الانقسام مطلب شعبي
الانقسام مطلب شعبي؟!
صلاح حميدة
قد يستغرب القارىء من تسمية هذا المقال؟ فهل الإنقسام مطلب شعبي؟ أم أن الوحدة هي المطلب الشعبي الدائم في كل مكان؟ هل يشجع الشعب على الإنقسام ويطلبه؟ ويرفض الوحدة وينبذها؟
فلسطينياً، شكل مطلب الوحدة مطلباً شعبياً جارفاً لا تكاد تجد فلسطينياً يرفضه، إلا قلة قليلة ترى أن مصالحها تتطلب الإنقسام، ولذلك فهي تسعى بكل ما أوتيت من قوة، ولكن كيف تستطيع هذه القلة القليلة جعل مصالحها باستمرار الإنقسام مطلباً شعبياً؟
يلاحظ العديد من المحللين والمراقبين للشأن الفلسطيني، أن أيد خفية وأخرى جلية، تلعب ليل نهار لإبقاء الشعب الفلسطيني ممزقاً ولكل طرف من هذه الأطراف مصالحه، ولكن أن يتطابق هذا الحرص الخارجي على بقاء الإنقسام مع مطلب نخبة داخلية، ثم ينقلب إلى مطلب شعبي فهذا شيء مستهجن!.
دفعت نتائج (معركة الفرقان) في غزة جميع الأطراف دفعاً لكي تعيد حساباتها باتجاه توحيد الصف الداخلي، ورمي المناكفات والصراع مرة وإلى الأبد خلف ظهور الفلسطينيين، هذه الظروف المستجدة، أضاءت الضوء الأحمر عند النخب المستفيدة من حالة الإنقسام، فعملت للتأجيج الداخلي بعدة وسائل، ولكن هذا لم يلق القبول من الشارع الفلسطيني، ودفع بعضاً من القيادات الوطنية لإعلاء صوتها برفض أي شكل من أشكال الصراع الداخلي، وأن صراع الشعب الفلسطيني هو مع الإحتلال ولا شيء سواه.
من الغريب، بل من المستهجن، ما أعلن عنه أخيراً من أن الحكومة الفلسطينية المعينة في رام الله، تعاني من أزمة مالية؟ وتؤخر رواتب الموظفين في الضفة، وتعلن أن السبب هو لأنها بصدد تحويل رواتب موظفي غزة عن الشهر الفائت وليس الحالي؟!
المثير للإستغراب في هذا الإعلان، هو أن هذه الفترة بالذات من كل سنة تكون فيها خزينة وزارة المالية تطفح بالأموال، لأن الشركات والتجار وأصحاب الأملاك يتوجهون لدفع الضرائب؟ مضافاً إليه ما يأتي من الخارج؟ فكيف يعلن عن أزمة مالية؟ ولماذا يربط بين الأزمة وبين إرسال الرواتب والمساعدات لغزة؟
لفت نظري كلام نقيب الموظفين العموميين، بأن الموظفين في الضفة تبرعوا بيوم عمل وبالدم لأهلنا في غزة، ولكن لا بد من عدم دفع الرواتب لهم على حساب موظفي الضفة؟! وتكرر هذا الكلام من أكثر من موظف في أكثر من مجلس؟!
هناك من يقول أن الهدف من الحبس المالي الحالي، يعود إلى:-
1- تذكير الموظفين وحركة فتح، بأن التقارب مع حماس يعني عودة قطع وتأخر الرواتب، ولذلك فالإنقسام أفضل لهم ( راتب مع انقسام ولا وحدة بلا راتب) كما قال أحدهم.
2- هناك سعي حثيث لتعميق الإنقسام جغرافياً وسياسياً وشعورياً حتى، فهناك سعي لإلقاء غزة بحجر حماس، وذكرت مصادر عديدة أن رئيس حكومة الإنقسام عرض على الرئيس بداية الأزمة مع حماس، أن يقطع رواتب كل موظفي غزة؟ ولكن أبو مازن رفض، ولذلك يعتبر دفع الموظفين الضفاويين لينتفضوا مطالبين بقطع حبل الوصال مع غزة، من خلال إشعارهم أن غزة وأهلها عبىء عليهم، وعلى رفاهيتهم هدفاً ليقال أن الجمهور هو الذي يطلب الإنقسام، وليس نخب مستفيدة منه.
3-القائمون الآن على الحكومة في الضفة، لا جذور شعبية لهم، ويعلمون علم اليقين أنهم سيدفعون ثمن تصالح حماس وفتح، فهم فعلوا ما لم يفعله أحد، ولذلك فهم أكثر الناس رفضاً للوحدة الداخلية، حتى ولو أعلنوا غير ذلك، فلهم من الأعداء في فتح أكثر ما لهم من الأعداء في حماس، وسيتناهشهم الجميع.
من زاوية أخرى، لا يعتبر الإنقسام مطلباً إلا في حالة واحدة فقط، وهي أن تكون المفاوضات والحوارات الداخلية تقوم على ترتيب البيت الفلسطيني في الضفة وغزة فقط، أو في غزة فقط( على قاعدة الذي معي لي والذي معك لي ولك)، فهنا لا تعتبر هذه وحدة، بل هي مقدمة جيدة لانقسام وصراع دموي أكبر وأعمق، والأحمق هو الذي يعتقد غير ذلك، والذي يصر على أن تكون البداية من الحكومة تمهيداً لانتخابات يتم تزويرها، فهذه وصفة أكيدة لحرب أهلية ومجازر داخلية، وهنا بالذات يكون الاختلاف والانقسام الحالي مطلباً شعبياً، أفضل من أن نقع في واقع أسوأ بكثير من الواقع الحالي.
أما الإتفاق على ترتيب البيت الفلسطيني بدءاً من منظمة التحرير، حتى يتم إصلاحها وتفعيلها، فهذا هو الجوهر وهو بيت القصيد، فمن كانت نيته صادقة في جعلها بيتاً ومظلة حقيقية لكل الفسطينيين، فعليه أن يفتح الباب أمام حوارات صادقة لترتيب هذه المنظمة وهيآتها لتكون حقيقة تعبر عن نبض الشعب الفلسطيني.
المطلب الشعبي الحقيقي هو بالوحدة، ولكن أساس الوحدة وآليات تفعيلها، وغير ذلك، هذه لا تتم إلا بنوايا صادقة، وبغير ذلك، فمن المهم القول أن الإنقسام سيكون مطلباً شعبياً من الجميع على حد سواء( من باب اختيار أهون الشرين)، ولذلك أرى أن هذه قد تكون الفرصة الأخيرة للوحدة الحقيقية.