برامج التكيف الهيكلي لصندوق النقد الدولي دمّرت الصناعة والزراعة والصحة والتعليم في أفريقيا (117)

د. حسين سرمك حسن

(لقد حدث "شغب صندوق النقد الدولي" في أكثر من 30 بلدا، وكان أحيانا في شكل احتجاجات عنيفة ضد المصاعب الناجمة عن برامج التكيف الهيكلي. وتُترك الحكومات لتقمعها بوحشية. ومع ذلك، فإن الاحتجاجات الأولى لم تعقبها مباشرة مبادرة تحل محل برامج التكيف الهيكلي. حتى القادة السياسيين في البلدان النامية أصبحوا هادئين حول قضية الديون ولم تعد هناك حملات لإلغاء الديون. والسبب هو أنهم أصبحوا نخبة فاسدة لم تعد مهتمة بإقامة نظام أكثر عدلا).

الباحث الاقتصادي

والدن بيلو

(كانت البلدان النامية غير قادرة على سداد قروضها، وأجبرت على طلب قروض جديدة لدفع فوائد القروض القديمة. في عام 1980 بلغ مجموع ديون البلدان النامية في 567 مليار دولار أمريكي. بين عامي 1980 و 1992 دفعت هذه الدول 1662 مليار دولار. ومع ذلك، وبسبب ارتفاع أسعار الفائدة، زادت الديون إلى 1419 مليار دولار في عام 1992 - على الرغم من السداد! اجبر ارتفاع أسعار الفائدة القسري الدول النامية على الحصول على قروض جديدة لتجنب الإفلاس. استنزف تسديد الديون نحو 160 مليار دولار سنويا من البلدان النامية. منذ الثمانينات، صار تسديد الديون هو الآلية الرئيسية لنقل الثروة من الجنوب إلى الشمال).

الباحث الاقتصادي

هربرت جاوش

(وعلى الرغم من المبالغ الكبيرة التي تُنفق على المساعدات الثنائية والمتعددة الأطراف، فإن تدفق رؤوس الأموال من أفريقيا نحو الدول الصناعية أكبر من تدفق رؤوس الأموال من الدول الصناعية إلى البلدان النامية).

الرئيس الفرنسي السابق

    "فرانسوا ميتران"

          1994

المحتوى

_____

(تمهيد: إسقاط الدول النامية في شبكة الديون مخطط غربي- دخل صندوق النقد والبنك الدولي المخطط لتأكيد أن البلدان النامية لن تتخلص من ديونها- أسس برامج التكيف الهيكلي لصندوق النقد- هذه البرامج أداة الصندوق لتأديب الدول المتمردة- هذا الخراب من "ثمار" برامج التعديل الهيكلي- أحاديثهم عن قصص النجاح أكاذيب مكشوفة والواقع هو الفقر والجهل والمرض- تأثير مدمّر على النساء: زيادة الطلاق والاستغلال ووفيات الأمهات- برامج التكيف الهيكلي في أفريقيا الجنوبية: تدمير البنى الاقتصادية والاجتماعية وهذه هي الأمثلة: أنغولا، زيمبابوي وزامبيا، موزمبيق، مالاوي، ناميبيا وجنوب أفريقيا- برامج التكيف الهيكلي وعولمة الخداع- النخب الفاسدة أداة الصندوق والبنك في تدمير البلدان- استنتاج:  حزمة الإصلاح من البنك وصندوق النقد الدولي تشكل برنامجا متماسكا للانهيار الاقتصادي والاجتماعي- مصادر هذه الحلقات)

تمهيد: إسقاط الدول النامية في شبكة الديون مخطط غربي

________________________________

تعود أزمة الديون إلى بداية السبيعنات عندما رفعت الدول المنتجة للنفط المتوحدة في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) أسعار النفط للحصول على إيرادات إضافية. وقد استثمرت معظم هذه الأرباح البنوك في الدول الصناعية. هذه البنوك، في المقابل، كانت مهتمة لإقراض هذه الأموال للبلدان النامية لتمويل شراء المنتجات من البلدان الصناعية. وبهذه الطريقة، ساعدت القروض الممنوحة للبلدان النامية على تحفيز الإنتاج في الشمال. فى ذلك التوقيت، كلّ من المؤسسات الخاصة والعامة شجّعت دول الجنوب على الاقتراض. حتّى البنك الدولي "بشر بعقيدة أن الدَيْن طريق لتعجيل  التنمية". ونتيجة لذلك، تم اقتراض مبالغ ضخمة من قبل النخب السياسية، وغالبا ما تُصرف على الكماليات، أو تُسرق من قبل المسؤولين الفاسدين (والمضحك عادة هو أنهم يتم اختيارهم من قبل القوى الاستعمارية الخارجية لقيادة هذه الدول الافريقية الفاشلة). القليل جدا من هذه الأموال تم استثماره بشكل مثمر بهدف تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.

خلال السبعينات أُعطيت القروض بحرية كبيرة وبأسعار فائدة منخفضة للغاية. ولكن هذا الوضع تغير بشكل كبير في بداية الثمانينات. قامت الولايات المتحدة برفع أسعار الفائدة بشكل كبير في محاولة لوقف التضخم. صار على البلدان التي اخذت القروض من البنوك الأمريكية الآن دفع مبالغ ضخمة جدا. قامت البنوك المقرضة الرئيسية في أوروبا برفع دعاوى ، ومن هنا ولدت أزمة الديون.

كانت البلدان النامية غير قادرة على سداد قروضها، وأجبرت على طلب قروض جديدة لدفع فوائد القروض القديمة. في عام 1980 بلغ مجموع ديون البلدان النامية في 567 مليار دولار أمريكي. بين عامي 1980 و 1992 دفعت هذه الدول 1662 مليار دولار. ومع ذلك، وبسبب ارتفاع أسعار الفائدة، زادت الديون إلى 1419 مليار دولار في عام 1992 - على الرغم من السداد! اجبر ارتفاع أسعار الفائدة القسري الدول النامية على الحصول على قروض جديدة لتجنب الإفلاس. استنزف تسديد الديون نحو 160 مليار دولار سنويا من البلدان النامية. وهذا هو حوالي 2.5 أضعاف إجمالي المعونات الإنمائية التي تتلقاها هذه البلدان! منذ الثمانينات، صار تسديد الديون هو الآلية الرئيسية لنقل الثروة من الجنوب إلى الشمال. اعترف بذلك الرئيس الفرنسي السابق "فرانسوا ميتران" عندما قال في عام 1994:

"وعلى الرغم من المبالغ الكبيرة التي تُنفق على المساعدات الثنائية والمتعددة الأطراف، فإن تدفق رؤوس الأموال من أفريقيا نحو الدول الصناعية أكبر من تدفق رؤوس الأموال من الدول الصناعية إلى البلدان النامية".

دخل صندوق النقد والبنك الدولي المخطط لتأكيد أن البلدان النامية لن تتخلص من ديونها

______________________________________ 

على الرغم من حقيقة أن الدول النامية قد دفعت قروضها الأولية منذ مدّة طويلة ، فإنها لا تزال مثقلة بالديون وتعتمد على قروض جديدة. هذا الموقف الشائك مهّد الطريق لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن يدخلا عملية "الانقاذ". وقد أُسندت إليهما مهمة التأكد من أن البلدان النامية سوف تستمر في دفع ديونها من خلال تقديم قروض جديدة للبلدان التي تقبل شروط معينة متمثلة بـ : التكيف الهيكلي.

في البداية، كانت الفكرة وراء إنشاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي (مؤسسات بريتون وودز كما سُمّيت آنذاك) ، هي الاضطلاع بمهمة إعادة بناء أوروبا أولا ثم بلدان أخرى بعد الحرب العالمية الثانية. وكان من المفترض بصندوق النقد الدولي تسهيل التجارة وتقديم قروض قصيرة الأجل للبلدان التي تعاني من مشكلات مؤقتة في ميزان المدفوعات.

صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اليوم لهما تأثير قوي على السياسات الاقتصادية في العديد من البلدان. جعلت عدم قدرة العديد من البلدان على سداد ديونها تعتمد على قروض جديدة. صندوق النقد الدولي لديه القدرة على إعلان أن دولة ما تمتلك الجدارة الائتمانية ، أو لا. وللحصول على ختم الموافقة من هاتين المؤسستين على الدول قبول شروط برامج التكيف الهيكلي وذلك لإعادة هيكلة اقتصاداتها وفقا للمبادئ التوجيهية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهذه هي الخطوة الحاسمة في خراب اقتصاد الدولة التي توافق على هذه الشروط التدميرية.  والدول مرغمة على الموافقة لأنه بدون ختم وتزكية الصندوق لن تكون لديها عمليا أي فرصة للحصول على أي قروض من الدائنين من القطاع الخاص أو العام في أي مكان في العالم.

أسس برامج التكيف الهيكلي لصندوق النقد

________________________ 

تبنّي تنفيذ برامج التكيف الهيكلي يرتكز على شرط أساسي هو أن البلدان المُدِينة عليها سداد ديونها بالعملة الصعبة. وهذا يؤدي إلى اتباع سياسة التصدير بأي ثمن لأن الصادرات هي السبيل الوحيد للبلدان النامية للحصول على هذه العملات الصعبة لسداد ديونها.

ولذلك فإن السمة الأولى من برامج التكيف الهيكلي هو التحول في الإنتاج إلى سلع التصدير مما يدمّر الناس المحليين الذين سيتركون زراعة الغذاء الضروري لهم ولشعوبهم ويتحوّلون نحو السلع التي يمكن بيعها في البلدان الصناعية. منذ الثمانينات اتبعت عشرات البلدان هذه السياسات في وقت واحد. ولذلك صاروا يصدّرون نفس السلع الأولية، التي تتنافس مع بعضها البعض ، ومن ثم صارت تعاني بسبب انخفاض أسعار السوق العالمية لسلعها. بين عامي 1980 و 1992، فقدت البلدان النامية 52٪ من دخل صادراتها بسبب تدهور الأسعار.

برامج التكيف الهيكلي لها 4 أهداف أساسية تتشكل بموجبها:

(1). التحرير: تعزيز حرية حركة رأس المال؛ فتح الأسواق الوطنية أمام المنافسة الدولية.

(2). خصخصة الخدمات العامة والشركات الحكومية (بيع شركات القطاع العام للشركات الأجنبية وللقطاع الخاص) .

(3). تغيير لوائح علاقات العمل وإلغاء شبكات الأمان الاجتماعي

(4). تحسين القدرة التنافسية

وبناء على هذه الأهداف، فإن برامج التكيف الهيكلي تفرض دائما نفس التدابير كشرط للحصول على قروض جديدة. وهذه هي التدابير :

خفض العجز الحكومي من خلال التخفيضات في الإنفاق العام (برامج استرداد التكاليف من المستهلك)؛

رفع أسعار الفائدة

تحرير قواعد الصرف الأجنبي وتحرير التجارة (رفع القيود)؛

ترشيد وخصخصة الشركات العامة وشبه الحكومية.

تحرير الاقتصاد، على سبيل المثال:

-تحرير أنظمة الاستثمار الأجنبي

-تحرير سوق العمل، على سبيل المثال، "مرونة" الأجور (تخفيض أجور العمال لكي يصبح البلد تنافسيا ويجذب المستثمرين !)

رفع الرقابة على الأسعار وإلغاء دعم المواد الغذائية

التحول من الاستيراد لدعم التنمية إلى تصدير السلع والمواد الأولية

هذه البرامج أداة الصندوق لتأديب الدول المتمردة

___________________________

هذه التدابير أجبرت الدول على مسار تحرير الاقتصادات وخضوعها لضوابط السوق الحرة. البنك/ صندوق النقد الدولي يحدّد الأساس لسياسات الاقتصاد الكلي، ويسيطر أولاً على سياسات البنك المركزي في البلاد ، ويتحكم بالإنفاق العام من خلال ما يُسمى "بمراجعة الإنفاق العام". برامج التكيف الهيكلي تعزّز مبدأ استرداد التكاليف للخدمات الاجتماعية  المقدّمة للمواطن ، والانسحاب التدريجي للدولة من الخدمات الأساسية الصحية والتعليمية. وفي إطار برنامجها "برنامج الاستثمارات العامة" يقرّر صندوق النقد الدولي حتى ما هو نوع البنية التحتية التي يجب أن تُبنى في حين أن نظام العطاءات المفروض من قبل الصندوق يضمن أن الأشغال والمشاريع العامة تُنفذ من قبل شركات البناء والهندسة الدولية التي يختارها الصندوق والبنك !!

وعلى الرغم من أن العديد من الدول كانت منتقدة ومتشككة في شأن هذه السياسات الليبرالية الجديدة (المصممة أصلا وفق أفكار ادارتي ريغان وتاتشر) إلا أنها أُجبرت على التخلي عن الأفكار الديمقراطية الاشتراكية أو حتى الاجتماعية. وبهذه الطريقة، وفّرت أزمة الديون لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي أداة فعالة جدا لتأديب الدول المتمردة. يتم تقييد البلدان المَدِينة وتكبيلها لمنعها من تنفيذ السياسات الاقتصادية الخاصة بها.

هذا الخراب من "ثمار" برامج التعديل الهيكلي

__________________________

على الرغم من مزاعم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بنجاحات برامج التكيف الهيكلي، فإن من المسلم به وعلى نطاق واسع أن برامج التكيف الهيكلي فشلت في تحقيق أهدافها. إنها لم تخلق الثروة والتنمية الاقتصادية عبر الأسواق غير المنظمة، ولم يستفد منها الفقراء، وفشلت في تقديم الخدمات الاجتماعية. الصندوق/البنك الدولي يعتقد بأن إلغاء تعريفات الحماية الجمركية سيجعل الصناعات المحلية أكثر قدرة على المنافسة. في الواقع، أدى هذا إلى انهيار التصنيع المحلي في كثير من الأحيان ، وحلّت السلع الاستهلاكية المستوردة محل الإنتاج المحلي. ومن النتائج الأخرى لبرامج التكيف الهيكلي:

سمحت الخصخصة لرأس المال الدولي بشراء مؤسسات الدولة بتكاليف منخفضة جدا.

الإصلاحات الضريبية في إطار برامج التكيف الهيكلي (مثل ضريبة القيمة المضافة) تضع عبئا ضريبيا أكبر على المجموعات المتوسطة والمنخفضة الدخل في حين يتلقى رأس المال الأجنبي إعفاءات ضريبية سخية.

رفع القيود على النظام المصرفي يؤدي إلى معدلات فائدة مرتفعة للغاية مما يجعل معظم السلع ذات أسعار عالية لا تتحملها الأغلبية الفقيرة.

إلغاء الإعانات الحكومية، مع تخفيض قيمة العملة يؤدي إلى زيادات نارية في الأسعار وتخفيض الأجور الحقيقية في القطاعين الرسمي وغير الرسمي.

الحركة الحرة للعملات الأجنبية تسمح للشركات الأجنبية بإستعادة أرباحها وتحويلها إلى الخارج. كما أنه يسمح بـ"غسيل" "الأموال القذرة" في الحسابات المصرفية في الخارج.

برامج استرداد التكاليف من المواطن المريض في القطاع الصحي أدت إلى عدم المساواة في تقديم الرعاية الصحية، وخفضت التغطية الصحية وزادت من عدد الأشخاص الذين لا يحصلون على الرعاية الصحية. أمراض مثل الكوليرا والملاريا والحمى الصفراء عادت إلى الظهور والتزايد مرة أخرى.

حلّت المنظمات غير الحكومية المختلفة بتمويل من وكالات المعونة الدولية تدريجيا محل الحكومة في أداء وظائفها في القطاع الاجتماعي (هدف الصندوق والبنك الدولي الخطير هو إلغاء دور الدولة في دول العالم الثالث).

التخفيضات في التوظيف في القطاع العام (على سبيل المثال تم تسريح 300000 من موظفي الخدمة المدنية في زائير - جمهورية الكونغو الديمقراطية الآن - في عام 1995)، إلى جانب إفلاس الشركات المحلية أدى إلى زيادات كبيرة في البطالة.

إن تحرير سوق العمل يؤدي إلى القضاء على فقرات تكاليف المعيشة في بنود الاتفاقات الجماعية مع الشركات وإلى التخلص التدريجي من قانون الحد الأدنى للأجور.

التوجه نحو التصدير في مجال الزراعة يقضي على زراعة المحاصيل المعيشية (الغذائية) ويفاقم هجرة العاطلين عن العمل من الريف إلى المدن.

أحاديثهم عن قصص النجاح أكاذيب مكشوفة والواقع هو الفقر والجهل والمرض

________________________________________

حتى في تلك البلدان التي طبّلوا فيها لقصص النجاح، كانت هذه القصص مفبركة حيث فرضت برامج التكيف الهيكلي صعوبات جمة على الفقراء. في أوغندا، على سبيل المثال، فإن الحكومة أطاعت سياسات البنك الدولي / صندوق النقد الدولي وقامت بتنفيذ خطوات بعيدة المدى في التحرير مثل:

خصخصة المؤسسات الحكومية

تقليل حجم الخدمة المدنية وتقليص عدد الجيش

تحرير النقد الأجنبي

منح لامركزية الخدمات إلى السلطات المحلية (تقليص دور الدولة)

تخفيض أو إلغاء الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية

وعلى الرغم من بعض (الإحصائيات) عن "النمو" الاقتصادي (وللصندوق والبنك سوابق في تزوير الأرقام كما سنرى في حلقات مقبلة) فإن هذه السياسات أدت إلى :

تراجع العمالة في القطاع الرسمي إلى أقل من 14٪ من السكان النشطين اقتصاديا

تسريح اكثر من نصف موظفي الخدمة المدنية (170000 موظف)

نقص المعدات والأدوية في المرافق الصحية الحكومية

انهيار المشاريع الصناعية والرزاعية الصغيرة

تدهور الحركة التعاونية

فقدت نقابات العمال أكثر من 60٪ من أعضائها منذ عام 1990

كانت لبرامج التكيف الهيكلي تأثير ضار على الخدمات الاجتماعية. في قطاع التعليم، على سبيل المثال، فإنها أدت إلى:

زيادة في حجم الصفوف (النسب بين الطلاب والمعلمين)

زيادة الرسوم المدرسية كجزء من برامج استعادة التكلفة (رسوم المستخدم)

انخفاض في عدد المعلمين وتجميد الأجور

إدخال نظام "الفترتين" في دوام المدارس

هبوط في مستوى التعليم العام بسبب تدهور المرافق التعليمية

 زيادة في المدارس الخاصة بالأثرياء

زيادة التفاوت في مستوى التعليم بين المجتمعات الفقيرة والغنية

انخفاض في التسجيل بالمدارس لأن على الفقراء أن يختاروا بين إطعام أطفالهم ودفع ثمن الزي المدرسي والقرطاسية والرسوم المدرسية.

إصلاحات التعليم التي يحركها التمويل المالي تحت برامج التكيف الهيكلي ألغت في كثير من الأحيان المكاسب التي حققتها البلدان الأفريقية بعد الاستقلال.

تعني برامج التكيف الهيكلي أن معظم البلدان تقوم بإجراء تخفيضات كبيرة في ميزانيات التعليم مما أدى - وفي أغلب أنحاء العالم – إلى عودة الأمية للنمو مرة أخرى بعد فترة طويلة من التراجع . الفئات الفقيرة والضعيفة في المجتمع هي دائما الأكثر تضررا من تدابير التكيف الهيكلي.

تأثير مدمّر على النساء: زيادة الطلاق والاستغلال ووفيات الأمهات

____________________________________ 

وكانت لبرامج التكيف الهيكلي تأثيرات سلبية على النساء خصوصا للأسباب التالية:

خصخصة الخدمات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم تجعل من المستحيل على الفقراء تحمل هذه الخدمات. ونتيجة لذلك، غالبا ما تُجبر النساء على تحمل هذه المسؤوليات، على سبيل المثال رعاية المرضى في البيت بسبب اشتعال تكاليف الخدمات الصحية.

التخفيضات في خدمات التعليم تؤدي إلى زيادة في نسبة الأمية بين النساء والفتيات. تحت برامج التكيف الهيكلي، فإن معدل التسرب للفتيات آخذ في الازدياد.

انخفاض الإنفاق على الصحة يؤدي إلى زيادة في وفيات الأمهات.

 إن إلغاء دعم الغذاء مع انخفاض الأجور (الحقيقية) يقلل من القوة الشرائية للمرأة.

 البطالة في تزايد مستمر نتيجة "إعادة هيكلة" القطاع العام

"مرونة العمل" (أي خفض أجور العمال) قد تؤدي إلى زيادة تشغيل النساء على حساب الرجال. هذه الوظائف، مع ذلك، تكون منخفظة الأجور وغير آمنة.

الحد من فرص العمل في القطاع الحكومي يقود المرأة للعمل في القطاع غير الحكومي.

* في زامبيا، أدت المصاعب الناجمة عن برامج التكيف الهيكلي إلى زيادة في حالات الطلاق. غادر الرجال منازلهم لأنهم لم يتمكنوا من رعاية أسرهم. ونتيجة لذلك، اضطر عدد أكبر من النساء لرعاية أطفالهن بمفردهن.

برامج التكيف الهيكلي في أفريقيا الجنوبية: تدمير البنى الاقتصادية والاجتماعية وهذه هي الأمثلة

_______________________________________

إن نتائج برامج التكيف الهيكلي في اقريقيا الجنوبية مماثلة لنتائجها في الأماكن الأخرى. تأثير هذه السياسات السلبي كان واضحا في جميع أقطار أقريقيا الجنوبية عى الرغم من أن المظاهر مختلفة.

(1). أنغولا: في أنغولا دمّرت الحرب التي شنتها وكالة المخابرات المركزية الامريكية ودولة جنوب أفريقيا العنصرية (آنذاك) في السبعينات والثمانينات البلاد ودمرتها. دُمّرت القاعدة الصناعية بصورة كاملة وصار الأنغوليون يصارعون يوميا من أجل البقاء. في نهاية الثمانينات فرض صندوق النقد/البنك الدولي برامج التكيف الهيكلي مما أدى إلى ما سمّاه الاقتصاديون بـ "الرأسمالية الوحشية" . هذه السياسات لم تقم بشىء سوى الإمعان في تدمير البنى الاقتصادية والاجتماعية المدمرة أصلا في أنغولا.

(2). زيمبابوي وزامبيا: في زيمبابوي وزامبيا فرضت برامج التكيف الهيكلي مصاعب شاقة على السكان في حين فشلت في تحقيق ما وعدت به من انتعاش اقتصادي وتخفيض للبطالة. و ESAP وهو مختصر "برامج التكيف الهيكلي الاقتصادية" صار الأفارقة ينظرون إليها الآن كمختصر لجملة "شعب أفريقيا يعاني إلى الأبد" لأن هذه البرامج أدت إلى العصيانات الجماعية واحتجاجات الغذاء بسبب إلغاء الدعم الحكومي عن المواد الغذائية الأساسية. وأشار مجلس زيمبابوي لاتحادات التجارة إلى أن هذه البرامج فاقمت الفقر وأن التوجه نجو التصدير قد أضر بالمزارعين ذوي المزارع صغيرة الحجم.

بعد خمس سنوات من تطبيق هذه البرامج في زيمبابوي ارتفع الدين الخارجي على هذه الدولة ليمثل 100% من الناتج المحلي الاجمالي وصار الدين الداخلي أعلى بكثير. وبسبب تخفيض قيمة العملة المحلية انخفضت قيمة التبادل الخارجي في زيمبابوي بنسبة 7،2% كل سنة في حين كانت قد زادت بنسبة 9% قبل إدخال هذه البرامج. كان النمو الاقتصادي بطيئا وتمّ تسريح 600000 عامل.   

في عام 1995 علّق صندوق النقد برامج القروض وطالب بتضحيات أكبر تفرض على السكان. فرض الصندوق على الحكومة التركيز على عجز الميزانية بدلا من التركيز على خلق فرص العمل وتخسين الخدمات الاجتماعية. ارتفعت نسبة البطالة إلى 50% ولم يتم خلق سوى 16000 فرصة عمل سنويا لـ 220000 شخص يغادرون الدراسة. ومنذ بداية التسعينات تمت تصفية 130 شركة وتصاعدت حركة تصفية القاعدة الصناعية في بلد كان اقتصاده مكتفيا ومتماسكا.

زامبيا اتخذت الخطوات الأكثر جذرية للتطبيق الكلي لبرامج التعديل الهيكلي فاختفت كل الصناعات مع إلغاء إجراءات الحماية الحكومية. خنقت الديون الخارجية البلاد ، وبين عامي 1990 و1993 صرفت حكومة زيمبابوي على تسديد الديون 35 مرة أكثر من الصرف على التعليم الإبتدائي.

(3). موزمبيق: تُعتبر موزمبيق واحدة من أفقر البلدان في العالم حيث تشكل المساعدة الأجنبية ثلثي الناتج المحلي الإجمالي. بعد 20 عاما من حرب طاحنة رعتها جنوب أفريقيا، دُمرت الدولة بشكل كامل تقريبا وتحاول في الوقت الحاضر إقامة نوع من الاستقرار السياسي.

خلال الثمانينات حاولت قيادة موزمبيق ايجاد وسيلة لحماية المنجزات الاجتماعية عند التعامل مع المؤسسات المالية الخارجية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. إلا أن ذلك لم يدم طويلا حيث تكشّفت عملية "إعادة استعمار" جديدة. ضربت الخصخصة كل مجال من مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية في البلاد : البنوك وصناعة القطن والزراعة والصحة والتعليم.

يهيمن اليوم على موزامبيق ليس عملاء القوى الاستعمارية، ولكن الاقتصاديين المتطورين من الناحية التقنية والكارهين للسياسة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووكالات المعونة الثنائية التي يحدّد وصفاتهم الاقتصادية المحللون الاقتصاديون.  إنهم يصورون تبعية موزمبيق كنتيجة طبيعية للاتجاهات الاقتصادية العالمية. اعترف رئيس الوزراء الموزمبيقي قائلا ان "ميزانيتنا يتم تحديدها فعليا من قبل الجهات المانحة في مؤتمر باريس السنوي". الخصخصة التي كان من المفترض أن تحسن الكفاءة وتخفض العجز في الميزانية غالبا ما تؤدي إلى عمليات تسريح واسعة النطاق. ووفقا لاتحاد نقابات العمال في موزمبيق من بين 502 شركة تمت خصخصتها منذ عام 1989 لم تشتغل سوى 25٪ منها ، وتم تسريح 37000 عامل.

(4). مالاوي: تحت ضغط المانحين الدوليين، ألغت حكومة مالاوي دعم الأسمدة في عام 1995. ونتيجة لذلك، لم يعد صغار المزارعين قادرين على توفير الأسمدة أو أجبروا على بيع مخزونات طعامهم. شكل هذا تهديدا خطيرا لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي للبلاد.

(5). ناميبيا وجنوب أفريقيا: على الرغم من أن ناميبيا وجنوب أفريقيا ليست مثقلة بالديون ولم تُجبر على تنفيذ برامج التكيف الهيكلي، إلا أن هناك مؤشرات تدل على أن هذه الدول تتبع سياسات مماثلة. بعد عقود من العقوبات والعزلة الجزئية، أعيد اندماج جنوب أفريقيا بالاقتصاد العالمي. وقد أحدث هذا تغييرا جذريا في الاقتصاد المحلي الذي اتسم بالتعريفات الجمركية الحمائية واستبدال الواردات. صار على اقتصادها الآن مواجهة المنافسة العالمية. بصفتها دولة موقعة على الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات الجمركية (الجات) وعضو في منظمة التجارة العالمية (WTO)، بدأت جنوب أفريقيا بتفكيك الحواجز الجمركية. رأت الحكومة في ذلك خطوة ضرورية لجعل الصناعات المحلية قادرة على المنافسة دوليا. الخطة الاقتصادية الكلية المعروفة باسم "استخدام النمو وإعادة التوزيع" أظهرت العديد من أوجه التشابه مع سياسات التكيف الهيكلي لصندوق النقد الدولي في البلدان الأخرى.

بصفتها دولة موقعة على الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات الجمركية (الجات) وعضو في منظمة التجارة العالمية الآن، اتخذت الحكومة خطوات لتحرير التجارة. كانت أقسى آثار تحرير التجارة على العاملين في صناعة الملابس والمنسوجات في جنوب أفريقيا. 80٪ من العاملين في قطاع الملابس و 50٪ من العاملين في قطاع الغزل والنسيج من النساء. بين عامي 1991 و 1997، فقد 50000 من أصل ما مجموعه 200000 عامل وظائفهم. كانت شركات جنوب أفريقيا غير قادرة على إنتاج بضائع برخص أو بنفس نوعية البضائع المنافسة من جنوب شرق آسيا، واضطرت لاغلاق أبوابها. اقترح صندوق النقد على هذه الصناعة المزيد من "المرونة" في القوى العاملة (أي تخفيض الأجور) لمعالجة الأزمة، وبدأت بعض الشركات إعادة الهيكلة على مستوى المصانع يرافقها ضغط النفقات، ولامركزية الإنتاج.

مظهر آخر بارز في جنوب أفريقيا هو خصخصة أصول الدولة على غرار ما حدث في بلدان أفريقية أخرى كجزء من برامج التكيف الهيكلي. على الرغم من معارضة الحركة العمالية، يبدو أن حكومة جنوب أفريقيا قد تابعت مطالب رأس المال الوطني والدولي بتسريع عملية الخصخصة.

في ناميبيا، كانت الحكومة لا تزال تنفق جزءا كبيرا من الميزانية الوطنية على الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة، ولكن هناك دلائل على أن التخفيضات وشيكة. وزارة التربية والتعليم، على سبيل المثال، خفضت بالفعل الصرف على الإنفاق على بنايات المدارس عن طريق الحد من وأحيانا حتى إلغاء الدعم الحكومي. لقد تمت خصخصة العديد من المدارس.

من العلامات الأخرى على سياسات التكيف الهيكلي هو التزام الحكومة بالخصخصة الواسعة والتي تم تبريرها باعتبارها وسيلة لجعل الشركات المملوكة أو التي تديرها الدولة أكثر كفاءة. ذكر "المتاجرة" صار شبه يومي في وسائل الإعلام وأصبح "دِين" السياسة الاقتصادية. قررت الحكومة الناميبية أيضا تقليل حجم الخدمة المدنية، وتعتقد أن التنمية الاقتصادية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الاستثمارات الأجنبية والنمو الذي تقوده الصادرات. هذه هي دلائل واضحة على أن برامج التكيف الهيكلي قد وصلت.

برامج التكيف الهيكلي وعولمة الخداع

_______________________

وبشكل عام، ألغت برامج التكيف الهيكلي الكثير من المكاسب التي حققتها البلدان النامية في محاولة لإيجاد عملية تنمية مستقلة من شأنها أن تناسب الظروف المحلية. لقد توالت بعض الإنجازات التي حققتها الدول الأفريقية في عصر ما بعد الاستعمار. دول مثل الهند والمكسيك والجزائر والبرازيل تعود الآن إلى الاعتماد السابق على والتبعية للعالم الصناعي. ويشير بعض الخبراء الاقتصاديين إلى أنه ليس من قبيل الصدفة أن برامج التكيف الهيكلي ليست مصممة لتعزيز التنمية الاقتصادية الحقيقية. "تم تصميم كل سياسة كي تفشل بحيث يكون على البلد أن يبدأ بتنفيذ برنامج آخر". وبعبارة أخرى، يصبح البلد أسير هذه البرامج بشكل دائم ؛ هذه البرامج التي تم تصميمها من قبل الكتل الصناعية لتشكيل البلدان النامية وفقا لاحتياجاتها. ووفقا لأوامر منظمة التجارة العالمية بدأت جنوب أفريقيا بتفكيك الحواجز الجمركية. وترى الحكومة في ذلك خطوة ضرورية لجعل الصناعات المحلية قادرة على المنافسة دوليا. الخطة الاقتصادية الكلية المعروفة باسم "استخدام النمو وإعادة التوزيع" تظهر العديد من أوجه التشابه مع سياسات التكيف الهيكلي.

النخب الفاسدة أداة الصندوق والبنك في تدمير البلدان

____________________________ 

وقد زادت برامج التكيف الهيكلي باعتبارها جزءا من عملية أوسع نطاقا هي العولمة مساحة المناورة للشركات العابرة للقوميات إلى مستوى غير مسبوق. حيث يمكن لهذه الشركات أن تستفيد من الفرص المتاحة من خلال الخصخصة والتحرير الاقتصادي العام. ومع ذلك، فمن المهم أن نشير إلى أن النخب السياسية والاقتصادية للبلدان النامية قد لعبت أيضا دورا حاسما في نشر عملية التكيف المدمرة هذه. هذه النخب غالبا ما تستخدم القروض الأولية لمصالحها. واصلت الحياة في الترف في حين يدعون الناس لربط الأحزمة على البطون. حتى في ظل التكيف الهيكلي كانوا بالكاد هم الذين عانوا وأحيانا حتى استفادوا من برامج التكيف الهيكلي. عندما تتدهور الخدمات العامة أو تختفي كانوا يستطيعون إرسال أبنائهم إلى المدارس الخاصة ومرضاهم إلى المستشفيات الخاصة. في كثير من الأحيان استفادت هذه النخب من الخصخصة عن طريق الحصول على شركات تعمل من القطاع العام في أسعار عطاء رخيصة جدا، كما أنها تستفيد من انخفاض تكاليف العمالة نتيجة لمرونة العمل. وقد لخصت الباحثة الاقتصادية "سوزان جورج" بدقة نتائج برامج التكيف الهيكلي والعولمة عندما كتبت عن اقتصاد الفصل العنصري العالمي :

"لقد أصبح توأما بريتون وودز (صندوق النقد والبنك الدولي) مديري اقتصاد الفصل العنصري العالمي الذي تحالفت فيه النخب عبر الوطنية من كل من "الشمال" و "الجنوب" لتلعب دور "البيض". تقلص دور الطبقة الوسطى لتلعب دور "الملونين". وأخيرا، وفي القاع، بحر شاسع من البؤس يتكون من "السود"، أيا كان اللون الحرفي لبشرتهم".

وغالبا ما أدى فشل برامج التكيف الهيكلي إلى الاحتجاجات العنيفة التي كثيرا ما كانت تقمع بوحشية كبيرة. لقد تجاهل صندوق النقد الدولي / البنك الدولي جميع الاننقادات لسنوات طويلة، وحتى اليوم ما زال يقول إن الوضع كان يمكن أن يكون أسوأ من دون برامج التكيف الهيكلي. في السنوات الأخيرة، حاولوا الرد على الانتقادات العلنية ببرامج شكلية تتجه نحو تعديل "ذي وجه إنساني". وهم الآن على استعداد للنظر في شبكة أمان أساسية جدا تسمح لبعض الدول (مثل مصر) بالحفاظ على بعض الدعم على المنتجات الغذائية الأساسية. ومع ذلك، ظلت الفلسفة الأساسية التي تؤمن بالسوق الحرة غير المقيدة دون تغيير.

استنتاج:  حزمة الإصلاح من البنك وصندوق النقد الدولي تشكل برنامجا متماسكا للانهيار الاقتصادي والاجتماعي

___________________________________________

على الرغم من أن الحصة النسبية للبلدان النامية في الديون في العالم قد انخفضت، فإن شعوب تلك البلدان لا تزال تعاني في إطار برامج التكيف الهيكلي. لا يزال عليها أن تدفع ثمنا باهظا لضمان دفع الديون. والشيء نفسه يحدث الآن في البلدان السابقة في الكتلة السوفيتية التي اضطرت أيضا للخضوع للتكيف الهيكلي.

ويتعرض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مرارا لانتقادات حادة بسبب فشل برامج التكيف الهيكلي الخاصة بهما. وبسبب الضغوط المتزايدة، أدخلت الصناديق البعد الاجتماعي  في السنوات الأخيرة لتخفيف الضربات والمصاعب عن برامج التكيف الهيكلي. ومع ذلك، فقد كانت غير فعالة وغير كافية للتعويض عن الأضرار الناجمة. هذه "التسوية ذات الوجه الإنساني" لم تعالج العيوب الأساسية لبرامج التكيف الهيكلي ولكن البنك والصندوق لا يزالان يعتقدان أن حل المشكلة في العالم يكمن في استمرار تحرير الاقتصادات. ولا يزالان يعتقدان بأن ألم برامج التكيف الهيكلي على المدى القصير سوف يؤدي إلى منفعة على المدى الطويل. إن الالتزام الخطابي "بالتخفيف من حدة الفقر" لا يغير من مبدأ التكيف الهيكلي في السحب المنهجي للدولة من تقديم الخدمات الاجتماعية. ووفقا للبنك وصندوق النقد الدولي ، تصبح إدارة هذه الخدمات وبشكل فعال من قبل "المجتمع المدني" وبهذا يتم القضاء على دور الدولة في البلدان النامية.

من الناحية النظرية، تهدف برامج التكيف الهيكلي لمساعدة البلدان على العودة إلى الانتعاش الاقتصادي. لكن في الواقع ما حدث كان العكس. دمرت برامج التكيف الهيكلي أي فرصة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة التي من شأنها تلبية الأولويات الوطنية. وأشار البروفسور مايكل شوودوفسكي إلى أن '... حزمة الإصلاح من البنك وصندوق النقد الدولي تشكل برنامجا متماسكا للانهيار الاقتصادي والاجتماعي ... وتدميرا كاملا لنسيج الاقتصاد المحلي".

كلما أخفقت برامج التكيف الهيكلي، قام صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بإلقاء اللوم على الحكومة المضيفة التي يتهمونها بعدم الكفاءة أو عدم كفاية التحفيز. وقد حدث "شغب صندوق النقد الدولي" في أكثر من 30 بلدا، وكان أحيانا في شكل احتجاجات عنيفة ضد المصاعب الناجمة عن برامج التكيف الهيكلي. وتُترك حكومات البلد المضيف دائما للتعامل مع الانتفاضات التي كانت في كثير من الأحيان تقمع بوحشية. ومع ذلك، فإن الاحتجاجات الأولى ضد برامج التكيف الهيكلي لم تعقبها مباشرة مبادرة منهجية لبناء القدرة السياسية لخلق برامج جديدة تحل محل برامج التكيف الهيكلي وتؤسس لاستراتيجية تنمية مختلفة. حتى القادة السياسيين في البلدان النامية أصبحوا هادئين حول قضية الديون ولم تعد هناك حملات لإلغاء الديون. والسبب في معظم الحالات هو أنهم أصبحوا نخبة فاسدة لم تعد مهتمة بإقامة نظام عالمي جديد وأكثر عدلا. وبالتالي سيتم تركها لتلك المنظمات التي تمثل الأغلبية الفقيرة المتزايدة لتقود الحملة النشطة ضد سياسات التكيف الهيكلي وتضع سياسات بديلة من شأنها أن تكون قادرة على حل مشاكل الشعوب.

مصادر هذه الحلقات

____________

سوف يتم ذكر مصادر هذه السلسلة من الحلقات عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في الحلقة الأخيرة من هذه السلسلة بإذن الله. 

وسوم: العدد 687