* نشرت في مجلة البلاغ الكويتية العدد 1441 يوم 6/2/1422ه
أتلاشى في مسمعيْها النِّداءُ = أم توارى الصَّدى وعزَّ اللقاءُ !
أم جثا النُّورُ خلفَ ليلٍ طويلٍ = فتهادى مع الظلامِ الشَّقاءُ !
وأطلتْ من الكُوى واجماتٍ = مقلُ الثُّكلِ يزدريها العفاءُ !
إنَّ دنياكِ يافلسطينُ دنيا = أثقلتْها النَّوازلُ العمياءُ
منذُ ستين أو تزيدُ تُزجِّي = غاشماتِ اندياحِها البلواءُ
ديرُ ياسين ، قبيةٌ ، لم يزالا = صرخاتٍ يلوكهُنَّ الشَّجاءُ
والقرى نامَ في مطارفها الزيتونُ = فاسترخى في الحقولِ السَّناءُ
والمغاني بلا عزاءٍ حزانى = والثَّكالى يلفُّهُنَّ الجفاءُ
والروابي الجميلةُ انتهكَ الحقدُ = بهاها فصدرُهُنَّ خواءُ
والبساتين كالحاتٌ تمطَّتْ = في يديها العجاجةُ العجفاءُ
ليس للبرتقالِ طعمٌ شهيٌّ = مثلما كان طعمُه والرُّواءُ
والليالي وأين بيضُ الليالي = مقمراتٍ ، وللنجومِ ازدهاءُ !
وحديثُ السُّمَّارِ فيها نجاوى = سلسلتْها أفراحُها والهناءُ
رحلَ الناسُ فالدروبُ اكتئابٌ = وبقايا تأوُّهٌ أو عزاءُ !
ذُبحَ الطفلُ غافلا ليس يدري = كيف فاضتْ على الفراشِ الدماءُ !
وبقايا الحليبِ في ثغرِه الطاهرِ = سالتْ ، وقُطِّعتْ أثداءُ
والمُدى تقتلُ الرجالَ وتُرمَى = في النِّفاياتِ تلكُمُ الأشلاءُ
للجناةِ الأوباشِ تاريخُ عارٍ = ليس يُطوَى ، ولليهودِ افتراءُ
كم شهيدٍ عنه المسامعُ صُمَّتْ = وتجافتْهُ الأعينُ الرَّمداءُ
نصفُ قرنٍ ولليهودِ عُلُوٌّ = ولدنيا عُتُوِّهم خُيلاءُ
قد أطلُّوا مثل الوحوشِ تعرَّتْ = فالمآسي : الطَّعامُ والأحشاءُ
لم يبالوا ولن يبالوا بحقٍّ = فالتَّعامي قانونُهم والعداءُ
وكمثلِ الحيَّاتِ تنفثُ سمًّا = أَوَ يُجدي في الحيَّةِ استفتاءُ !
ذاكَ تاريخُهم وبالصَّمتِ ناءتْ = بالحكايا البليدةُ الخرساءُ
عبدوا العجلَ والكليمُ لديهم = من أُولي العزمِ شاهدٌ مستاءُ
وأحلُّوا ماحرَّمَ اللهُ كفرًا = وعنادًا تسوقُهم أهواءُ
يومَ أعطاهُمُ المهيمنُ فضلا = وتدلَّتْ عليهمُ النَّعماءُ
وجرى الماءُ سلسلا ومن المنِّ = لهم والسَّلوى لديهم غِذاءُ
وأتتْهُم ألواحُ هّدْيٍ من اللهِ = ولكنْ قلوبُهم جوفاءُ
أنكروها وكلُّها معجزاتٌ = وتمادوا ، وغرَّهم إغواءُ
حسروا اللؤمَ عن خفايا نفوسٍ= شحنتْها الغوايةُ البلهاءُ
شهدَ اللهُ أنَّهم جبناءٌ = حيثُ كانوا ، وأنَّهم سفهاءُ
إنَّ أيَّامَهم تسيلُ برجسٍ = وجناها المكيدةُ النَّكراءُ
ما رأتْ أعينٌ ولا سمعتْ آذانُ = دنيا مثلَ الذي قد أساؤوا
فضحاياهُمُ البريءُ المدمَّى = والهداةُ الكرامُ والأصفياءُ
لُعنوا في الحياةِ أنَّى تراءوا = وبما قد جنوا هنالك باؤوا
***= ***
لن تهوني ياقدسُ أذَّنَ فجري = وبقلبي من نفحِه أشذاءُ
أدبرَ النَّومُ والمنى سلبتْها = من مآقي ربيعِكِ النكباءُ
تلك يافا على الدروبِ وحيفا = وبقايا قُراهُما والعفاءُ !
تلك أُمِّي وإخوتي وصِحابي = والحقولُ الكئيبةُ الجرداءُ
ماتَ زيتونُها النَّديُّ المصفَّى = وتهاوتُ أغصانُه الفرعاءُ
وتعالتْ صيحاتُ شجوٍ مدمَّى = ونشيجٍ يذوبُ فيه العفاءُ
وأبي صدرُه الأبيُّ يعاني = والمعاناةُ ماطواها انتهاءُ
تلك أختي وخالتي والصَّبايا = يرتشفْنَ الشَّقا ، وذاك الخِباءُ
عشْنَ في فرحةِ البيادرِ زهوًا = والعصافيرُ حولهُنَّ غِناءُ
والمشاويرُ بين حاراتِنا : الأمنُ = اصطفتْهُ الخطى ، ويحلو الإياءُ
والتسابيحُ والمآذنُ تروي = ظمأ الروحِ حُلوةً والدعاءُ
من هناك النَّبِيُّ تفديه روحي = مرَّ والشوقُ زانه الإسراءُ
وهنا ابنُ الخطَّابِ صلَّى وأوفى = بعهودٍ تصونُها السَّمحاءُ
لمَ تشكين فالمغاني جِنانٌ = عابقاتٌ ، والصَّخرةُ العصماءُ
آهِ يا أُمِّي كنتُ أحلمُ لكنْ = ماجفاني رغمَ المصابُ الرجاءُ
لملمي جرحَك السَّخينَ وسيري = فوقَ جمرِ الآهاتِ يُشْفَ الدَّاءُ
إنَّ من دائِنا يُعالجُ بالكيِّ = وتطوي أنينَنا الظلماءُ
لاتقولي بُنَيَّ ماتَ شهيدًا = فتولاَّنيَ الأسى والبكاءُ
أكرمُ المؤمنين مَنْ عاشَ بَرًّا = فرجالُ النَّدى هُمُ الشُّهداءُ
مافقدْتِ الأسفارَهذي سمانا = قد أطلَّت من أُفقِها الخنساءُ
لاتقولي فقدْتُ زوجي وداري = فالأثيراتُ صبرُهُنَّ العزاءُ
أولمْ تُبصري الخيامَ تباهتْ = بالثَّكالى ، وللخيامِ نداءُ !
من ثنايا نسيجِها خرجَ الرُّضَّعُ = للسَّاحِ لم يفتْهم فداءُ
هاهمُ اليومَ والشَّبابُ رجاءٌ = والقناديلُ في يديهم تُضاءُ
قد مضوا للجهادِ والليلُ دامٍ = عصفَ الشَّرُّ دونه والبلاءُ
وانظريهم : إنَّ النِّزالَ حباهم= بالتَّفاني ، فكلُّهم أكفاءُ
وبقايا جدرانِ دورِهم اليومَ = سلاحٌ أحجارُه الصَّمَّاءُ
ترجمُ المعتدين أخزاهُمُ اللَّهُ = وهاهم فرسانُك الأوفياءُ
غضبةُ الحقِّ لم تزلْ تدفعُ الضَّيمَ = ويأبى على الخنوعِ الإباءُ
لن تموتَ الرُّؤى بجَفْنَيْ كميٍّ = صفَّدتْهُ قيودُه الخرساءُ
ربَّ مغضٍ على الأنينِ تلوَّى = وحناياهُ ثورةٌ قعساءُ
والبراكينُ لم يفجِّرْ لظاها = غيرُ صمتٍ تشوبُه البأساءُ
فالمآسي خلفَ اعتكارِ دجاها = يقظةُ الصُّبحِ ، والأذانُ حُداءُ
قَدَرُ اللَّهِ أن تُقادَ يهودٌ = لمواعيدَ كلُّها كأداءُ
ليس تحمي مآلَهم من زوالٍ = آلةُ الفتكِ والمُدى الرَّعناءُ
كيف تُنسَى أحقادُهم في ربانا ؟ = كيفَ يُنسَى إرهابُهم والعُواءُ
فالمراراتُ في الصُّدورِ عُبابٌ = باتَ يدوي في مدِّه الأعداءُ
***= ***
أهيَ المأساةُ الحزينةُ جاشتْ = ليلمَّ اصطفاقَها الإمساءُ !
أم هي الملهاةُ الرخيصةُ جنَّتْ = بمضغُ المكرُ زيفَها والدَّهاءُ !
نصفُ قرنٍ واللاجئون حيارى = حيثُ فاضَ الأسى ، وعثَّ الرداءُ
والعراءُ المشبوبُ بالرعبِ ساهٍ = ضمَّ أنضاءَهم فبئسَ العراءُ
مذْ نأوا عن حمى المآثرِ عاشوا = لاجئين احتوتْهُمُ الضَّرَّاءُ
وبقاياهُمُ بعقرِ مغانيهم = بقايا للاَّجئين عزاءُ
كلُّ طفلٍ وكلُّ شيخٍ وأُمٍّ = لاجئٌ في ديارِه مستاءُ
ومن العيشِ مايريك اغترابًا = سكبتْ في إنائه الرُّحضاءُ
بين قصفِ المدافعِ : الدَّارُ فيها = بالمصيباتِ غربةٌ والتجاءُ
كلُّنا لاجئون ، فانظرْ عرانا = قطَّعتْها في العالمِ البغضاءُ
يا أخي في المدى الغريبِ أراني = مثلك اليومَ سامني الإيذاءُ
لاجئٌ أنت في مفاوزِ كربٍ = خاضَ تلك البحارِ أو عدَّاءُ
وأنا هاهنا غريبٌ أُعاني = مارمتْني بخطبِها الآناءُ
كلُّنا لاجئون اقلقنا السَّعيُ= وأودى بعزمِنا الإنضاءُ
لانبالي وإن تورَّمت الأقدامُ = منَّا ومُزِّقتْ أحشاءُ
وتهاوى لطولِ خطبٍ ثقيلٍ = مابنينا وعجَّت الغبراءُ
وتولَّى أُمورَنا مجلسُ المكرِ= وعادى حقوقَنا السُّفهاءُ
عرفَ القيظُ صدرَنا حيثُ سِرنا = وتعامى عن العراةِ الشِّتاءُ
وجفانا أصحابُنا وتنادى = للملاهي مَنْ قد جفاهم حياءُ
ومشينا والبغيُ يطمسُ سِفرًا = لوعودٍ ، وللوعودِ افتراءُ
والقراراتُ لعبةٌ يتبنَّاها= عَثارٌ مستنزَفٌ أو هُراءُ
فدعِ المبكياتِ والمضحكاتِ اليومَ = وانهضْ فللرزايا انكفاءُ
من دمانا دوحُ المآثرِ يُسقَى = حيثُ ينهلُّ إرثُنا والسَّناءُ
واستفزِّ الشبابَ واستنفرِ الشِّيبَ = تواكبْكَ الغارةُ الشَّهباءُ
وتجبْكَ السَّماءُ بالنَّصرِ جلَّ اللهُ = ربُّ السَّماءِ حينَ يشاءُ
يومها ينفعُ الظِّماءَ لقاءٌ = عندَ شطِّ الأُردُنِّ يحلو اللقاءُ
والأهازيجُ والذبائحُ والدُّفُّ = وتلك الدَّبكاتُ والُبشراءُ
ففلسطينُ في العيونِ تراءتْ = وتراءى في المسجدِ الأنبياءُ
أيُّها اللاجئون ليس بحلمٍ = يتغنَّى بطيفِه الشُّعراءُ
أو رؤى واهمٍ أثارتْ خيالا = دبَّجتْهُ لضعفِها الحوباءُ
ذاك حكمُ الدَّيَّانِ في محكمِ الذِّكرِ = وألفى آثارَه الحنفاءُ
ذاتَ يومٍ سينطقُ الحجرُ الصَّلدُ = ينادي ، وما به إخفاءُ