لغة الغريب

مرزوق الحلبي

مرزوق الحلبي

 1.

لا أفق للأفق

والمكان سدّت عليه لغة الغريب جميعَ الجهات

كلّما راودتنا حرّيةٌ مرتجاةٌ

أغلقت المدنُ أبوابها وحاصرتنا الزقاقات

لغة الغريب باغتت منا الطفولةًَ

ومطالعَ القُبلات

وجرّحت وجه الأماسي

وعكّرت صفوَ الصباحات

2.

لغة الغريب قواعدها من الأسلاكِ

وخلفها حرّاسها

بنادقهم صوب السماء

لئلا تمرّ العصافيرُ

لئلاّ يمرّ الغمام

تُمسك المكان من خصره

فلا المكان متاحا ولا يطيبُ المقام

أفعالها مفتوحة الأبواب للغرباء

وموصدة للمقيمين

كي لا يطلقوا الأماني خفافا

كي لا يعتقوا الأحلام

3.

لغة الغريب حروفها صواعق

تقبض الحنينَ في بيوت الغائبين

وتنسف العتبات

فلا يمرّ العائدون في مدار الذاكرة

ولا يهتدون إلى لحظة من بنفسج

في ظلّ دمعة حائرة

ولا يطير السنونو في فضاء الأماني

ولا تناهت شهقة الغمامة الماطرة

ولا أورق الليمون في موعده

من لغط العابرين في اللغة العابرة

4.

لغة الغريب فخّخت مواعيدنا

عقرت عقارب الساعة

فغاب المكان في ثنايا الزمان

مدبّبة الحروف تهادت في المدى خببا

أعاقت خطونا ردحا

ورمت أوقاتنا خلف الحدود

في الشام، في بيروت، في عمان

مزّقت وجودنا المنسوج من زمن ثلاثيّ

وجرّحت في مهدها زهرة الرمّان

5.

لغة الغريب نشرت حواجزها

في كل منعطف ومطرح

ترصد الترادف في ضحى الأسماء

تصنّف الأفعال بين القلوب

وبين العقول

تدقّق هوية الفاعل في كل فعل،

ناقص أو معربٍ

أو ما انبنى في سنّة المجهول.

تسأل النجوم عن المُضمر في جماع الحروف

وخصائص الضاد،

وعما اختفى بين اشتقاق وبين الأصول

6.

لغة الغريب بثّت روايتها في كل ناحية

حيث شاد الأولّون قناطرهم

ومن قصائد عشقهم رسموا التخوم

صداها في روايتنا،

في حبرنا ودواتنا.

تُسدل الليل على أطفال حارتنا

تُطارد ما ألفنا من فراش

ويمامات الكروم.

مُذ وقّعت لغة الغريب في صدر صفحتنا

استعصت الدنيا على القرّاء

وأفلت الوجود من ناموسه

فغيّرت من سيرها كواكب

واختفت نجوم.