استهداف الكنائس في سورية

زهير سالم*

حول تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان

زهير سالم*

[email protected]

أشعر أن الواجب ملح لتحديد موقف من ظاهرة استهداف الكنائس في سورية ، وضروري للإشادة بالتقرير المهني الرصين الذي أصدرته مشكورة منذ أيام الشبكة السورية لحقوق والذي وصل إلى مركز الشرق العربي نسخة منه .

إن أول ما يلفت النظر في تقرير (الشبكة السورية لحقوق الإنسان ) هو الأسطر القليلة التي شكلت مقدمته ، والتي اختصرت محاولة ( السلطة ) السورية منذ الأيام الأولى للثورة تشويه هذه الثوره ، وتقديم الصراع في سورية على أنه صراع طائفي ( ديني ومذهبي ). وتصوير أن الطائفية المكبوتة هي التي تحركه . ومحاولة هذه السلطة استصحاب الأقلية المسيحية في سياقاتها ، للاستفادة من بعد عالمي داعم لا يخفى ، وليقدم نفسه للعالم كحام للأقليات . وتخلص مقدمة التقرير إلى أن ( السلطات السورية تحمي نفسها فقط ، وتستهدف كل من يخالفها ) . وأنها كثيرا ما تستهدف من تزعم أنها تحميه ، لتتهم باستهدافه الآخرين على نحو المؤامرة الخطيرة التي عهد إلى ميشيل سماحة تنفيذها ..

وقبل أن نعرض في هذا الموقف بعض مهم التقرير ، نحب أن نوضح موقفا شرعيا وسياسيا يلتزم به أصحاب المشروع الحضاري الإسلامي ،و سبق لهم أن أعلنوه في وثائق ومواثيق لهم كثيرة ..

يشتق أصحاب المشروع الإسلامي موقفهم من دور العبادة عموما من دلالة قوله تعالى (( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا )) . تؤكد الدلالة العامة للآية الكريمة أن هدم هذه الأماكن مما يكرهه الله تعالى ، وأن سنة التدافع التي شرعها الله إنما هي لحماية مواضع عبادته وذكره . وإن للاقتران ( بين الصوامع والبيع والصلوات والمساجد ) في السياق القرآني دلالته ، التي لا تغيب عن عقل مؤمن ولا قلبه . وقد اعتبرت الآية الكريمة أن هدم مواضع ذكر الله هو من الفساد الذي يغضب الله رب العالمين . وحتى نقل ابن قيم الجوزية ( إن الله يحب أن يذكر ولو من مخالف ) .

كما يستمد أصحاب المشروع الإسلامي رؤيتهم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أفسح في مسجده ،على شرف الموضع ، لوفد نصارى نجران ليؤدوا صلواتهم فيه، من غير تضييق عليهم ولا برم بهم .

ونستصحب في إعلان تخوفنا وقلقنا على كل دور العبادة تخوفا كان في قلب سيدنا عمر وعقله ساعة انسحب من كنيسة القيامة ، وما صلى فيها ليس رغبة عنها ، وإنما تخوفا عليها من أن يأتي من يقول : مصلى عمر ...

لقد صانت أجيال المسلمين متعبدات أهل الكتاب في ديارنا على مدى قرون كما لم تفعل حضارة أو أمة مع مخالفيها . وقرر فقهاؤنا ( يدافع عن مصليات أهل الكتاب بالمؤمنين ) . ومع ذلك تبقى الأمة في كل عصر بحاجة إلى تجديد منظومتها الفقهية بما يتناسب ومستجدات العصر ومعطياته ، ولاسيما في ميادين السياسات الشرعية حيث تبقى دائما قاعدة المعاملة بالمثل بعض أساس العقود والمعاملات ..

كان لا بد من هذه المقدمة لتوضيح الموقف الشرعي الأصيل ، والسياسي المعتمد لأصحاب المشروع الإسلامي الذي يدفع بكل ما أوتي من قدرة وجهد عن دور العبادة بشكل عام ومن ضمنها الكنائس ومصليات أهل الكتاب على وجه الخصوص . جهد للصون والحماية مقترن بالاحترام والحرمة الدينية ، لا يجوز أن تختلط بما يصوره أو يتصوره بعض الذين لا يعلمون من كراهية وتنافر ورغبة ظاهرة أو خفية في البغي والعدوان ...

ونعود إلى تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي رصدت من خلال جهد مهني ودقيق عن استهداف 63 % من الكنائس في سورية ..

وأكدت أن أربعين كنيسة من هذه الكنائس تم استهدافه مباشرة عن طريق قوات السلطة السورية ..

ورصد التقرير توزيع الكنائس المتضررة على النحو التالي : 11 كنيسة في حمص – 10 كنائس في ريف دمشق – 5 كنائس في حلب ودير الزور – 4 كنائس في إدلب – 3 كنائس في اللاذقية – وكنيسة واحدة في درعا ..

ونسب التقرير إلى المسمى الداعشي استهداف 6 كنائس في سورية .

كما ذكر التقرير أن بعض الكنائس تعرضت للعدوان من قبل السلطة السورية أكثر من مرة .

ووثق التقرير أن السلطة حولت 6 كنائس إلى مقرات عسكرية ، وهذا أدى إلى أن يقع العدوان عليها من قبل قوى الثورة . وأن العدوان عليها تم بوصفها مراكز عسكرية وليس بوصفها كنائس .

ومن باب استكمال تلخيصنا لما ورد في التقرير نذكر أن التقرير نسب إلى الفصائل المسلحة استهداف 14 كنيسة ، بعضها كما أسلفنا لأنها تحولت إلى مراكز عسكرية ، وأن القوى المسلحة حولت كنيستين إلى مراكز عسكرية ...

وبعد فإن من حق أن نتوجه بالشكر للشبكة السورية لحقوق الإنسان على جهدها المتميز والقيم ..

وأن نعلن معها مطالبتنا من منطلق شرعي إسلامي وحقوقي مدني ،إدانتنا لأي عدوان يقع على أي من دور العبادة ، مطالبين بأن يكون لهذه المواقع حرمتها وصيانتها . وأن يعتبر أي عدوان عليها من الانتهاكات الجسيمة للقيم الدينية والحضارية التي تعايش عليها المجتمع السوري قرونا طوالا ...

وأن نذكر الثوار الأبطال دائما بضرورة الوقوف عند حدود الله بتأمين الحماية والأمن لهذه الأماكن وللائذين بها .

منتظرين من الشبكة السورية لحقوق الإنسان استكمال معروفها بتقرير مماثل يرصد العدوانات المتكاثرة على المساجد والمآذن على الخارطة السورية ...

ويبقى التقرير تحت نظر المجتمع الدولي ليس للتأكيد على مفارقات في بنية المجتمع السوري يحاول بشار الأسد أن يجعلها أخاديد في جبهة الحضارة والمجتمع السوريين ، وإنما كحقيقة تفضح لعبة ضرب أبناء المجتمع السوري بعضهم ببعض ، ويخوف بعضهم من بعض ...

أما جوابنا لأصحاب المشروع الطائفي الكريه فهو قول شاعرنا ..

أخي ...

قم بنا إلى قبلة المشرقين ..

لنحمي الكنيسة والمسجدا

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية