تحت أنقاضِ المَنارةْ!

ثريا نبوي

ثريا نبوي

أنعَى لكم يا سادةْ:

"الكابَ" و"البِيادةْ"

وجَوهَرَ العبادةْ؛

أنْ نعمُرَ الأوطانَ بالكفاحِ والطهارةْ!

أنعَى لكم:

صندوقَ الانتخابْ

والجَبْرَ والحسابْ

والمَنْطِقَ المُهابْ،

ونَسْلَ أبجديّةِ الحضارةْ!

أنعَى لكم:

دخولَنا الحظيرةْ،

خضوعَنا.. ونقْضَنا الضَّفيرةْ،

والغزلَ أنكاثًا لِمَوجةٍ مُغيرةْ؛

فالظلُّ ماتَ تحت أنقاضِ المَنارةْ!

أنعَى لكم:

أفكارَنا.. رِداؤها التهميشُ والتَّخوينْ

أقوالَنا.. "مَكارِثيَّةَ" الطَّنينْ

أفعالَنا.. تَسْتَصرِخُ "الشُّوفِينْ"

وتَرْقُبُ الصَّفاءَ وانتِحارَهْ!

أنعَى لكم:

قِرْميدَنا الموحَّدَ البِناءْ

وخُبزَنا مُتبَّلاً بالملحِ والإخاءْ

وظلَّنا ِالجَمْعيَّ تحت زُرقَةِ السماءْ؛

في خندقٍ لصَدِّ أيّ غارةْ!

أنعى لكم:

فُسْطاطَنا المُخَدَّرَ المُغَيَّمَ العُيونْ

عن الدموعِ والدِّماءِ جُلُّ قومي غافلونْ

وللجلاّدِ والسَّجانِ والخَوَّانِ راكعونْ؛

فالعَبْدُ بالقويِّ يُظْهِرُ انبِهارَهْ!

أنعَى لكم:

مَسالِكَ الإرادةِ الشرعيَّةْ؛

تَضِجُّ بالنَّوارسِ العَصِيَّةْ،

وسَطوةِ التَّهجيرِ بالبارودِ والشَّظِيّةْ؛

تُطارِدُ "الإرهابَ" تبتغي اندحارَهْ!

أنعَى لكم:

رَمادَ أبناءٍ بلا وطنْ

يَسْتَوطِنُ الأعشاشَ في الفِينيقِ مِن زَمَنْ؛(*)

يَسْتَلْهِمُ العَنْقاءَ حينَ تُشْعَلُ الفِتَنْ

والبَعْثَ في الرَّغامِ أعلَنَ انْدِثارَهْ!

أنعَى لكم:

ضميرَنا مُمَدَّدًا على شواطئِ الغيابْ

أحلامَنا تلُفُّها عباءةُ الغروبِ..لا إيابْ

أرواحَنا تغتالُها مخالِبُ الذئابْ؛

تاريخَنا مُلطَّخًا بحُمرةِ القَصَّابِ والجِزارةْ!

أنعى لكم:

جماجِمَ الرِّجالِ والأطفالِ والنساءْ

تُبْنى بها القصورُ؛ والبُحورُ مِن دِماءْ؛

والرَّقصُ والحُبورُ فوقَ تَلَّةِ الأشلاءْ

وما رأَى "نِيرونُ" بعدُ عارَهْ!

أنعَى لكم:

تَهافُتَ العبيدِ عند مذبحِ الثُّوَّارْ

هُتافَهم.. مؤيدينَ القتلَ والدَّمارْ

وغُصَّةً تُريقُ أدْمُعَ الفَراشِ والأحرارْ

مَنْ للضحايا يُنذِرُ انتصارَهْ؟!

أنعَى لكم:

إعلامَنا المُسَمَّمَ المُوَجَّهَ المَسنونْ

أقلامَنا مَكسورةً مِدادُها الشُّجونْ

أحلامَنا تُساقُ للأُخدودِ والمَنونْ

والقَهْرَ باتَ عارفًا مَدارَهْ!

أنعَى لكم:

الأمنَ والأمانَ في بلادِنا الشهيدةْ

ووَحدةَ العنوانِ فوق أسطرِ القصيدةْ

ودمعَنا الجُمانَ في المَحابرِ الفريدةْ؛

مُنضَّدًا على كواهلِ الأوراقِ والمحارةْ!

أنعى لكم:

"مصرَ التي في خاطري وفي فمي"

مصرَ التي تعلَّقت حروفُها بالأنجمِ

مصرَ التي خُدودُها مُضرَّجاتٌ مِن دَمي؛

وما امَّحتْ مِن كاسِها مرارةُ المرارةْ!

أنعَى لكم:

مَواسمَ التفويضِ.. مِهرجاناتِ البراءةْ

وصَوْلةَ التَّطبيعِ والتَّطبيلِ والإساءةْ

دِماءَنا تَسيلُ.. والتَّشَفِّي والدَّناءةْ

والليلَ يطغى يَمتطي نَهارَهْ!

طوبَى لنا:

أنداءُ فجرٍ مِنْ دِمانا خُضِّبَتْ

شهقاتُ موتٍ بالخُزامى عُطِّرَتْ؛

نامت على كَفِّ الشهيدِ في سُكونٍ، أغلَقَتْ؛

أكمامَها في الليلِ تأمُلُ انشطارَهْ!

شيماءُ صلِّي:

فوق حُزنِ الزَّعفَرانِ على الوليدْ

لا تغسلي ما كانَ مِنْ نزْفِ الوريدْ

ثُمَّ احضِنيهِ..والْثِمي وَجْهًا بريئًا لا يَحيدْ؛

ولْتَسْألي الجبَّارَ تَقويضَ المغارةْ!

يا طفلَنا:

دَعْنا هُنا؛ وعجزَنا عن مَنطقيةِ الإجابةْ؛

لِمَ انطفتْ مَنائرُ الحُريةِ الوَثَّابةْ؟

لِمَ انبرتْ لهَدمِها مَعاولُ العِصابةْ؟

تَوَغَّلَتْ في جيدِها المَناجِلُ البَتَّارةْ؟!

سَئِمتُ مِنْ:

تقاطُرِ السمومِ في مَذاوِدِ الخيولْ

والليلِ في طياتِهِ يُخفي مشانِقَ الوُصولْ

والنَّخلِ مبتورًا وتضحكُ الرمالُ والسُّيولْ

وحُزمةِ الأوجاعِ فوق كاهلِ الجَسارةْ!

فابكوا معي

مشاتلَ التأنيبِ والتعذيبِ والتغليبْ

وجمرةَ الحصارِ وانتكاسةَ التَّغييبْ

والوردَ يشكو شوكَهُ؛ والغُصنُ كَلٌّ لا يُجيبْ،

مواسمَ التغريبِ والإقصاءِ والإثارةْ!

وارجوا معي:

حَقْنَ الدماءِ الغاليةْ

"حَسَنًا" يُجيبُ مُعاويةْ

بزوغَ شمسٍ حاديةْ؛

إطلالةَ الصباحِ من نوافذِ البشارةْ!

***

المكارْثية: الإرهاب الفكري أو الثقافي

الشوفين: الشوفينية: المُغالاة في التعصُّب

(*) كل ألف عام، تريد العنقاء أن تولد ثانية، فتترك موطنها وتسعى صوب فينيقيا وتختار نخلة شاهقة العلو لها قمة تصل إلى السماء، وتبني لها عشاً. بعد ذلك تموت في النار، ومن رمادها يخرج مخلوق جديد.. دودة لها لون كاللبن تتحول إلى شرنقة، وتخرج من هذه الشرنقة عنقاء جديدة تطير عائدة إلى موطنها الأصلي، وتحمل كل بقايا جسدها القديم إلى مذبح الشمس في هليوبوليس بمصر، ويحيي شعب مصر هذا الطائر العجيب، قبل أن يعود لبلده في الشرق.

هذه هي أسطورة العنقاء كما ذكرها المؤرخ هيرودوت، واختلفت الروايات التي تسرد هذه الأسطورة، والعنقاء أو الفينكس هو طائر طويل العنق لذا سماه العرب "عنقاء" أما كلمة الفينكس فهي يونانية الأصل وتعني نوعا معينا من النخيل، وبعض الروايات ترجع تسمية الطائر الأسطوري إلى مدينة فينيقية، حيث أن المصريين القدماء اخذوا الأسطورة عنهم فسمَّوا الطائر باسم المدينة.