أماهُ لا تبكي عليّ

محمد نادر فرج

أماهُ لا تبكي عليّ

محمد نادر فرج

[email protected]

رسالة’ الشَّهيدِ إلى أمه الصامدة

حين وصلني الخبر، كانت هزَّةً عاطفيَّةً عنيفة، انتابتني مشاعر شتى، تهيج بي عواطف متباينة، لا أستطيع تمييز دوافعها، أو تحديد مواجعها.

أهوَ الشَّوقِ إلى لثم جراحهِ النّاَزفة، أم الحسرة على أني لن ألقاه بعد الآن.

تجيش بي رغبة إلى البكاء، لا أدري أهيَ من الغبطة على ما آل إليه، أم الحسرة على نفسي أني لم أدرك مُناه.

 كأني بأمه الصابرة قد وقع لها ما ألمَّ بي، ولعلها مشاعر تجيش بي أيضا إلى أمي الحبيبة، فإذا قلمي يطبعُ هذه الكلمات:

لا  تَـبـكِ يـا أُماهُ iiواحتَسِبي
ولْـتَـسـألي  الرَّحمنَ iiمَغفِرَةً
عَـفـواً  وغُـفـراناً iiويَقبلنَي
هـذي  الأَكُـفُّ أتـوقُ ألثُمُها
فـي  دِفـئِها ذُقتُ الحَنانَ iiوكمْ
مـا  زِلـتُ أشعُرُ لِينَ iiمَلمَسِها
*            *           ii*
أمـاهُ قـدْ أزفَ الـرَّحيلُ iiفلا
فـأنـا  صَنيعُكِ طاهراً iiنَضِراً
غُـصـنٌ  يَـهيجُ على iiمنابتِهِ
كـم ذا بَـذَلـتِ على iiرِعايَتِهِ
يـا  دَوحَـةَ الإيـمانِ iiيَغمُرُها
قـدْ كُنتِ لي رَوضاً أطوفُ iiبهِ
أفـنـانُـه  الـفَـيحاءُ زاهيَةً
وأراكِ  قـنديلَ الهَدى iiسَطَعَتْ
أجـنـي  ثِمارَ الحُّبِّ iiنَضرَتُها
*            *           ii*
أمـاهُ إن الـخُـلـدَ iiمَـوعِدُنا
كـم  كـانَ طَيفُكِ باعثاً iiشَجَناً
طـيـفٌ  أفاضَ ظِلالَ iiأجنحةٍ
ويَـهـلُّ  مـنه النُّورُ iiمُبتَسِماً
طَـيـفٌ  أرقُّ من العَبيرِ iiشَذاً
روحـي إلـيكِ تَطيرُ iiضارعَةً
وإلـى  رُبوعِ مَواطني iiالوَلهى
وأريـجِ زَهـرِ الزَّيزفونِ iiوقدْ
أمـاهُ  هـذا كـانَ لـي iiنَسَباً
*            *           ii*
أمـاهُ  فَـيـضُ هُداكِ iiعَلَّمني
هَـمْـلٌ  عـلى هونٍ تُدَغدِغُهُ
لـكـنَّـني بَينَ الضُّلوعِ iiأرى
تـأبـى  الهوانَ وتَسْتَشيطُ iiإذا
فَـتَـثورُ  مُغضَبةُ الجَنانِ iiولا
فَـتـعـيـشُ  شامخَةً iiبعِزَّتِها
أو  أن تَـمـوتَ أبـيَّـةً iiوإذاً
حُـرَّاً وتَـغـلي بي دِماءُ iiأبي
*            *           ii*
أمـاهُ إنَّ الـنَّـجـمَ iiصافَحني
ويَـمُـدُّ  مـن بَينِ الغيومِ iiيَداً
بَـيـضاءَ  بَدَّدَ نورُها iiجَزَعي
فـأنـا أحَـلِّـقُ في العُلا قَمَرٌ
طَيفٌ  يجوبُ الكَونَ في iiرَهَفٍ
وأهـيـجُ كـالنَّسماتِ في iiوَلَهٍ
كالصُّبحِ  فاضَ بِسِحرِهِ iiوسَرى
أغـشـى جِنانَ الخُلدِ iiيَغمُرُني
لا  ظُـلـمَ بينَ النَّاسِ iiيؤرقُني
أمـاهُ  لا تـبـكـي عليَّ iiفقدْ













































ولْـتَـحـبسي مَوَّارة iiالغَضَبِ
بِـأَكُفَّ أَطهَرُ من نَدى iiالسُّحُبِ
ويُـزيلَ يَومَ الرَّوعِ مِنْ iiرَهَبي
وأَضُـمُّـهـا بِـجَوانحٍ التَّعبِ
مَسَحتْ  غُبارَ الوَهن عن iiقَلبي
فـي  جَبهتي يَحنو كَلَمْسِِ iiنَبي
*            *           ii*
تـأسَـي  فـحسبُكِ أنني بَطَلُ
أضـفـى  البهاءُ عليهِ iiوالأملُ
نَـفْـحُ الـهُدى زَهراً iiفَيَشتعِلُ
جُـهـداً  وهـا قَدْ أثمَرَ العَملُ
فَـيـضُ التُّقى في رَيِّهِ iiالهَطِلُُ
بَـيـنَ الـغُصونِ كأنني iiثَمِلُ
بـالـخَـيرِ  تَغمُرُنني iiفأكتمِلُ
أنـوارُهُ فـأضـاءتْ iiالـسُّبُلُ
رَيّــانَـةٌ فـإذا أنـا iiرَجُـلُ
*            *           ii*
رَسَـمَ الـطَّـريقَ لنا إليه أبي
في مهجَتي النَّشوى من الطَّرَبِ
وكـأنَّـهـا  الأجـفانُ iiللهُدُبِ
طُـهراً  يَفيضُ كَبارِقِ iiالشُّهُبِ
وصَـفـاؤهُ أنـقى منَ iiالذَّهبِ
أمـاهُ فـوقَ جَـوانحِ iiالسُّحُبِ
بِـرَحـيقِ خَمرِ التّينِ iiوالعِنَبِ
فـاحتْ كَنَفحِ المجدِ في iiالكُتُبِ
وبـهِ  أفـاخـرُ كـلَّ مُنتسِبِ
*            *           ii*
أن  لا أعـيـشَ بهامشِ iiالدُّنيا
أهـواؤهُ ويَـهـيـمُ iiبـالرُّؤيا
نَـفـسـي تُنازِعُني إلى iiألعَليا
مـا  عـايَنَتْ بينَ الوَرى iiبَغيا
تَـرضـى مـنَ الآلامِ iiبالرُّقيا
وتَـهـبُّ  فـهي بدينِها iiالعُليا
هـيَ لَـنْ تَـموتَ وإنَّما iiتَحيا
وأرى  الـشَّهادةَ لي هيَ iiالمُنيا
*            *           ii*
وحَـنـا يُـقبِّلُ جُرحيَ الدَّامي
لِـيَـشُـدَّنـي  لِمقامِهِ iiالسَّامي
مُـسـتأصِلاً  حُزني iiوأوهامي
أُضـفي  على الأكوانِ iiإلهامي
وكـأنَّـهُ تَـرجـيـعَ iiأنـغامِ
بـينَ  الجِنانِ ورَوضِها iiالنَّامي
فَـوقَ الـرُّبـا كَطُيوفِ iiأحلامِ
فـيـها  الرِّضا وصَفاءُ iiأيّامي
أو بَـغـيَ سَـعَّـرَ فيَّ آلامي
جَـفَّ النَّزيفُ بجُرحيَ iiالدَّامي