صفاء

د. محمد الخليلي

جَوَانُ الدّجُنَّة يُلهمُني

سُكُوناً لأرقى سُروجَ السَّمَاءْ

ففي اللّيلِ أُضحِي خَدينَ الثّريّا

فَأَسبَحُ في ملكُوتِ الفَضَاءْ

ويسري النَّسيمُ برُوحٍ شفيفٍ

ويحفزُ منّي مزيدَ المَضَاءْ

فتنفصلُ الرُّوحُ عن حَمئِهَا/

تَسَامَى لدارِ الهَنَا والصّفَاءٌ

*********************************

ألوان

تميسُ الأَرضُ في دَلٍّ دلالا

وتسحبُ ذيلَ حسناءٍ جمالا

وتبدي من مفاتنِها فنوناً

وقد رسَمَتْ بمبسمِها جلالا

فقد كُسيتْ لباساً في اخضرارٍ

ونورُ الشمسِ يشتعلُ اشتعالا

مروجُ تزدهي بصنوفِ زهرٍ

وتنظرُ من يبادلُها وصالا

ليشتمَّ الشَّذى منها عبيراً

ويحظى من مياسمِها نوالا

تطرَّزت الدُّنا من كلِّ لونٍ

وكلٌّ بالمنى يزهو اختيالا

فأبيضُها يقولُ لنا تعالوا:

تروا منِّي الجمالَ غدا خيالا

وأحمرُها بلون الخدِّ يزهو

إذا المحبوبُ في صَلَفٍ تعالى

وأصفرُها كليمونٍ وورسٍ

يبُزُّ الكلَّ حُسْناً واشتمالا

وليلكُها وقد أبدى فُتُوناً

يشدُّ النَّاظرينَ لهً مآلا

فترتاعُ النُّها من حُسْنِ خلقٍ

تُسبِّحُ خالقاً ذرأَ الجمالا

فكلُّ هباءةٍ في الكونِ تدعُو

لتسبيحٍ ؛ وقد خطَّتْ مقالا

فسبحانَ الذي برأَ البرايا

وأودعَ في نواصيها الخصالا

له النَّعماءُ فيما قد حبانَا

وقد رَسَمَتْ على البلواءِ فالا

فكلَّ زُهيرةٍ في الكونِ تدعو

كليلَ النفسِ أن يرقى الكمالا

؛يجولُ بناظرٍ في الكونِ يرنو

،،ويُذكي بالهدى منهُ ذُبالا

*********************************

إلهي...

وإنِّي : سليلُ

أبي

وقد أثمَ الأمسَ في الجنِّةِ

بطُعْمٍ وقد قُلْتَ:

لا تأكلا

فباءَ بسُوءٍ من الطُّعْمَةِ

ودلَّاهما الوغدُ في زلَّةٍ

فيا خُسرَ مُصْغٍ

لوسوسةِ

فذاقا ثماراً لمعصيةٍ

ليبديَ ما غارَ من

سوأةِ

لقد وُعدا بخلودٍ وملْكٍ

وأقسمَ إنّي صدوقٌ لكمْ!

... وقد طفقا

يخصفانِ

عليها

يرُمَّانِ من ورقِ الجنَّةِ

ونادى الإلهُ:

ألم أكُ أنهى

،، ولا تتَّبعا الوغدَ بالخطوةِ

****
فيا ربُّ إنَّا ظلمْنا نفوساً

ألا فاعفُ ما كان من زلَّةِ

***

ولكنَّنا نَشْأُ ماءٍ ،،

وطينْ

ومن لازبِ الأرضِ إنَّا نكونْ

؛؛ بجسمٍ تعلَّقَ في تُرْبِها

وروحٍ يطيرُ لأعلى سكونْ

؛؛؛ فيصطرعانِ مدارَ الحياةِ

وكلٌّ

يرومُ

مراقي النجاةْ

فإنْ أكُ ربي

لحقْتُ الترابْ

وقد مسَّني منه نُصْبُ عذابْ؟

إلهيَ:

فاحْبُ السَّماواتِ منِّي

شفيفَ المتابِ

~وحُسْنَ

الإيابْ

*********************************

معتزلة

قالوا:

اعتزلْتَ

فقلْتُ:

عزلةُ؛ ثائرِ

لا

عزلةَ الدَّرويشِ في كوخٍ لهُ

أو "واصلٍ" يبغي البناءَ لنهجِهِ

أو أنني

مثلُ الصبيِّ الحائرِ

لالا

فإنِّي: مدنَفٌ

بالحبِّ أذهلَ ناظري

ومتيَّمٌ:

بالقدسِ ترعى خاطري

وحملتُ همَّ الكونِ فوقَ خوافقي

؛فأنا

خليفُ اللهِ في الأرضينَ أذرو مهجتي

لتكونَ ملتحداً لكلِّ مصابرِ

وأنا

عُنيتُ بكلِّ بؤسٍ

في الدُّنا

فالقسطُ شغلٌ شاغلي

والعدلُ مِلئُ محاجري

أنا:

ما بقيتُ لسوف أحيى ثائراً

متمرداً؛

في وجه كلِّ مكابرِ

فإذا

اعتزلتُ فإنَّما

أُقعي

لأنسفَ خطةً

لمهاترِ

؛؛ ليسَ اعتزالي هجعةً

~~بل ::

خُطةٌ لمناورِ

*********************************

(1)

صَبُوحٌ

سَابقِ الإصبَاحَ في إبكَارِهِ

واحْثُ فيضَ النُّورِ من أشفَارِهِ

أيقظِ الشَّمسَ برفقٍ وتلمَّسْ

دفءَ حُبٍّ من سنا أنوارِهِ

والتمسْ فيضَ ندىً فوقَ خدودٍ

لوريقاتٍ لدى أنهارِهِ

واستمعْ لخريرِ النَّهرِ يشدو

وأصخْ للسِّحرِ من أطيَارِهِ

غُرَّةٌ الإصبَاحٍ دَلاًّ تَتَهَادَى

مثلَ غِيدٍ مِسْنَ في إسفَارِهِ

واصْغِ للدِّيكِ يُجلِّي شدوُهُ

أذَّنَ الإصبَاحُ في أشعَارِهِ

وتأمَّلْ فيضَ حُسْنٍ في الرَّاوبي

باسقاتِ الطَّلْعِ في إثمَارِهِ

وورودُ الحقلِ ترنُو بالدُّعَا

تتمنَّى الوصلَ من أزهَارِهِ

قمْ وَنَاجِ الوحشَ حتَّى يَتَمَطَّى

خَارجَاً بالمكرِ من أوكَارِهِ

راقبِ النَّملَ زُرَافاتٍ خرجْنْ

قد طرقْنَ الرِّزقَ في أسرارِهِ

أوزعَ الكونُ بأرتَالِ البَرَايَا

كلُّ صنفٍ قد سَعَى في إبكَارِهِ

؛ فصُنُوفُ الخلقِ تمشي بهُداهَا

دائباتِ الخَطوِ في إصرارِهِ

تزجُرُ اللَّيلَ وتهفُو للغِذَا

تعشقُ الإصبَاحِ في أنوارِهِ

يا لدأبِ النَّحلِ في رشفِ الجَنَى!

وجموعِ الخلقِ في تَسْيَارِهِ!!

ونسيمٍ هَبَّ بالرَّندِ شذَىً

دَاعَبَ الإنسَانَ في أفكَارِهِ

فإذا الشِّعرُ قريضٌ مبهرٌ

ساحرُ الأنغَامِ في أوتَارِهِ

والقوافي مثلُ نهرٍ هَادرٍ

والوَرَى بخرٌ لدى أشعَارِهِ

إنَّها دفقةُ ربٍّ بارئٍ

صَيَّرَ الإصبَاحِ من أذكَارِهِ

كلَّ من رَامَ ارتشَافاً للهُدَى

عَلَّ نسْغَ الشَّمسِ في أمصَارِهِ

فَصَبُوحُ المرءِ ذكرٌ بالهُدى

وَفَوَاقُ الشَّكرِ في إعصَارِهِ

وَغَبُوقٌ في مذاقِ الهَدْيِ ذكرٌ

كانَ رأسَ الخيرِ في إسمَارِهِ

**********


(2)

فَواقٌ

إيهِ يا صبحاً سَمَا في بُكْرةٍ

وتراءى الحُسْنُ أنوارِهِ

كم غذوْتَ العقلَ فكراً ساطعاً

نُسجَ الفنُّ لدى أشعارِهِ

كم توكَّأتُ على نورِ الضُّحى

لأصوغَ العِقدَ من إسفَارِهِ

وتوضَّأْتُ بنورٍ من ذُكَاءٍ

فإذا الشِّعرُ صَدَى أسحَارِهِ

وَقَريضِي يَتَجَلَّى ببهَاءٍ

فبزوعُ الفجرِ من أسرارِهِ

وَقَوَافيَّ تَسَامَتْ للسَّمَا

حين شُدَّ الشِّعرُ في أوتَارِهِ

لأصوغَ الشِّعرَ بِكْراً من مَعَانِ

من مجالي الصُّبح ~ من أبكارِهِ

*********

إيهِ؛ يا صبحُ لَكَم عاينْتُ همَّاً

إنَّ همَّ الصُّبحِ من أوضَارِهِ

كم بثَثْتَ الصُّبحَ وقْداً من جَوَىً

كانَ مَسُّ الوَجْدِ في إعذارِهِ

يَتَسَلَّى طيفُ وجدي بالمُنَى

آهِ من نورٍ لدى أقمَارِهِ

فَسَنَا الأقمَارِ تشدو قصَّتي

؛ عن محبٍّ تاهَ في أقدارِهِ

وسهيلٌ في نجاءٍ للثُّريَّا:

نمَّ بعضَ الشَّدوِ في إكبَارِهِ

ما أُحيلاها نَجَاوى في الفضَا

جَالتِ الكونَ لدى إبحارِهِ

حدَّثَتْهُمْ عن فتىً قد ذاقَ تَبْلاً

وَتَرَامَى الوهنُ في أخطَارِهِ

قد ذوى جسماً~ فدقَّتْ روحُهُ

وحُشَاشَاتٌ: لدى إدبَارِهِ

كلَّما لاحتْ بُدُورٌ في السَّمَا

فإخالُ الحِبَّ في إكبَارِهِ

يَتَسَلَّى عنهُ في عشقِ الثُّريَّا

ونجومُ الوجدِ في أوطَارِهِ

صارَ يرعَاهَا صَبَاحَاً~ وضُحَىً

وخيوطُ الشّمسِ من سُمَّارِهِ

وذكاءٌ تنفُثُ النُّورَ بحُبٍّ

تمسحُ الآهاتِ عن أوزارِهِ

*********

(3)

رشفةٌ

من

بحر الظُّلمات

إيهِ~ من ذكرى تجلَّتْ ألَمَاً

ذابَ فيها القلبُ في أفكارِهِ

يَتَسَلَّى عن حبيبٍ بائنٍ

بنُغيماتِ جَوَى أشعَارِهِ

عزَّتِ اللُّقيا بدارِ العَيشِ جَبراً

فاستَقَلَّ النَّجمَ من أقمَارِهِ

وَشَدَا في الكونِ لحنَاً من هوَىً

من جواهُ الصَّدْعُ في أحجارِهِ

واستمدَّ البِكرَ من مجلى الهوى

من جَمَالٍ عَاثَ في إصرارِهِ

...وفتىً غابتْ سدوفُ الحُبِّ عنهُ

فانزوى في الكَتْمِ من أطوارِهِ

وارتمى في حضنِ أقدارِ الجَوَى

هل يُلامُ الفَدْنُ في أقدارِهِ؟

يَتَسَلَّى عن بحَارٍ من نَوَى

بقريضٍ قامَ في إعذارِهِ

آهِ يا "بحرَ ظلامٍ" خلفَهُ

يقبعُ المحبوبُ في أستَارِهِ

قلبُهُ : سَالٍ سليمٌ.. قد غَفَا

~وفؤادي التَّبْلُ في أذكَارِهِ

نامَ عن كلِّ مطاليبِ الهوى

وترى "التَّطنيشَ" من أعذارِهِ

يوسفيَّ الحُسْنِ مهلاً في النَّوى

إنَّ حتفَ القلبِ في أسفارِهِ

إنَّ في الحُسْنِ زكاةً تُجتبى

ومجالي الوصلِ من أسرارِهِ

فالتمسْ إنْ شئتَ عيشاً في الدُّنا

؛؛ملجأً ترتاحُ في أغوارِهِ

وتريحُ الخلقَ من بأسِ العَنَا

إنَّ سترَ الحُسْنِ من أطوارِهِ

~أو توخَّ الكونَ كي تعلو الفَضَا

فمعاشُ الحُسْنِ في أمصَارِهِ

إنَّ صَونَ الحُسْنِ فرضٌ لازمٌ

وكذاكَ الهتكُ من أوزارِهِ

ارقَ للشِّعرى~ لنُورٍ مُبهرٍ

؛فمُقامُ النَّجمِ في أنوارِهِ

وابتغِ الجوزاءَ سُكنى في العُلا

وابقَ فيه ~ أنتَ من سُمَّارِهِ

*****

(4)

غَبُوقٌ

إيهِ يا صُبحُ كفاني نُورُهَا

فجلالُ الوَجْدِ في أستَارِهِ

ليسَ كلُّ الحُسْنِ في نورِ الضُّحى

إن شَطرَ الحُسْنِ في أَسحَارِهِ

في دُجى اللَّيلِ مَراءٍ من هُدى

وطُيُوبُ الحُسْنِ في أشْفَارِهِ

يا دُجُنَّاتِ اللَّيالي غَرِّدي

إنِّني أنسَابُ في أوتَارِهِ

فأغنِّي لحنَ وِردي في الدُّجَى

في هزيعٍ غَابَ عن أطيَارِهِ

إنَّ في ثُلْثٍ أخيرٍ نشوةً

تَتَرَامَى في دُنَا أمصَارِهِ

أيُّ صَبٍّ صَبَّ في ذا مدمَعَاً

حازَ شطْرَ الحَظِّ من أوطَارِهِ

يَا جَنَاحَ اللَّيلِ خيِّمْ فوقَنَا

إنَّ في الأسحَارِ زُلفَى دارِهِ

بينَ ليلٍ وَنَهَارٍ سَلوةٌ

يتخلَّى المَرْءُ في أسحارِهِ

وَكَذَاكَ الأمرُ في تحليَةٍ

في هزيعٍ من دُجَى أنوارِهِ

بين ذاكم ~ وكذاكم بين ذا

حلَّ طيفُ المجدِ في أطوارِهِ

يا طيورَ الوجْدِ غنِّي طربَاً

إنَّ في التَّقوى ندى إثمَارِهِ

حلِّقي فوقَ سماءٍ من تُقىً

واقبسي الأنوارَ من أشفَارِهِ

فالسَّماواتُ ملاذٌ للهدَى

وتقيُّ النَّاسِ من سُمَّارِهِ

في دُجُنَّاتِ اللَّيالي نشوةٌ

عزفَتْ وَجْداً على أوتَارِهِ

إنَّ في اللَّيلِ ازدلافاً للهدَى

وهدَى الأنفسِ في أوطَارِهِ

كم بذلْتُ النَّفسَ هدْياً من جَوَىً

وَنَظَمْتُ القلبَ في أشعَارِهِ

فإذا القلبُ نشيدٌ للهُدَى

وإذا النَّفسُ شذى أنوارِهِ

*********************************

وسوم: العدد 980