رُوحُ الكَلِم

عبد الله عيسى السلامة

نبضُ الشِعر في الحياة .. ونبضُ الحياة فيه !

فازت بجائزة عبدالعزيز سعود البابطين ، في الكويت عام /2003/ وحٌجبت عنها الجائزة – بناء على قانون مؤسّسة سعود البابطين - بسبب فوز الشاعر، بجائزة ، قبلها ، بعامين ، في مسابقة : قصيدة محمد الدرّة .. وذلك بقصيدته : راعفٌ جرحُ المروءة !

كم ْقد تأمَّلتُ فَجْرَ الدهْرِ والغَسَقَا

فما تَبَيَّنْتُ في الآفاق لي أُفُقا

مسافرٌ، وبَناتُ الفِكْر تصْحَبُني

في غُربَتي.. وتَؤُزُّ الهَمَّ والقَلقا

والشِّعْرُ يَخْطَفُني مني، ويَرحَلُ بي

عني.. ولولاهُ كانتْ مُهْجتي مِزَقا

في الصَّدْرِ ثاوٍ، على الأضْلاع مُتَّكئٌ

يُعانقُ الحلْمَ في جَنبيَّ والنَّزقا

يَجْلو هَوايَ، وأحلامي، وأخْيلتي

ما عفَّ منها.. ويُقصي عَنه ما فَسَقا

إخَالُهُ.. بلْ أراهُ، الغَيْثَ مُنْهَمراً

والسَّيْلَ مندفعاً، والرَّعْدَ مُصْطَفِقا

هُوَ الحقيقةُ إلا أنَّهُ حُلُمٌ

وَمْضٌ يُسابِقُ لَمْحَ البَرْقِ إنْ بَرَقا

يَجُوبُ أفْلاكَ نَفْسي نَحْو غايَتِهِ

لَوْ عاقَهُ فَلَكٌ لانقضَّ واخْتَرقا

الرُّوحُ مَوْقِدُهُ، والقَلْبُ مَوْرِدُهُ

لو أنْكَراه لَكانَ الزَّيْفَ والمَلَقا

ما إنْ رَمى بيَ سَهْماً - إذ رَمَيْتُ به -

حتّى تَمَازَج سهمانا، فما افترقا

إن رامَني فارِساً، أو رُمْتُهُ فَرَساً

رَوَّى، وَرَوَّيْتُ.. حتى نَخْبُرَ الطُّرُقا

إن شئْتُهُ الفَلَك الدوَّارَ، دارَ على الدْ

دنيا، ولملمَ منها النورَ والعَبَقا

وإن أُثيرَ أحالَ الكونَ ملحمةً

والريحَ ناراً، وأنوارَ الضُّحى شَفَقا

يُضْري الحروبَ إذا شبَّتْ، ويوقدُها

إن أُطفِئتْ، ويهز السَّيْفَ إن نطقا

يفلسفُ الموتَ، إنْ لم يلْقَ فلسفةً

تُحيي الورى.. فيُحلِّي بالدَّم العَرَقا

أنفاسهُ موقدُ الألباب منبعُها

ولو خَطَا في كهوف الجهلِ لاختنقا

إن جاع أطعمتُهُ من مقلتي مِزَعًا

ومن عروقي دمًا، يجلو الصَّدى.. غَدَقا

يغذو بأرماق نفسي نفسَه، فإذا

لم يكْفِه رَمَقٌ ألقَتْ له رَمَقا

لو لم يكن وَهَجاً في الصدر، أو رَهَجاً

في العين، ما همَّني أنْ نام أو أِرقا

إلى «امرئ القيس» يسري بي ليُسْلِيَني

بالصَّيْد.. عنِّي.. وبالمُلْكِ الذي سُرِقا

يمرُّ بـ «ابن أبي سلمى» ليسأله

عمَّن ألمَّ بـ «وادي الرَسِّ» وانطلقا

وعن مكارمَ غُرٍّ شادها «هَرِمٌ»

واجتاز فيها صعيدًا داميًا زَلِقا

ينسلُّ في مُقَل الأيام متَّئدًا

يخالط الهُدْبَ، والأجفانَ، والحدقا

يقفو البدائعَ، أو يجلو الروائعَ، في

لطفٍ، يمازجُها مستأنِساً، لَبِقا:

«بَدْرٌ» أسالتْ إلى «حطينَ» نهْرَ سنًا

أهدى «حبيباً» بـ «عمُّورية» السَّبقا

ومزْنُ «مؤتَةَ» أهدى «ميسلون» حَيًا

أزجاهُ «حسان» حيَّى روضها وسقى

وقائعُ «ابنِ أبي الهيجاءِ» ما ائتلقتْ

لو لم يبارِ السيوفَ الشعرُ مؤتَلِقا

برُقْيَةِ الشعر «ليلى» في السماء سمَتْ

ورُبَّ شمسٍ هوَتْ.. إذ لا قريضَ رقى

لولا القريض لما ظلت «بثينةُ» في

سِفْر البريَّةِ تجلو اللحظَ والعُنُقا

إذاً لضاعت، كما ضاعت نظائرها

لو فاقتِ النُّورَ خَلْقًا، والنَّدى خُلُقا

وظلَّ بعْدُ، سلاح الصائلين به

جمراً لمن ثار، أو زهراً لمن عشقا

ثم استوتْ - لا على الجوديِّ - مُثْقَلَةً

سفينةٌ منه، حيرى، تحْذرُ الغرقا

ظنَّتْ - وخفْقُ الرياحِ الهوجِ في دمها

من كلِّ نكباءَ - قلبَ الكونِ قد خفقا

حتى نَصَتْ مرفأً كالشَّمس ناصعةً

فيه المسالكُ، لا وَكْراً، ولا نَفَقا

ينساب منه، وفيه، السحر مُتَّقدًا

بالروح.. إن مسَّ سحراً باطلاً زهقا

فنّاً هو الفنُّ، لا مُسْتَغلِقًا وَعِراً

أو جَلْمَداً يابساً، أو باليًا خَلَقا

يعلو ويحلو.. فتعلو المُكْرماتُ به

والوِرْدُ مُصْطَبَحاً يحلو، ومُغتبَقَا

أضلاعُهُ كَلِمٌ، أنَّاتُهُ نَغَمٌ

نهرٌ إذا سال، شلالٌ إذا اندفقا

الشّمسُ تشرق منه في الدجى.. جذَلاً

ويُلْبِسُ الظّهر ثوبَ الليل إن حنقا

رُوحُ النسيم له رَوْحٌ، وإنْ شهقتْ

هوجاءُ، أو صرصرٌ، في حومةٍ، شَهَقا

سهمُ المنيَّةِ، أم نبضُ الحياة، به

في حالتَيْه.. إذا ما اشتدَّ، أو رَفَقا

نرنو به نحو فجرٍ لا يفجِّره

شهْداَ سوى الحبِّ، روحِ الفن.. إنْ صدقا

تُسابقُ الخيلَ نحو العزِّ أحرفُهُ

ولا تجرِّدُ إلا الحبر والورقا

ينازعُ السَّيْفَ في تاريخ مَجْدِهما

ولو نضا ريشةَ التأريخِ لاحترقا

يبادِرُ الظُّلْمَ في أعماق دولته

فلا يغادر من أنساقه نسقا

يهزُّه هزَّ إعصارٍ، فلو مُحِقَتْ

بالشعر صرْفا، صروحُ الجور، لانمحقا

فيزهرُ العدل فتَّاناً.. سناً وشذاً

ويُوأَدُ البغيُ مخذولاً، متى انبثقا

***

فأيُّ فنٍّ يُسامي سامياً بَسَقَتْ

فيه الحياةُ، وفيها دوحُهُ بَسَقا

خليقَةُ الله، لم يُخْلَق بها، وَلَها

كالشعر، يُعجزها في الخَلْق... لو خَلَقا

إن لم يكن يَصْعَقُ الدنيا.. فيصعقُها

ألاّ يخِـرَّ ، على أقدامها ، صَعِقا

وسوم: العدد 794