(1) هو حييُّ بن أخطب زعيم بني النَضير أهدر الرسول صلى الله عليه وسلَّم دمه. 
 هَجَرتَ الشِّركَ في دار البلاءِ=وآثرت المدينةَ  للثَّواءِ
بنيْتَ بها الأخوَّةَ نهْجَ شرعٍ=  فطابتْ بالمَحبَّة  والإخاءِ
تآلفتِ القلوبُ بها جميعًا=  على البِرِّ المُكلَّلِ بالعطاءِ
فشبَّتْ دعوةُ الإسلام تنمو=  نمُوَّ النَّخلِ يرنو للسَّماءِ
وفاحتْ بالشَّذا في كلِّ فجٍّ=  كفوْح الزَّهرِ في لُطف الهواءِ
وشعَّ النُّورُ يَهدي كلَّ نفسٍ=  إلى التَّوحيد في دنيا البَهاءِ
فلا حقدٌ ولا حسَدٌ بغيضٌ=  ولا دَنسٌ يقوم على الرِّياءِ
تساوى النَّاسُ لا فضلٌ لِلَوْنٍ=على لَوْنٍ سِوى للأتقياءِ
وليْس لسَيِّدٍ صَوْلٌ وجَوْلٌ=  فكلُّ النَّاسِ من طينٍ وماءِ
فطابت طيْبةُ المختارِ تزهو=  وترفلُ بالسَّعادةِ والهَناءِ
وبات المسلمون وقد أنابوا=إلى الرَّحمن في ظلِّ اللِّواءِ
ولكنَّ اليهودَ كما الأفاعي=وكالدَّاءِ العُضال وكالوَباءِ
سعَوْا كيْ يُطفئوا نورًا تسامى=من الرَّحمن وهَّاجَ السَّناءِ
أراد بنو النَّضير بكلِّ لُؤمٍ=ومَكْرٍ قتْلَ خيْرِ الأنبياءِ
فسَلْ عن نفثةِ الأفعى حُيَيًّا=وكيْف الصِّلُّ يَعمَل في الخفاءِ (1)
فعوقب ذلك الأشقى بقَتلٍ=وأُهْدِر دَمُّه بيْن الدِّماءِ
وغاص بنو قرَيْظةَ في المخازي=فخانوا كلَّ أسباب الوفاءِ
وفي الأحزاب كان لهم نصيبٌ=من المَكْر المُجلَّلِ بالدَّهاءِ
فألفى المشركون بهم نصيرًا=  يقوم على الخديعةِ والرِّياءِ
وكان بنو قبيلةِ قيْنقاعٍ=  من الأنذالِ في عزِّ البلاءِ
رأوْا في حُرَّةٍ صيْدًا ثمينًا=وكانت من تقِيَّاتِ النِّساءِ
فراوَدها يهوديٌّ خبيثٌ=لتكشف وجهَها عند الشِّراءِ
فلمَّا عارضته احتالَ حتَّى=يرى ما كان يَخفى من كِساءِ
فهبَّ المسلمون بكلِّ عزمٍ=تمور بهم براكينُ الإباءِ
وساروا خلْف خيْرِ الخلْقِ يسعى=ليُنزِلَ فيهمُ حُكْمَ السَّماءِ
فحاصرَهُمْ وأجلاهُمْ جميعًا=ولمْ يَكُ للعدا غيْرُ الجلاءِ
فإنَّ الغدرَ شيمتُهُمْ  قديمًا=وفيهِمْ كلُّ مَنقصةٍ وداءِ
وقد كانوا على الأزمان دودًا=ينَقِّبُ في الجذور وفي اللِّحاءِ
لنا في الهِجرة الغرَّاءِ درسٌ=يُراودنا لِتحقيق الرَّجاءِ
فقد كانتْ منارًا  للمَعالي=ونهْجًا لِلْوَلاءِ ولِلْبَراءِ
فهلْ من مُقتنٍ منها عظاتٍ=إذا ما كان من أهلِ الحياءِ