فبأي لألاء البهـاء تكذبـون؟

سعيد عبيد

(إلى حبيبي رسول الله )

ذ. سعيد عبيد / مكناس - المغرب

[email protected]

حقيـقٌ علينا أن نجيبَ المعاليـا      لنُفنيَ في مدح الحبيب المعانيَـا

ونجمعَ أشـتـاتَ الأعـــاريـض حِسبـةً      ونحشُرَ في ذاتِ الإله القوافيـــــــــــَـا

 (ميمـون الخطابـي[2])

على سبيل الاعتذار: قلمي جريح

يا سيدي

من أين أبدأُ والكلامُ المرُّ يُغري بالسكوتْ؟

ثقُلَ اللسانْ

لولا بقيةُ جذوةٍ

تكفي لتوقدَ في اليراعِ – على البرودةِ – نخوةً أرقَ البيانْ.

يا سيدي

هل تقبلُ الأعذارَ من عبد أتاك محمَّلاً

بالذلة الصفراءِ   

والمجد الكسيحْ

وبخيبةٍ في إثر خيبهْ

الناسُ تنكر أن جَدِّيَ خالدٌ

أو أنني مِن نسل عُقبهْ

وبجُعبتي أورامُ أمتيَ التي عنها سَها جفنُ الفتوحاتِ القريحْ

يا سيدي

قلمي جريحْ

فبأي حق أرتضيكْ؟

وبأي وجه ألتقيكْ؟

وبأي حرف أبتدي هذا القصيدْ؟

 

على سبيل الانتصار: بوح التاريخ

هذي الليالي الداجياتْ

كم قد تلفَّعَ وجهُها

ببراقعٍ سُودٍ كأرْديةِ المواتْ

اليوم أسفرَ حسنُها

لما تجلى بدر طـٰهَ في السماءْ

سُرَّ الزمانْ

لما رأىٰ في نَحْرها سَحَراً

قلائدَ من جُمانْ

              * * *

هذي الفيافي الممحلاتُ المقفراتُ البائساتُ العاقراتْ

اخصوصبتْ

لما سقاها نبعهُ

ماء الحياةْ

وكما الجنانُ ازَّيَنـتْ

                       واخضوضـرتْ

                                   وتعطـرتْ

السرُّ فيها، فاسألوها تُنبِكمْ:

"حبُّ الرسولْ

ملحُ الترابْ"

فبأي لألاءِ البهاءِ تكذبونْ؟

              * * *

هذا الذي عاف الخورنقَ والسديرْ

لما الدُّنىٰ دانت لهُ

وتطأطأت هامُ الملوكْ

هذا الذي أهدى الخليقةَ شهدَ وحيٍ كي تسيرْ

في رحلة الدرب الطويلْ

ورفيقها القمرُ المنيرْ

وأقامَ للقُسطاس أعدلَ خيمةٍ

أمِنتْ مساكينُ الورىٰ في ظلها

وتلحفت بالياسمينْ

هذا الذي خلَّى الأساور والحريرْ

وعلى الترابْ

تحت النخيلْ

ناجى الإله وقد حوتْ منه الضلوعْ

حبا نقيًّا

لو تناثر لؤلؤهْ

في العالمينْ

لأضاء ما بين الثرىٰ... والمستحيلْ

الشمسُ تلهج في السجود وفي الركوعْ:

"نوِّرْ – إلهي – مقلتيَّ بحب طـٰهَ

إن خسفتَ الضوءَ من عينيَّ في اليوم الأخيرْ"

والنجمُ تغلبه الدموعْ

فبأي لألاء البهاء تكذبونْ؟

               * * *

هل تذكرونْ

لما تدفقَ من أنامله الوضيئةِ كالعيونْ

ماءٌ هتونْ؟

– الناسُ عطشَى يا حبيبي، فاسْقنا عذبَ الغرامْ –

هل تذكرونْ

لما استمعنا للأنينْ؟

فإذا جُذيعٌ مغرمٌ يتملقُ اللهَ العظيمْ:

"اللهُ يا ألله أنحلني الفراقْ!

الله يا ألله أضناني النَّوىٰ

والإشتياقْ!

مُذ غاب أحمدُ عن جواري

صوَّحَ الكونُ الجميلْ

فالقلب مني في احتراقْ

والعقل مني في ذهولْ

الله يا ألله فأْذنْ باللقاءْ."

             * * *

هل تذكرونْ

لما الجبال الراسياتُ

تهزهزتْ

لما تَشمَّم تربُها عطرَ الحبيبْ

وتفتقتْ

بقلوبها أزهارُ عشقٍ يانعاتْ

فتبخترتْ

بين الغواني الفاتناتْ؟

هَيَفُ القدود يزينُه خجلُ الخدود يزينها نضرُ الشبابْ

عجباً لها

اَلصخر مسكون بعشق ذي شجونْ!

فبأي لألاء البهاء تكذبونْ؟

             * * *

هذا بلالْ

هذا صهيبْ

وبجنبهم سلمانُ والمستضعفونْ

وَطِئوا الثُّريَّا

لم تزلْ أقدامهم فوق الكواكب راسخاتْ

سبَّابةُ التوحيد في راياتهمْ

أنشودةُ الإيمان في أفواههمْ

والعزةُ القعساءُ تاجٌ لا يُرامُ – على الجبينْ

فبأي لألاء البهاء تكذبونْ؟

 

على سبيل السَّواء: لمَ كل هذا الكبرياء؟

لمَ تغرسونَ بساحة الكون الجميلْ

شَوكاً ومُرَّاناً وحنظلْ؟

                               الوردُ أجمـلْ

لمَ تدفعون البدر في ليل التمام إلى الأفولْ؟

                             هو لن يـزولْ

لمَ ترقصون على جراحِ المثْخَنِينْ

                              وتعربـدونْ؟

لمَ كل هذا الكبرياءْ؟

أعَلى الذي زرعتْ أناملُه الوضيئةُ نبتةَ الحبِّ السَّنِي

في تربةِ الكون البَهِي

حتى غدا من عشقهِ يشدو بأعذب أغنيهْ؟

وغدا لديه الوصلُ وصلُ اللهِ أحلى أمنيهْ

فلتسألوا طشقندَ

أو فلتسألوا جزر القَمرْ

أو مُرسيهْ

أو فاسألوا إن شئتمُ

سِفْرَ الحضارات التي وصلت خُطاها بالسماءْ.

لمَ كل هذا الكبرياء؟

الحقُّ حصحصَ يا رفاقْ

هذا الرسولُ

وهذه لألاؤهُ

فالشمسُ

والأقمارُ

والأطيارُ

والوردُ الخجولْ

والخَبءُ في رحِم الثرىٰ

والماءُ والنارُ التي في جَوفكمْ والتُّرْبُ والمددُ الذي تستنشقونْ

(لمحمدٍ منكم وِقاءْ)

والحكمةُ العذراء والقلمُ البتولْ

والطيِّبونَ القاطنونْ

في فطرة الكون الجميلْ

والحاضرُ

الماضي

كما الآتي

وكل الأزمنهْ

والأمكنهْ

الكل يشهد يا رفاقْ

ونشيدهم: "الحق حصحص في الأفاقْ"[3]:

                هذا الرسولُ

                وهذه لألاؤهُ

                فبأي لألاء الرسولِ

تكذبونْ؟؟؟"

 

على سبيل الالتقاء: حق الوفاء (في ظل دوحة الأميـر[4])

  لحنٌ على وتر الأميـرْ:

            مـاذا يريـد بعِرضـك الجهــــلاءُ         وجميـع عِرضـك عِفـة ونقـــاءُ؟

            أنـت الكمــال  مجسـدا في  صـورةٍ         أفبالكمـالِ يُعـرِّض النُّقصــــاءُ؟

            أنـت الجمـال يَغـارُ منـك  جمالُــه         زانتـكَ فـوق جمالـك  السَّمحــاءُ

            أنـت المعانـي الرائعـاتُ  جميعُهـــا         عجَـز الكـلامُ وعيَّـتِ الفُصَحــاءُ

  ماذا يهُولك يا أميـرْ؟

            هـا أقبلـتْ لُجَـج الظـلام  يسوقُهـا        حقـدٌ يؤجِّـج  نـارَه  السفهـــاءُ

            كذبـاً علـى كذبٍ تُسـوِّد  صُحْفهـم        ممـا  يـذوب  لإفكـه  الفضَـــلاءُ

            زعموا كذا... كتبوا كذا... رسموا كذا...        سفِـلَ المَقـامُ، وحِصنُـك  العلْيــاءُ

  وبمَ الوصيةُ يا أميـرْ؟

            أسـرِجْ قريضَـك فالأوانُ مَشَـــدَّةٌ         إن المسالــكَ زلْقــةٌ وعْــــراءُ

            وضِّئْ حروفَـك  من نضـارة  حوضـه         يحـدوكَ صـدقُ مـودة ووفــــاءُ

            واطمعْ تنـلْ من قلب حِبِّـك  موضعـاً         إن جـاءتِ  الأشعـارُ  والشعـــراءُ

  تشدو على لحن الأميـرْ:

            (لي في مديحـكَ يـا رسـولُ  عرائـسٌ         تُيِّمْـن فيـك  وشاقهـنَّ  جَـــلاءُ

            هُـنَّ الحِسـانُ، فـإن قبلـتَ  تكرُّمـًا        فمهورُهـن شفاعــةٌ حسنــــاءُ)

               

[1]  - أديب من المغرب، صدر له "الإهانة" (مجموعة قصصية) و"مكابدات في الطريق إلى النور" (ديوان)، والقصيدة منه.

[2]  - ميمون الخطابي المعروف بابن خبازة (تـ 637هـ) شاعر موحدي من صنهاجة، صاحب اليائية الشهيرة في مدحه صلى الله عليه وسلم.

[3]  - حركة المد مختلسة.

[4]  - أمير الشعراء أحمد شوقي (1868/1932). والبيتان الواردان بين قوسين في نهاية القصيدة هما من ختام همزيته الشهيرة.