في طائرة

حيدر الغدير

حطت بنا الطائرة في مطار الظهران عائدة من رحلة طويلة في أقصى المشرق؛ حيث لبثت فيه ساعة قبل أن تعاود إقلاعها إلى الرياض، ومن أبوابها ونوافذها تسلل إلى روحي فرح غامر، إذ وجدتني أشم عبق الإسلام وأنفاس العروبة.

حطت بنا تختال قادمة من الأفق البعيدْ

تطأ التراب مهيبة في خطو محترس وئيد

فسعدت بالعود الحميد

وكأنني في يوم عيد

وسعدت بالعود الحميدِ وفي فمي أحلى القصيد

عود المها لكناسها في وقد هاجرة وبيد

عود القطا لعشاشها عود المرزأ والشريد

والطفل للأم الحنون يلفه حضن وجيد

* * *

وسعدت من عبق العروبة قابلتني بالسلامْ

ومن المآذن نادت الدنيا وناداها الإمام

اللَّه أكبر نحن دار الحق والإسلام والغر الكرام

المجد فيها قد زكا والنبل فيها قد أقام

شرفت بأحمد خير داع خير راع للذمام

وبطيبة الزهراء باسمة وبالبيت الحرام

وكتابها وهو السنا وهو الهداية والعصام

فانحر قلوصك يا فتى ودع الرحيل ولن تلام

واهجر عصا الترحال واسكن في القصور أو الخيام

ستظل تشعر أنك المحظوظ والميمون من بين الأنام

والشمس تشهد والنجوم إذا أنارت والغمام

* * *

كل البلاد جميلة لكن دارك خير دارْ

من أرضها طلع الهدى وبأرضها ولد النهار

وبأرضها صدح الندى وبأرضها عزف الهزار

يشدو لها حباً ويشدو الشيح في طرب ويبتسم العرار

* * *

عود الغريب لداره هو يومه الخضل السعيدْ

فالعود للأحباب والأوطان بعث من جديد

سيظل ظمآن الحشا ما ظل في البلد البعيد

الأم تشتاق الوليد

والأرض تشتاق الوليد

وهو المشوق إليهما شوق الحفي المستزيد

وهما وريد حياته وملاذه الحاني العتيد

فارجع لأرضك فهي أمك دونها أنت الطريد

 وارجع إليها فهي عرضك دونه حبل الوريد

* * *

أطِلِ الترحل حيث شئت إلى القريب أو البعيدْ

واركب متون النجم والأفلاك والكون المديد

واقطف أزاهير المنى والمال والعيش الرغيد

ستظل دارك خير دار في قديمك والجديد

وتظل شمسك خير شمس طهرت أغلى صعيد

ويظل رملك للنقاء قلادة في كل جيد

ويظل قومك مهرجان النبل والمجد الوطيد

* * *

ارحل كما تهوى، سترجع للزمان وللمكانْ

تدعوك أيام خلت تدعوك آمال حسان

تدعوك مكة والمدينة والمحافل والأذان

فتقول إني عائد حيث الكرامة والأمان

من مثل أرضي ؟ إنها كانت وتبقى مهرجان

ويزينها وتزينه فهما معا أنشودتان

وهما معاً عينان بالود المصفى والشذا نضاختان

وسوم: العدد 864