ما هي الجهة المختصة المخول لها البث في المنشورات المعروضة بالمعرض الدولي للكتاب بالبيضاء ؟

استوقفني مقال نشره موقع هسبريس تحت عنوان : " معرض الكتاب بالبيضاء يوصد الأبواب أمام منشورات التطرف " فتصفحته فوجدت العبارة الآتية : ( أكد محمد الأمين الصبيحي وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال أن دورة هذه السنة تشمل تنوعا كبيرا في الكتب التي تنتصر لقيم الانفتاح والتعايش والاختلاف ، وقال الوزير خلال ندوة صحفية عقدها بالرباط إن هذه المحطة الثقافية تنتصر لقيم الحوار والاختلاف ، لكن لا يمكننا قبول  كتبا تدعو إلى الكراهية والعنف والتطرف ، وزاد قائلا : هذا الصنف من الكتب لا مكان له  في المعرض الدولي للنشر والكتاب ). وبعد قراءة هذه الفقرة خطرت ببالي عدة أسئلة منها : هل توجد بالفعل كتب تدعو إلى الكراهية والعنف والتطرف مطبوعة ومنشورة ومتداولة  عندنا ؟ وإذا كان الجواب بنعم فهل يكفي أن يمنع عرضها في المعرض الدولي كإجراء وقائي أم أنه يجب أن تمنع من العرض في غيره بل  تمنع  أصلا من التداول داخل المجتمع ؟ وما طبيعة هذه الكتب ؟ و ما هي المجالات التي ألفت فيها ؟ وهل هي قديمة أم حديثة ؟ وما هي الجهة المختصة المخول لها البث في  شأن الكتب والمنشورات للحكم عليها والسماح بتداولها أو حظرها من التداول ؟ فهل استشيرت مثلا  الدوائر العلمية في ذلك كالمجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية التابعة له ؟ أو كالمؤسسات  والمراكز العلمية الجامعية ؟  وهل ستعرض الكتب والمنشورات على ذوي الاختصاص في مختلف المجالات  للحكم على صلاحية عرضها  وتداولها أم أنه سيترك البث في أمرها لغير ذوي الاختصاص ؟ فكيف يمكن على سبيل المثال لا الحصر أن يبث علماني في مؤلفات دينية والعكس أيضا كيف يمكن لإسلامي أن يبث في مؤلفات علمانية ،علما بأن الأمر هنا يتعلق بنوعين من الفكر على طرفي نقيض، وكل منهما يرفض الآخر ويعتبره متطرفا ومحرضا على الكراهية ، وكل منهما يحاول إقصاء واستئصال وإبعاد الآخر عن التداول ؟ والملاحظ أن المقال تضمن إشارة إلى نسب الكتب والمؤلفات المزمع نشرها في هذا المعرض ، وكانت كالآتي : الكتب الدينية 8% ، وكتب الفلسفة 6% ، فهل كان للجدل الذي دار مؤخرا حول كتب مادة التربية الإسلامية  التي تضمنت نصوصا تنتقد مادة الفلسفة دور في تحديد نسب الكتب المعروضة  في  هذا المعرض ؟ ومن المعلوم أن الكتب الدينية تفوق دائما غيرها من الكتب بسبب إقبال الناس عليها لأنهم يهتمون بأمر دينهم أكثر من اهتمامهم بغيره . وذكر المقال أن نصيب الأسد سيكون للمؤلفات الأدبية بنسبة 24%علما بأن المجال الأدبي لا يستأثر بالاهتمام  عندنا كما يستأثر به المجال الديني . وعندما نتأمل الكلام المنسوب لوزير الثقافة نلاحظ اشتماله على تناقض، ذلك أن الدعوة إلى نشر ثقافة الحوار والاختلاف والانفتاح والتعايش لا تستقيم مع ثقافة الإقصاء والمنع . فإذا ما وجدت  فعلا أو جدلا مؤلفات أو كتب تدعو إلى الكراهية أو العنف أو التطرف، فلا بد أن يناقش أصحابها ويرد عليهم كما كان السلف يفعل من خلال ثقافة المناظرة التي كانت تجمع بين  أصحاب الآراء المختلفة بل حتى التي تكون على طرفي نقيض ولا يثبت منها بعد التناظر إلا  الصحيح . ومعلوم أن المؤلفات والكتب التي ستصنف ضمن خانة الدعوة إلى العنف والتطرف والكراهية ستثير فضول الناس ، وسيطلبونها لمعرفة أسباب حظرها ومنعها لأن عادة الناس  دائما الرغبة في معرفة المحظور. وأفضل أسلوب لمواجهة الفكر المتطرف هو فضحه  وليس منعه لأن فيب منعه خدمة مجانية له . والجهات المخول لها تتبع هذا النوع من الفكر هي الجهات العلمية المختصة التي تكشف  وتفضح تهافته وانحرافه ، ويشترط فيها ألا تكون ذات صلة بتوجه فكري معين  يمت بصلة إلى التطرف سواء التطرف الديني أوالطائفي أو العلماني . ولا شك أن مفهوم التطرف سيختلف حسب اختلاف الانتماءات، ذلك أن كل من يخالفك التوجه يعتبر بالنسبة إليك متطرفا . ومن الأسئلة التي يوحي بها كلام وزير الثقافة أيضا  سؤال متعلق بمنشورات الكيان الصهيوني على سبيل المثال ، فهل سيتم التعامل معها وفق ثقافة التسامح والتعايش أم ستدرج ضمن المنشورات المحرضة على الكراهية باعتبار الفكر الصهيوني فكرا عنصريا متطرفا ؟ ونفس السؤال يطرح بالنسبة للمنشورات الشيعية والسلفية والعلمانية  والإلحادية والإباحية ...هل سيسمح لها بالعرض أم أنها سيشملها الحظر والمنع باعتبار هوية بلدنا الإسلامية السنية الأشعرية المالكية الجنيدية العربية الأمازيغية الإفريقية ؟ أما السؤال الأخير فهو : هل وزير الثقافة وحده المخول له البث في طبيعة المنشورات والكتب دون مراجعة أهل العلم  والمعرفة والاختصاص ؟ وإذا كان وحده صاحب هذا القرار، فما هو مبلغه من العلم ؟ ويبدو أن الثقافة عندنا تسير نحو التعصب ، والانغلاق ، وضيق الأفق ، وأنها قد فتحت بقرارها غير المدروس بدقة باب الخلاف والصراع بين مختلف شرائح المجتمع حيث ستجد كل شريحة ضالتها في هذا القرار ، وستوظفه أسوأ توظيف لمواجهة من يخالفها الرأي والتوجه . ولن نستغرب وجود من سيعتبر كتب التفسير، وكتب الصحاح، وغيرها من الكتب الإسلامية كتبا تدعو إلى التطرف والكراهية والعنف في نظره بل قد يوجد من يعتبر نصوصا من كتاب الله عز وجل محرضة على العنف والكراهية  يسري عليها  أيضا قانون المنع والحظر. 

وسوم: العدد 706