عناق

محمد الخليلي

عناق

محمد الخليلي

[email protected]

عناقٌ   ثم   يتلوه   iiالحِمامُ
دعينا  في  الدّنا نعفو هوانا
زؤام   الموت  جمَّعنا  iiلفيفاً
وهذا  عرسنا الثاني iiلأخرى
فقد  عشنا لحيظاتٍ iiلأخرى
وتلكم  معجزات  ليس iiتفنى






وتلتهب   الصَّبابة   والغرامُ
وفي  الأخرى  يكلِّلنا iiالهيامُ
ويوم  الحشر  يلتئم iiالفصامُ
ويرعى   عقده  رب  iiسلامُ
هي الحيوان إذ يفنى الحِمامُ
تسطِّرها  على  الأبد  الشآم

               

ظُلامة

حنانيكَ    ربي    iiبأطفالنا
وغَالَ  الفؤادَ فطارَ الصواب
فكم من صغيرٍ بريءٍ جريحٍ
وكم  قتِّل  الطفل  في مهده
وتلكم     ظُلامةُ    iiأطفالنا





فغدر   الزمان   أحاط  iiبنا
وبدَّد   كلَّ  طيوف  iiالمنى
يحاكي  بوجهٍ وميض iiالسنا
وما   ذاق   إلا  زؤام  الفنا
فرحماك  رحماك  ياذا  iiالثنا

               

بنت عمي

قال  ابن حلب للشبيحة وهم يسحلونه في الشارع  شبه عارٍ ذروني أودَّع أولادي لحظة قبل أن تقتلوني :

قدِّموني        iiللمنايا
واسحلوني  دون  iiلأيٍ
وذروني   في  iiهواهم
لحظةً    فيها   iiوداع
هم   أحيباب   iiفؤادي
وهواهم   حَسَّ   iiقلبي






كسِّروا   مني  iiالحنايا
نحو    أنفاق   iiالرزايا
لحظةً   أقفو   iiشذاهم
فيروني         iiوأراهم
في الدنا أو في معادي
وسبى   مني  iiرشادي

قال بعضهم لبعض :

اسحلوه...... اسحلوه
كسِّروا   منه  الحنايا
اسلبوه        iiأرضه
واستحلوا      iiزوجه




للمنايا         iiقدِّموه
وبنار         iiحرِّقوه
استبيحوا     iiعرضه
ثم    حُسّوا   iiنبضهُ

فقال لهم :

بنت عمي ... بنت عمي         هي روحي من دمي

اقتلوني           وذروها         في  أمان   دون غمِّ

===================

#أوغاريت || كتب عمر قدّور و أبكانا عن الرجل الشهير الذي أعدم في حلب ..((النظام "+18"))

يتوسل المعتقل وهو يؤخذ إلى حتفه: "الله يخليك بس خليني ودّع ولادي، هدول كل شي". يسأل الشبيح عن مكان وجود الأولاد، يجيب المعتقل بأنهم في البيت مع أمهم، يحاول الشبيح الدخول في مقايضة مع المعتقل بأن يسمح له برؤية أولاده مقابل اغتصاب أمهم: "بتخليني... مرتك؟ إذا بتخليني... مرتك بخليك تودع ولادك، شو؟

هذا الفيديو المسرب بتاريخ 15/1/2013، عن فظائع الشبيحة وقوات النظام، ليس الأول، ولن يكون الأخير ما بقي النظام قادراً على اغتصاب جزء من الأراضي السورية ومن عليها.

القاسم المشترك بين الفيديوات هو المخيلة الإجرامية التي لا تتوقف عند حد، بل تتصاعد مع الوقت ويتفنن مرتكبوها بابتداع أساليب لا تخطر في بال صنّاع أفلام الآكشن في هوليود، ولا تخطر في بالنا الأوصاف المناسبة لنفيَها حقها من الوحشية. أشرطة لا يُنصح بمشاهدتها إطلاقاً، ومع ذلك لا يمكن لمن لم يشاهدها معرفة درجة الانحطاط التي يبلغها النظام في كل يوم، وبالتأكيد لا يمكن معرفة الدرك الذي وصلته العصابة الحاكمة لحظة كتابة هذه السطور، إذ من المتوقع في كل لحظة أن شبيحاً ما يمسك موبايلاً ليصور به زميله المجرم وهو يتلذذ بساديته التي يبزّ بها المخيلة البدائية للماركيز دوساد.

كان من الأفضل أيضاً ألا يُضطر قارئ إلى قراءة الحوار الذي جاء في مستهل النص، على رغم استبدال الكلمات النابية بالنقاط، إذ من المؤكد أن دواعي الحرص على إنسانيته تفترض عدم معرفة هذا النوع من التوحش، بل عدم وجود هذا النوع من المتوحشين إطلاقاً. ربما صرنا، نحن السوريين، مصدر قلق وانزعاج شديدين للبشرية، فشبيحتنا لا يهددون الشعب السوري بالفناء وحسب، وإنما يهددون الإنسانية النائمة المطمئنة إلى ذاتها.

وبما أن القوى الدولية الفاعلة لا تريد حلاً سريعاً لإيقاف الجرائم التي ترتكب بحق الإنسانية، النائمة والمطمئنة إلى ذاتها كما أسلفنا، قد يكون من الأفضل لها تشفير أخبار سوريا، وإقامة محطات تلفزيونية خاصة بها يقتصر متابعوها على أصحاب الميول الشاذة، ولا بأس في أن يشارك النظام في أسهم هذه المحطات بأن يتعهد بإمدادها بالمادة المناسبة أربعاً وعشرين ساعة في اليوم على مثال تلفزيون الواقع.

من أجل ما سبق، ومن أجل الدواعي الإنسانية، سيكون من الأفضل لنا التركيز على رد المعتقل على العرض الذي قدّمه الشبيح؛ يقول المعتقل: "أعوذ بالله، هي مرتي، تاج راسي". يستغرب الشبيح: "تاج راسك!! لكن آبتخليني... !!!". يعود المعتقل للرد: "هي بنت عمي وتاج راسي". للتأكيد؛ هذا الحوار ينتمي إلى تلفزيون الواقع، لا إلى أحد المسلسلات الشامية، ومن يقول "تاج راسي" هو رجل لا امرأة، وهذا التوضيح ضروري لوضع الوصف في سياقه الصحيح، فطالما ظننا من قبل أن كلمات من نوع "ابن عمي وتاج راسي" هي كلمات تذلل تقولها المرأة الشامية لزوجها، أو عنه، مكرهة أو متذللة.

لا يصف الرجل المعتقل زوجته بأنها عرضه أو شرفه، على النحو الذي يريده الشبيح إمعاناً في اغتصاب كرامته، يصفها بأنها تاج رأسه، يصفها بالحب الذي يخرج بها وبه عن دائرة الانتهاك التي يبتغيها النظام. لم يفكر الرجل على النحو الذي نؤوّل به كلماته، هذا صحيح لكنه بعفوية وجد في مشاعره مهرباً من الاستفزاز الشنيع الذي واجهه، لقد أجاب الشبيحَ باللغة العصية عليه. "تاج راسك!!"؛ يقول الشبيح مستغرباً أو مستنكراً، فهذا الرد يخرج تماماً عن المقايضة المقترحة، هذا رجل يرى شرفه في مشاعره، لا في المكان الذي يتوقعه الشبيح، وهو يعبّر عنها باللغة البسيطة التي يعرفها، ولا يقدر على لغة الشعر كما يقترحها أدونيس أو نزيه أبو عفش على سبيل المثال.

لم يصنع الرجل مأثرة ترضي أصحاب الشعارات، فهو لم ينتفض قائلاً إنه لا يسمح لأحد بالنيل من شرفه، وللتذكير فإن حوادث الاغتصاب الجماعي التي ارتكبها شبيحة النظام باتت منهجاً منذ اقتحامهم مدينة جسر الشغور قبل سنة ونصف تقريباً، وتشير تقارير المنظمات الدولية إلى أن الكثير من العائلات نزحت خوفاً على بناتها من الاغتصاب. إذاً لم ينتفض الرجل على نحو ما قد يتمناه البعض، فهذا شخص كان جلّ همه رؤية أبنائه قبل الموت، شخص لم تعد به طاقة حتى لاستجداء حياته، أو ربما يكون مدركاً لعدم جدوى هكذا استجداء فحاول في الحد الأدنى استعطافهم بطفولة أبنائه.

ومن المرجح أن الرجل لم يتوجه إلى جلاده بما قاله عن زوجته، فالأقرب إلى المنطق أنه كان يتمتم لنفسه بهذه الكلمات، كان يعبّر عن وجدانه وحسب، قبل النهاية التي يدرك تماماً أنها آتية. ليست رسالة لأحد، ولا حتى لزوجة الشبيح التي قد يريها زوجها التسجيل في مسامرة ما قبل النوم، والتي قد تتعاطف مع القتيل أو تطالب زوجها بمغازلتها على نحو ما كان يفعل ضحيته. بدورها هذه الافتراضات الأخيرة تنتمي إلى تأليفنا نحن، بصرف النظر عما إذا كان للشبيح أسرة بالمعنى البيولوجي. المهم أن الرجل الضحية لم يكن معنياً بالكاميرا أصلاً، وإن رآها فلن ينظر إليها إلا بوصفها انتهاكاً آخر ووسيلة إضافية من وسائل التعذيب، لذا لن يدور في خلده أن يمرر رسالة ما من خلالها، لن يتوقع أن كلماته قد تصل إلى زوجته يوماً، وأنها ستتلقى مشاعره ممزوجة بالدم.

نظرياً، يأتي هذا الرجل من موقع الضعف ليذكرنا بأن السوريين ليسوا جميعاً، ولا دائماً، أناساً شجعاناً يتلقون الموت بصدر رحب. إنهم يذهبون إلى حتفهم مكرهين، وحتى أولئك الذين يقاتلون النظام يقاتلونه طلباً للحياة أولاً، لا طلباً للشهادة كما يوحي بذلك البعض. هذا رجل لم يزهد بالحياة حتى النهاية، فقد ظل متمسكاً بأمل إلقاء النظرة الأخيرة على أطفاله، وظل متمسكاً بمشاعره تجاه زوجته حتى النهاية أيضاً، وربما لم يكن له سلوى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة سوى حميمية بيته الصغير، وعلينا أن نتذكر هنا أنه كان لهذا الرجل بيت، وأن الشبيحة انتزعوه منه، وليس بعيداً أن يكونوا قد أحرقوه، هذا إن لم يكن قد تهدم بفعل القصف التمهيدي. قد تخلق مشاهدة هذا الفيديو وأمثاله شجعاناً بما يفوق كثيراً وداعة ضحيته، وقد يكون بينهم أشخاص يتساوى عندهم الموت والحياة، لكن المعنية هنا هي الحياة الذليلة التي يستعطف فيها أمثال هذا الرجل نظرة وداع. هي شجاعة اضطرارية، إن جاز التعبير، لأن غالبية أولئك المقاتلين يتمنون المبيت في أحضان زوجاتهم، ويتوقون إلى حرارة أسرّتهم بدلاً من حرارة الفولاذ.

"مرتي، بنت عمي، تاج راسي"؛ مفردات لا تنتمي حتى إلى قاموس الذكورة كما يتخيلها مؤلفو الدراما، لكنها تذكّرنا بما نحن عليه حقاً، وتقول إن تاج رؤوسنا لن يكون أبداً البوط العسكري. إن ثمن عشرات الآلاف من الضحايا ينبغي ألا يقل عن رئيس يستطيع مخاطبة هذا الشعب ب"تاج راسي"، وهذا يتضمن أنه يستطيع قولها لزوجته أيضاً. هذا ليس اشتراطاً صعباً، أو هو ليس اشتراطاً البتة أن يكون الحاكم إنساناً على شاكلتنا.

رابط الفيديو المذكور 

"> http://www.youtube.com/watch?v=eOpSyqqjmYo