ستار

حيدر الغدير

الموت ستر يطوي ما قبله ويكشف ما بعده. إلى نزار قباني في ذكراه.

ورحلت عنا يا نزارْ

من بعد أن ملأت قصائدك المغاني والديار

طرب الكبار لها وشاقتهم وغناها الصغار

كانت على الشبان إعصاراً وطوفاناً ونار

ولدى المراهق والمراهقة المخدةَ والأساورَ والشعار

والِخدْن في ظمأ الليالي والدثار

والشهوةَ الحمراء تعصف في لظاها والسعار

* * *

ورحلت نعشك في القلوب مشى به ضوء النهارْ

والعاشقون قلوبهم من فوقه إكليل غار

والناس من حول الجنازة كالقلادة والسوار

والورد والفل الدمشقي المعطّر والنوار

وأزقة الشام العتيقة جبتها داراً فدار

والياسمين على العرائش والنوافذ والجدار

والشارع الغافي الذي سموه باسمك يا نزار

* * *

وبكتك شامك يانزارْ

وبكتك دمَّر وهي تندب للمصاب وللخسار

والمرجة الثكلى تنوح ولا يقر لها قرار

والغوطتان وفي محياها اصفرار

والحور فيها وهو محلول الضفائر والإزار

والماء في بردى غدا دمعاً يجلّله الغبار

ودمشق تكسوها من الحزن المرارة والقتار

وتقول وهي حزينة أودى نزار

كل القوافي يا بني إلى انكسار

وأنا المرزّأة التي قد خانها بعض اصطبار

* * *

ونعاك شعرك يانزارْ

وذووك والإعلام يخبر كل دار

ونعتك في المدن الصَّبا ونعاك في البيد العرار

وهنا المراثي من دمٍ وهناك يمتد الحوار

عما فعلت وما كتبت وأنت دائرة الحوار

والناس من عشقٍ بهم أسرى ذهول وانبهار

وهناك «كاظم([2])» الحسناء والأحزان فيها سوط نار

والعاشقات وعاشقوك وقد أصابهم الدوار

هند هنا وهناك كوليت وداني ينتحبن ولا وقار

وهنا ديانا جنب سوزي إثر ماري والنوار

وهنا لؤي وسامر وبديع قد خلعوا العذار

يبكون فقدك يانزار

ويتمتمون ودمعهم ينهلّ قد رحل الهزار

* * *

مشت القصائد خلف نعشك والقلوب لهن دارْ

يشكين بعدك كاسفات ما وجدن من الضِّرار

تمشي خطاهن الثقيلة في المفاوز والقفار

ما بين شوك كالسهام وبين أودية العثار

مثلَ اليتامى بين أنياب اللئام وبين أنياب الصَّغار

ينشدن من وَلَهٍ لقد أودى نزار

والشعر أدركه البوار

نحن اليتامى يا نزار

ارجع إلينا أو فأخبرنا إلى أين المسار

فإذا سكت ولم تعد فإليك أزمعنا الفرار

* * *

عاد الجميع وأودعوك رهين قبرك في حصارْ

من أبعدين وأقربين ومن خيار أو شرار

حتى قوافيك الحسان رجعن ينفضن الغبار

وذووك عادوا للحياة يؤزّهم فيها سعار

عادوا ومات الحزن فيهم صامتين ولا اعتبار

جفت مآقيهم وجف الشوق وانقطع المزار

* * *

وأويت وحدك للمبيت ولن ترى ضوء النهارْ

والقبر بيت العدل والحق الصراح ولا ضِرار

بيت يشيده الفتى وله كما يهوى الخيار

فيصير بالخلق الكريم وبالهداية خير دار

ويصير بالشر المخيّم والغواية شر دار

* * *

وسكنته في صحبة الأموات قد أخذوا من الدنيا الإزارْ

تركوا البيوت وما حوت من طيبات والنضار

وحدائق الشام الحسان وما حملن من الثمار

ومباهج «السيران([4])» أو لاعب بليتْ وغار

كلاّ، فإن البعث حق وهو آت يا نزار 

وإذا النشور دعا الأنام مضوا إليه ولا خيار

وأتيته فيمن أتوا والخوف يعصف والحِذار

خضر الجنان إزاءهم وإزاءهم لفح ونار

* * *

ماذا وجدت وقد صحوت وأنت وحدك يا نزارْ

فانطق فقد سُدِل الستار

وانطق فقد كُشِفَ الستار

([2]) مغنية تونسية شهيرة.

([4]) لنزار قصيدة شهيرة تغنيها نجاة الصغيرة تبدأ بقوله: «أيظن أني لعبة بيديه».

وسوم: العدد 858