كفى .. فقد بلغ السيل الزّبى
كفى .. فقد بلغ السيل الزّبى
جميل السلحوت
ما يجري على الساحة الفلسطينية داخلياً منذ عدة أيام مؤشر خطير على استمرار أوضاع خطيرة، بدأت منذ استيلاء حركة حماس على مقاليد السلطة في قطاع غزة في حزيران 2007 . وما أعقب ذلك من شرخ داخلي لم يجلب للشعب الفلسطيني سوى الخراب والدمار .
لقد تنفس الشعب الفلسطيني الصعداء عندما أعلن الرئيس محمود عباس عن استعداد السلطة للحوار مع حماس، ومع كل الفصائل الفلسطينية لاعادة ترتيب البيت الفلسطيني ، لكن هذه الفرحة لم تتم عندما حصل تفجير شاطىء غزة الذي أزهق أرواح ثلاثة من كتائب القسام وطفلة فلسطينية، واستنكرته قيادة السلطة وقيادة حركة فتح . وما تبع ذلك من اعتقالات قامت بها أجهزة حركة حماس، واستهدفت نشطاء وقادة حركة فتح في قطاع غزة . ثم الاعتقالات المضادة التي قامت بها أجهزة السلطة في الضفة الغربية ،واستهدفت نشطاء وقادة في حركة حماس، غير ان الرئيس محمود عباس كان أكثر حمكة عندما أمر أجهزة السلطة الأمنية بالافراج عن كافة المعتقلين في هذه الحادثة .
وبما انه من المحزن حقاً ، أن تصبح الأراضي الفلسطينية التي يسعى شعبنا على اقامة دولته المستقلة العتيده عليها ساحةً لأخذ " الثارات " بين فتح وحماس في صراعهما على سلطة تحت الاحتلال ، فإنه من غير المعقول ومن غير المقبول ، وفي كل الظروف اعتقال الفلسطينيين على أيدٍ فلسطينية ، ويزداد الأمر بشاعة عندما يتم اعتقال عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وهو الدكتور زكريا الاغا ، هذه المنظمة التي تعتبر مرجعية السلطة ، والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده ، بالرغم من ترهلها ، وبالرغم من المطالبة العادلة والمحقة بإعادة هيكلتها .
لكن الخلاف بين الأخوة يصل الى حدّ الجريمة عندما يتم اللجوء الى السلاح، وقتل واصابة عشرات الأشخاص - كما حصل في حيّ الشجاعية يوم السبت الثاني من آب الحالي - ، فاستعمال السلاح وسفك الدماء الفلسطينية على أيدٍ فلسطينية تجاوز لكل الخطوط الحمراء ، واعتداء صارخ على حرمة الوطن وحرمة المواطن ، ولا يمكن تبريره مهما كانت الذرائع .
فاللجوء الى السلاح بدل الجلوس على طاولة الحوار هو برهان أكيد على ضعف طروحات من يلجأ اليه.
وعلى السلطة الفلسطينية أن تطبق سيادة القانون ، فمن يلجأ الى السلاح سواء بالقتل أو بالتفجير أو باختطاف اشخاص هو خارج عن القانون ، وتجب محاكمته وايقاع العقوبات التي يحكم بها القضاء العادل والنزيه عليه ، وعلى كل التنظيمات الفلسطينية ألا توفر الحماية لأيّ من أفرادها يخرق القانون، ويعتدي على حرمات المواطنين أوحرمات أملاكهم .
ومن المثير للقلق والفزع أن تترافق الأحداث الأخيرة مع تقرير منظمة هيومن رايتس وتش الأمريكية - المدعوم بالصور- عن انتهاك حقوق المعتقلين الفلسطينيين من خلال التعذيب الجسدي والنفسي، في سجون السلطة وفي سجون أجهزة حماس الأمنية في قطاع غزة ، فالخلافات بين الاخوة لا يمكن أن تـُفسد في الودّ قضية كما قال الأقدمون من الأجداد . فهل تحول الضحية الفلسطيني ، ضحية التعذيب والقمع الى جلاد لأبناء شعبه لمجرد الاختلاف في الرأي ، ان من يمارس التعذيب بسادية ضد أبناء شعبه لا يمكن أن يكون مؤتمناً على مصير هذا الشعب ، من هنا فإننا نتمنى على الرئيس محمود عباس وعلى قادة الأجهزة الأمنية أن يراقبوا هكذا تصرفات لا تليق بأخلاقنا ونضالات شعبنا ، وأن يقدموا من يرتكبون هذه الحماقات الى القضاء العادل لينالوا جزاءهم أيضاً .
كما أنه يجب أن تخرج دعوة الرئيس محمود عباس الى بدء الحوار مع حماس الى حيز التنفيذ فوراً ، ويجب أن تعود اللحمة الى البيت الفلسطيني الواحد ، فقضيتنا لا تحتمل الخلاف .
وعلى كل من يغذي الخلاف الفلسطيني الداخلي أن يدرك أنه بشكل وآخر يتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية استمرار الاستيطان في القدس وبقية أجزاء الضفة الغربية بشكل مباشر وغير مباشر ، وهو يعيق قدرات شعبنا في التصدي لسياسات الاحتلال المجنونة .