الشهيد
الشهيد
د. محمد علي الرباوي
شَهِيدٌ يَمُوتُ
شَهِيدٌ يَعِيشُ
فَأَيَّ الشَّهِيدَيْنِ تَخْتَارُ صُحْبَتَهُ أَنْتَ
أَيَّ الشَّهِيدَيْنِ تَخْتارُ
أَيَّ الشَّهِيدَيْنِ أَنْتَ
****
خَلِيلٌ أَميرٌ مِنَ الأُمَرَاءِ يَمُدُّ أَنَابِيبَ بِتْرُولِهِ في اتَّجَاهِ الْبَرَارِي الْمُخِيفَةِ يُودِعُ أَبْآرَهُ في بُنُوكٍ مُدَجَّجَةٍ بِرَصاصِ العُفُونَةِ تَزْهُو بِهَا مُدُنُ الرُّومِ زَهْواً. عَبَاءَتُهُ تَحْجُبُ الشَّمْسَ عَنَّا وَتَحْجُبُُ عَنَّا الْمَطَرْ
رَسَا فُلْكُهُ عِنْدَ شَطِّ امْرَأَهْ
أَتَى جَنَّتَيْهَا فَكَانَتْ بِهَيْئَةِ ثَوْرٍ
ثُمَّ مَالَتْ إِلَيْها عَصَافِيرُهُ الْمُجْهَدَهْ
كانَ عَزْفُ النَّشِيدِ بَطِيئاً
كانَ عُودٌ يُؤَدِّي الَّنِشيدَ حَزِيناً
فَزُلْزلَ في صَدْرِهِ قَلْبُهُ الْمُتَوَحِّشُ
أَخْرَجَ لِلنَّاسِ أَثْقَالَهُ القَاتِلَهْ
......................................
خَلِيلٌ أَحَبَّ امْرَأَهْ
وَمِنْ أَجْلِ سُنْبُلَةٍ خَرَجَتْ
مِنْ رُبَا صَدْرِهَا مُطْفَأَهْ
كانَ يَعْبُرُ نَهْرَ الرَّصَاصِ سِبَاحَهْ
وَلَكِنَّهُ اسْتَنْشَقَ الْمِلْحَ مِنْ جَسَدِ النَّهْرِ
وَانْفَتَحَتْ رِئَتَاهُ لِزَنْبَقَةِ الْمَاءِ
تِلْكَ الَّتِي حَبَّ لِمْ تُلْقِ
في جَسَدِ النَّهْرِ زَهْرَتَهَا الفَاجِرَهْ
****
تُطِلُّ مِنَ الشّاشَةِ امْرَأَةٌ دُمْيَةٌ
تُقَدِّمُ في نَشْرَةِ اللَّيْلِ نَعْياً جُلالا
تُرَدِّدُهُُ في الصَّبَاحِ جَرَائِدُنَا الثَّائِرَهْ
خَلِيلُ الَّذِي كَانَ مِنْ أُمَرَاءِ البَوَادِي انْتَحَرْ
خَلِيلُ هُوَ الآنَ رَقْمٌ جَدِيدٌ بِقَائِمَةِ "الشُّهَدَاءِ"
خَلِيلُ "نَبِيٌّ" مِنَ الأَنْبِيَاء
****
شَهيدٌ يَمُوتُ
شَهيدٌ يَعيشُ
****
وَلَدٌ زَارَهُ الْحُزْنُ عِنْدَ الدُّجَى فَاشْتَعَلْ
اِمْتَطَى فَرَساً بِحَوَافِرَ تَسْكُبُ مِنْ خَلْفِهَا الْجَمْرَ قيلَ الْتَقَى بِشِهَابِ الْهُدَى في شَوَارِعِ كَابُولَ أَوْ بَيْنَ أَدْغَالِ بَيْرُوتَ قِيلَ تَرَدَّى ثِيَابَ الرَّدَى فِي رُبَا القُدْسِ حُمْراً فَمَا إِنْ أَتَى اللَّيْلُ إِلا وَكانَتْ عَلَيْهِ مَلابِسَ خُضْرا
وَلَدٌ زَارَهُ الْحُزْنُ عِنْدَ الدُّجَى فَاشْتَعَلْ
اِمْتَطَى فَرَساً يَمْخُرُ البَحْرَ قِيلَ عَلَى الصَّحَرَاءِ رَأَوْهُ يَهُبُّ رَأَوْا رِجْلَهُ عِنْدَ مُسْتَنْقَعِ الْمَوْتِ مِنْ تَحْتِ أَخْمَصِهَا يَزْهَرُ الْحَشْرُ زَهْراً وَمِنْ خَلْفِهِ اسْتَنْشَقَ الرَّمْلُ ريـحاً تَنَفَّسُ مِسْكاً وَخَمْراً فَإِذَا الرَّمْلُ يَجْمَعُ حَبّاتِهِ حَبَّةً حَبَّةً يَسْتَوِي رَجُلاً اِسْتَرَدَّ عُيُونَهْ
وَلَدٌ بَشَّرَتْهُ العَصَافيرُ بِالْحُزْنِ ثُمَّ تَأَبَّطَ مِزْوَدَهُ وَامْتَطَى فَرَساً يَمْخُرُ البَحْرَ مَخْرا .
قِيلَ كَانَ عَلَى الصَّحَراءِ يَهُبُّ وَمِنْ حَوْلِهِ تَبْشُرُ[1] الأَرْضُ تُشْرِقُ نَوْرا.
عَرَاجينُ نَخْلِ الْجَنُوبِ تُرَفْرِفُ بَيْنَ الرِّمَالِ تُبَشِّرُ عِنْدَ الضُّحَى الطَّيْرَ طَيْراً فَطَيْراً
وَلَدٌ زَارَهُ الْحُزْنُ عِنْدَ الدُّجَى فَاخْتَفَى في البَرَاري البَعِيدَةِ ظَلَّتْ جَرَائِدُ هَذَا الصَّبَاحِ تَقُصُّ عَنَاوِينُهَا خَبَراً عَنْ نُجُومٍ أَحَبَّتْ وَعَنْ رَجُلٍ... اِنْتَحَرْ
****
شَهِيدٌ يَمُوتُ شَهِيدٌ يَعِيشُ فَأَيَّ الشَّهِيدَيْنِ تَخْتَارُ صُحْبَتَهُ أَنْتَ. اِسْتَفْتِ قَلْبَكَ ثُمَّ انْطَلِقْ مِثْلَمَا انْطَلَقَ الأَنْبِيَاءُ انْطَلِقْ مِثْلَمَا انْطَلَقُوا ثُمَّ عَاشُوا انْطَلِقْ أَيُّهَا الْوَلَدُ الْمُرُّ بَحْراً يُبَشِّرُ بِالْعَاصِفَه.
[1] ـ بَشَرَ يَبْشُرُ : فَرِحَ