لويس أوكامبو ومحرقة غزة

د. ياسر سعد

لويس أوكامبو ومحرقة غزة

د. ياسر سعد

[email protected]

الحروب والأحداث الجسام تعيد تأكيد حقائق معروفة وتكشف عن أخرى، وتساهم في تشكيل مفاهيم وقناعات جديدة، وقد تهيئ لتغييرات لاحقة وجذرية وإن لم تبدوا مرئية وقت وقوع تلك الأحداث. ولعل مجازر غزة والتي تجري وقائعها الدامية الآن ليست استثناء، فتلك الأحداث ستكون لها تداعيات كبيرة في المستقبل المنظور والبعيد.

في حربي العراق وحرب لبنان 2006 ومجازر غزة، نلحظ إصرارا على إظهار نزعة تدميرية كبيرة تستهدف البنى التحتية ولا تستثنى المدارس والمؤسسات المدنية ودور العبادة. وكأن هذا السلوك العنصري يريد تكريس الفوقية التي تريد أن تقول للعرب والمسلمين إنكم بأطفالكم ونسائكم مجرد أرقام نلهو بها ومعها من خلال أخر ما وفرته لنا التكنولوجيا والتي تتخلفون فيها عنا. من المؤسف أن بعض المسؤولين المصريين والفلسطينيين مما شاركوا بالعدوان على غزة من خلال تبريره بالحديث عن صواريخ المقاومة، يريدون ترسيخ تلك الفوقية الأمريكية والإسرائيلية في التعامل معنا، فراحة المحتل الإسرائيلي ورفاهيته أهم من شلالات الدماء وأشلاء أطفال غزة وأمهاتهم.

وإذا كانت أمريكا تكرر السؤال لماذا يكرهها العرب والمسلمون، فإنها تتعامل معنا وكأننا الروبوت والذي لا يمتلك المشاعر والأحاسيس وما عليه ألا أن يفعل ما يؤمر به. فهاهي إدارة بوش تصر أن تودع الحكم وتغادره كما كان دأبها دائما في سنواتها العجاف، هازئة بالحقائق ومولعة بالأكاذيب، فالحديث عن السلام يمر على أجسادنا الممزقة والديمقراطية تأتي على الصواريخ كروز وحقوق الإنسان عناوينها جوانتنامو وأبو غريب، وأحداث غزة سببها الوحيد هو حماس وصواريخها. الموقف الأمريكي والغربي من محرقة غزة يعطي برهانا إضافيا وصارخا على افتقار ساسة الغرب في مجملهم للأخلاق والقيم، هذه السلوكيات غير المستقيمة لم نكن نحن فقط من ضحاياها بل وشاركتنا في تحمل آثار بؤسها الشعوب الغربية والتي تعاني الآن من أزمات مالية واقتصادية.

ما قبل المحرقة، تحدث جيمي كارتر والقس توتو والمسؤول الأممي ريتشارد فولك عن جرائم حرب ترتكبها إسرائيل في القطاع وبحقه من جراء إجراءات الحصار والتجويع. والآن تقترف إسرائيل أمام بصر العالم وسمعه جرائم إبادة وقصف وحشية تستهدف حتى الجامعات والمساجد وتقتل المدنيين وقوات الأمن (يصنف الإعلام الغربي شرطة غزة كعسكريين)، ومع ذلك لم نسمع أصوات دولية حازمة وجادة تطالب بمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين. أبحث عن لويس أوكامبو والذي يريد أن يحاكم عمر البشير من أجل تجاوزاته في دارفور، فلا أجد للرجل الصاخب حضورا فيما يقع على غزة. وفيما يصر أوكامبو أن عنده أدلة ضد البشير جمعها بعناء وجهد، ربما كما فعلت إدارة بوش مع أدلة أسلحة الدمار في العراق،  فإن أدلة مجزرة غزة كثيرة ومتوفرة وعلى الهواء مباشرة، بل ويتبجح بها الصهاينة.

ومع ضخامة وعنف ما يجري في غزة، والذي يقابله عجز عربي رسمي وغياب القيادات الفكرية والدينية الفاعلة، فإن أعدادا كبيرة من الشباب العربي الغاضب والساخط والمحبط ستجد في الفكر الجهادي وربما التكفيري والتفجيري ملجأ لها في محاولة تغيير واقع سياسي مذل مترافقا مع أحوال معيشية بائسة.

هل هناك من يجرؤ بعد الآن أن يتحدث عن السلام؟ وهل هناك من يريد أن يحاور شمعون بيريز وأن ينشر معه ثقافة السلام؟ بتقديري إن لعنة دماء غزة ستمنعهم من ذلك.