نتمنى للبنان أن يسير في طريق السلامة

فيصل الشيخ محمد

حتى يصل إلى بر الأمان

فيصل الشيخ محمد

مرت سنة على اجتياح ميليشيا السيد حسن نصر الله لبيروت، التي وصفها البعض بالانقلاب على الدولة، في حين وصفها البعض الآخر (بغزوة حسن نصر الله لبيروت)..وهذا ليس من قبيل المبالغة بنظر الكثيرين داخل لبنان وخارجها، فقد استباح مسلحو هذه الميليشيا حرمات المنازل، وتعدوا على الناس جهاراً نهاراً، بتحد وصل إلى حد الشطط واللامبالاة والاستكبار والاستهانة والاستعلاء والاحتقار.

وهذه الغزوة المفاجئة لأهل بيروت قد دُبرت بليل بهيم، وأُعد لها إعداداً لوجستياً ومعلوماتياً بشكل دقيق، لا يفتقر إلى الخبرة والمعرفة والاطلاع، وقوة السلاح والعتاد الذي تنوء بعض الدول عن تحمل امتلاكه، أو المهارة في استعماله، أو الدقة في تصويبه، وخاصة إذا ما عرفنا أن هذا السلاح موجه إلى صدور عارية وبيوت مشرعة الأبواب، اطمأن أهلوها وساكنوها إلى أنهم لن يكونوا يوماً ضحية لسلاح، امتُلك على أنه لمقاومة العدو الصهيوني والدفاع عن الوطن إذا ما تعرض لعدوان خارجي، وصفق له الشيب والشباب وزغردت له النساء، وهتفت له الأطفال.

ولكن هذه الميليشيا داست بسنابك خيلها كل هذه الثقافة والقيم، واستباحت كل ما هو محرم بين الأخوة والأشقاء والجيران والأخلاء والأصحاب والشركاء في الوطن، ومزقت وثيقة العيش السلمي المشترك الذي اعتادوه على مر قرون خلت.

لقد أدارت هذه الميليشيا ظهرها للعدو الصهيوني بعد أن تسببت بالعدوان الإسرائيلي الغاشم على لبنان عام 2006، والذي جر على لبنان وشعب لبنان القتل والتهجير والتدمير والخراب، الذي طال لبنان من شماله حتى جنوبه ومن شرقه حتى غربه.. لدرجة شعور السيد حسن نصر الله بالذنب عندما اعترف بأنه أخطأ، ولم يكن يظن – بحسب قوله - أن تكون ردة فعل العدو الصهيوني بهذا الحجم، ولو عرف ذلك لما أقدم على ما أقدم عليه.. وهنا أستذكر ما قاله الزعيم العراقي الراحل عبد الكريم قاسم عندما سهّل للشيوعين غزوهم لمدينة الموصل وارتكابهم فيها أبشع الجرائم من ذبح وقتل وسحل وتعليق وصلب على أعمدة الهاتف والكهرباء، قال عندما شاهد ما فعله الشيوعيون في الموصل: إنه لأمر مؤسف ومقزز وتقشعر له الأبدان!!

كان يمكن أن يكون اعتراف حسن نصر الله بخطأ ما ارتكب اعتذاراً يشفع له، لو لم يتبع ذلك العدوان الصهيوني الغاشم باحتلال بيروت وتقطيع أوصالها، والحيلولة بين الناس وطلب معاشهم، وتعطيل مؤسسات الدولة ومعاملات الناس، ثم بغزوته لبيروت، وانتهاك ميليشياته بيوت الآمنين، والمؤسسات الأهلية والحكومية، ودور العلم والثقافة والرياضة والإعلام وحرقها، واستباحة دماء الأبرياء والمواطنين العزل، مرافقاً ذلك ببرامج تلفزيونية تحريضية وتبريرية معدة مسبقاً، كانت تبثها قنوات حزبه وحلفائه على مر الساعة، وقد شاهدنا وشاهد العالم هذه الفصول الدموية البشعة، الغريبة على قيم العروبة والإسلام، على شاشات الفضائيات المحايدة في حينها.

اليوم وكعادته بين الفينة والأخرى يطل السيد حسن نصر الله ليلقي خطاباً تعودت سماعه آذان اللبنانيين يبشرهم فيه بانقلاب جديد على الدولة، وبغزوة جديدة، ليست لبيروت وحدها هذه المرة بل لكل المناطق اللبنانية، إذا ما أخفق وتحالفه بالانتخابات في شهر حزيران المقبل، محذراً الأكثرية إذا ما حققت الفوز بأن لا سلام ولا أمن ولا استقرار في لبنان إلا بتشكيل حكومة وحدة وطنية يملك فيها السيد حسن نصر الله الثلث المعطل، ليعطل كل ما من شأنه لا ينسجم وأجندته وأجندة حلفائه داخل لبنان وخارجه، من اتفاق الطائف إلى تفاهمات الدوحة، مروراً بالمحكمة الدولية.

نتمنى أن لا يحدث أي شيء من كل هذه التخوفات وهذه التوجسات، وأن يسير لبنان في طريق المعافاة حتى بر الأمان، ليظل لبنان البلد الملهم لكل عشاق الحرية والديمقراطية والعدل والاستقرار والسلام في منطقتنا العربية، التي تفتقر في مجملها لمثل هذا العيش السلمي المشترك، الذي يعيشه لبنان منذ عهود طويلة، والقائم على التداول السلمي للسلطة، واحترام الرأي الآخر، وحق الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية!