ألا توجد تأثيرات دولية وإقليمية في مسار الانتخابات التشريعية المقبلة ؟

إن الانقلاب العسكري على الديمقراطية في مصر ، والانقلاب الانتخابي في تونس بعد حراك الربيع العربي ، وكلاهما كان يستهدف وصول حزبين بمرجعة إسلامية إلى مركز صنع القرار يقتضي طرح التساؤل الآتي : هل ستظل التجربة الديمقراطية المغربية متميزة عن مثيلاتها في الدول العربية التي عرفت حراك الربع العربي ،  تماما كما كان حراك المغاربة متميزا عن حراك غيرهم ؟ فبالنسبة للتجربة الديمقراطية التي أجهضت في مصر يعلم الرأي العام الدولي والعربي أن تأثيرات  جهات دولية وإقليمية كانت وراء هذا الإجهاض لأن هذه الجهات رفضت التعامل مع ما تسميه الإسلام السياسي  وتتوجس منه ، والمتمثل في أحزاب ذات مرجعية إسلامية مثل  حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين . أما بالنسبة للتجربة الديمقراطية في تونس والتي لم تجهض كما أجهضت التجربة المصرية عسكريا، فقد عرفت ما سمي انقلابا انتخابيا جعل حزب النهضة التونسي يضطر للتراجع عن المرتبة الأولى في الانتخابات خوفا من مصير شبيه بمصير حزب الحرية والعدالة المصري ، ولم تنج التجربة الديمقراطية في تونس  أيضا من التأثيرات الدولية والإقليمية لنفس السبب، وهو التوجس من حزب النهضة ذي المرجعية الإسلامية أو ما يسمى الإسلام السياسي . وفي الوقت الذي كانت مصر تعيش إجهاض تجربتها الديمقراطية عسكريا ، وتونس تعيش إجهاض  تجربتها الديمقراطية انتخابيا، تمنت بعض القوى السياسية الداخلية في المغرب لو أن التجربة الديمقراطية المغربية يكون لها نفس مصير التجربة المصرية على اعتبار أن حزب العدالة والتنمية المغربي يندرج حسب توصيف جهات دولية وإقليمية في خانة ما يسمى الإسلام السياسي بل بلغ الأمر ببعض الأحزاب السياسية في إطار تصفية حسابها مع هذا الحزب المطالبة باستئصاله كما فعل بحزب الحرية والعدالة المصري . ولا شك أن هذه المطالبة كانت نتيجة تأثيرات دولية وإقليمية ترفض التعايش مع تجارب أحزاب ذات مرجعية إسلامية راهنت عليها الشعوب العربية بعد حراك الربيع العربي الذي حدث ضد الفساد السياسي وما ترتب عنه، وكان عن تراكمات ما بعد النكبة والنكسات . ومعلوم أن جهات خارجية ترى في الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية مصدر تهديد لإيديولوجيتها ولمصالحها ، وقد مارست ضغطها المعهود على جهات إقليمية لتقف في وجه تلك الأحزاب ، وتعمل على إعادة الأنظمة المنهارة أمام حراك الربيع العربي . ولقد عاد النظام المصري المنهار عن طريق انقلاب عسكري دموي ، في حين عاد النظام التونسي عن طريق انقلاب انتخابي .ويتساءل الرأي العام الدولي والعربي عن دور التأثيرات الدولية والإقليمية في الانتخابات الجارية والتي ستجري في دول عربية كالأردن والمغرب حيث تخوض أحزاب ذات مرجعية إسلامية  هذه الانتخابات ؟ وما هي النتائج والتداعيات المترتبة عن هذه التأثيرات؟ وما مصير  التجربة الديمقراطية في الوطن العربي مع وجود تلك التأثيرات الدولية والإقليمية . والذي يرجح وجود مثل هذه التأثيرات هو تورط جهات دولية وإقليمية في الصراعات الدموية في منطقة الشرق الأوسط . فالصراع على أشده  من جهة بين قوى دولية  ، ومن جهة أخرى بين قوى إقليمية في سوريا والعراق واليمن . وإن تورط  جهات دولية وإقليمية في المناطق الساخنة في الوطن العربي بل خوضها الصراع المسلح فيها يعطي انطباعا إن لم نقل قناعة بأن هذه الجهات الدولية والإقليمية لا يمكن ألا تتدخل في مناطق أخرى غير ساخنة في الوطن العربي ، وربما تخطط هذه الجهات لجعلها مناطق ساخنة أيضا من أجل فرض واقع سياسي جديد يخدم مصالحها كما كان الحال قبل حراك الربيع العربي الذي لا يريد البعض اعتباره حراكا حقيقيا بل يعتبرونه حراكا مصنعا لإعادة تقسيم الوطن العربي على غرار التقسيم الذي  فرضه احتلال هذا الوطن في القرن الماضي . ومما  يقوي احتمال وجود التأثيرات الخارجية والإقليمية  أحداث الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا حيث يوجد في السلطة حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية وهو ما يعتبره خصومه  دوليا وإقليميا إسلاما سياسيا يهدد غيره من الإيديولوجيات خصوصا التي يراد عولمتها.ولا بد أن نشير إلى أن التأثيرات الإقليمية هي وليدة التأثيرات الدولية وصادرة عنها . وأخيرا نأمل أن يظل المغرب يمثل استثناء في الوطن العربي ، وأن تكون الاستحقاقات الانتخابية فيه بعيدة عن كل التأثيرات الخارجية والإقليمية ، وأن يضرب المغاربة بكل أطيافهم السياسية والحزبية مثلا رائعا في التميز عن غيرهم في باقي البلدان العربية  والدفاع  باستماتة عن تجربتهم الديمقراطية الفتية والتي يعلق عليها الشعب آمالا عريضة . ونأمل أن تغيب الممارسات المشينة المستهدفة لمصداقية الانتخابات  ومصداقية المسار الديمقراطي  الذي لا رجعة فيه من قبيل  استخدام المال أو السلطة للتحكم في نتائج الانتخابات ، كما نأمل ألا يتحول التنافس بين القوى السياسية إلى صراع يفضي إلى تمزيق لحمة الشعب ، و يهدد استقرار البلاد ويؤدي إلى ما لا تحمد عقباه  لا قدر الله ،وأن يتم احترام إرادة المصوتين ، وأن تكون صناديق الاقتراع الزجاجية شفافة  حقيقة لا مجازا، وألا يطالها عبث العابثين  الذين يريدون المغامرة بمصير ومستقبل هذا الوطن المحتضن للجميع دون تمييز والمستحق لأكبر التضحيات من الجميع.

وسوم: العدد 687