يلتقيا عند نهاية اوتستراد المزة حيث توجها من هناك إلى دوار كفر سوسة، وهناك أمر الرئيس قائد سرية الدبابات أن يعيدها إلى مكان تمركزها، لكن هذا تجاهل أمر الرئيس كأنه آخذ سيكارة حشيش. هنا خرج الرئيس عن هدوئه المعهود وقال لقائد السرية بصوت قصم ظهره أنا بقولك أرجع الدبابات يعني أرجع الدبابات إلى أماكنها فورا. وفجأة تحول موقف العميد رفعت من الإيحاء أنه لا يستطيع لجم اندفاع ضباطه وحماستهم إلى العكس: فقد صعد بحركة مسرحية إلى ظهر الدبابة وصفع قائد السرية على خده قائلا له: نفذ أوامر الرئيس! هل أنت أطرش لا تسمع؟!. وهكذا عادت الدبابات إلى أماكنها وانزاحت الغيمة السوداء عن صدورنا … وعن صدر الوطن)).
وعن محاولة نصب كمين لرفعت الأسد وإلقاء القبض عليه يقول العماد: ((رتب بعض قادة الفرق موعد غداء مع العميد رفعت في مطعم العندليب في الزبداني على أمل أن يتم اعتقاله هناك مع مرافقيه، ولكن رأى الرئيس حين استعلمه العماد طلاس عما يفعل إذا رفض العميد رفعت الاستسلام وأصر على المقاومة، إنها شريعة الحرب إما غالبا وإما مغلوبا وأنا لا أريدك إلا غالبا.
غير أن العميد رفعت كان حذرا مثل القاق الأسود فلم يأت إلى الموعد. ويبدو أن اللواء شفيق فياض (صهره: قائد الفرقة الثالثة التي نكلت بأهل حلب واستباحتها 1980و1982) نصحه بعدم القدوم حقنا للدماء ويقينا منه أن رفعت سيستسلم من تلقاء نفسه في النهاية)).
وعن المفاوضات التي أجراها حافظ الأسد مع شقيقه رفعت ليغادر هذا الأخير سورية يقول العماد: ((في أواخر نيسان تيقن العميد رفعت أن ميزان القوى قد مال لصالح شقيقه، فاتصل بشقيقه جميل الأسد ليمهد له المصالحة مع أخيه الرئيس. ومع أن الرئيس الأسد معروف عربيا ودوليا بأنه سيد من أتقن فن لعبة عض الأصابع فقد كان ينتظر بفارغ الصبر انهيار رفعت، وهذا لأن الأخير سيد من يبتز أخيه وغير أخيه إذ ما أن وافق على الخروج من سورية حتى بدأ يساوم على المبلغ الذي يحتاج إليه للإقامة عدة أشهر خارج البلاد حتى تهدأ العاصفة، هذا مع أن الأمير عبد الله بن عبد العزيز كن يدفع له شهريا 5 ملايين دولار، كما لم يقصر معه الشيخ خايفة آل ثاني ومثله ياسر عرفات والشيخ سحيم آل ثاني… إلخ)).
وعن قيمة المساومة التي طلبها رفعت، يقول العماد: ((طلب رفعت مبلغا كبيرا بالقطع النادر لم يكن متوافرا في المصرف المركزي، إذ خيمت غمامة من الشؤم على سورية لا مثيل لها منذ تسلم الدكتور عبد الرؤوف الكسم رئاسة الوزارة. فقد مرض الرئيس الأسد مع بنيانه الجسمي المتماسك إلى درجة تقترب من حد الأسطورة، ومات خمسة وزراء في عهده كما أصبح المصرف المركزي خاويا حتى من الفئران. وسدت منافذ الرزق في وجوه المؤسسات والأفراد وسائر العباد، وبدأ الناس يتساءلون متى ينزاح هذا الغراب (الكسم) عن الرقاب)). ويتابع العماد قائلا:
خطر للرئيس الأسد أن العقيد القذافي أن يكون الشخص الذي يحل المشكلة ويؤمن المال اللازم لإشباع فم أخيه، وحين التقى وفد الرئيس كان القذافي والحمد لله بمزاج حسن، وتذكر مواقف الأسد القومية في دعم الثورة الليبية ومؤازرتها، ورد على رسالة الأسد ردا جميلا، وتم تحويل المبلغ بكامله إلى المصرف المركزي، وأعطى الرئيس شقيقه جزءا منه وبقي الجزء الأكبر احتياطا للطوارئ الاقتصادية التي كانت تعصف بنا)). (لا تعليق فالقارئ الفطين سيعرف أي نوع من الحكام ابتلي به العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، قرن الهزائم والانتكاسات والتخلف والضعف والفقر والجوع والقهر والإذلال الذي أصاب العرب من المحيط إلى الخليج).
أما عن خاتمة هذه المسرحية المقرفة الممجوجة فيقول العماد طلاس:
((وتم تحجيم سرايا الدفاع وعين رفعت نائبا لرئيس الجمهورية ومسؤولا عن شؤون الأمن. غير أن تعيينه كان نظريا لأن الرئيس الأسد أحرص من أن يسلم أمنه الشخصي وأمن البلاد لرجل لا يتقي الله بوطنه ولا بأهله.
وتضمن الاتفاق أن يسافر رفعت إلى موسكو ومعه اللواءان شفيق فياض وعلي حيدر، (أنصاره ومؤيديه) وليطمئن رفعت أن الطائرة لن تنفجر في الجو طلب أن يسافر معهم رئيس إدارة المخابرات الجوية اللواء محمد الخولي (أقرب المقربين من حافظ الأسد). ولا ينسى العماد في نهاية استعراضه لهذه المسرحية أن يكيل الثناء لولي نعمته وسيده حافظ الأسد فيقول:
((وهكذا أسقط الأسد جميع الرهانات المعادية المحلية والعربية والأجنبية التي كانت تعول على تسلم العميد رفعت لانضواء سورية تحت المظلة الأميركية ونهاية لوقفة العز والشموخ التي اتسمت بها المسيرة التي قادها أمين هذه الأمة)). (لا تعليق!! حسبي الله ونعم الوكيل).