قصيدة إلى بان في بانياس
قصيدة إلى بان في بانياس
سعود الأسدي
مقدّمة :لبلدة بانياس السورية حيث أحد منابع نهر الأردن سحر بما فيها من مياه دافقة ، وطبيعة خضراء دائمة ، ويضاف إلى هذا السحر سحر ثان بما تحمله في ثنايا تاريخها القديم من أساطير .
وربما يكون لاسم بان ( Pan ) صلة وثيقة ببانياس ، وبان هذا هو أحد آلهة اليونان من الدرجة الثانية تحدّر من زيوس كبيرهم ، أو من هرمس ودريوب ، وكان صديق الصيّادين والرعاة وحامي الأغنام والماعز والطبيعة وحياة البريّة ورمزاً للخصوبة ، وكان شكله نصفين من ماعز وإنسان ، له كالماعز قرون وذقن وأذنان ورجلان ذاتا أظلاف . وهو مخترع الناي ، وأشهر من عزف عليها ، ويعزى إليه تعليم الرّعاة فنّ العزف على القصب. وكان لما فيه من شبق فحول الماعز لا يكفّ عن غواية الحوريات ، وكانت الحوريات تصدّ عنه عندما يتكشّف لهنّ شكله الإنساني الحيواني ، منهن إيكو ( Echo )التي تحوّلت إلى صدى، وبثيس ( Pithys ) التي تحوّلت إلى شجرة صنوبر ، وسرنكس( syrinx ) التي أحالها بان إلى ناي ذي سبع شعب !!
يا بانُ ! طُفْ بي في رُبَى الجولانِ واجـمـعـهـمُ فـي بانياسَ فإنّه وأراهُـمُ قَـبَـسُـوا عزيفَكَ مثلما لـم تـنـطفىءْ نارٌ قَبَسْتَ كأنّها فـي بـانـياسَ غدا خيالُكَ طائفاً والـنّبعُ عندَكَ راحَ يجري سلسلاً والـزّهْرُ عُرْسٌ ليسَ أحلى ملبساً والـطـيرُ ينظِمُ في حِماكَ قصائداً فـيـمـوجُ حـقلُكَ بهجةً وسنابلاً وهـنـاكَ في صُمِّ الصَّفا لكَ معبدٌ شُـبّـاكُهُ في الصّخْرِ نَحْتٌ ماثلٌ فـإذا تُـضـاءُ شموعُه وضلوعُه مـن هُـرْمِسٍ قد جئتَ ربّاً للفَلا أوحـيـتَ لـلرعيانِ ما قد أتقنوا يـا صـانـعَ الـمزمارِ إنّك مُلْهِمٌ وسواكَ لم يَفْتِنْ سِرَنْكِسَ والصَّدَى لـكـنْ جَـفَوْنَكَ إذ رأينَكَ صورةً فـطَـفِقْتَ من شَبَقٍ تُبَقْبِقُ كالذي وأراكَ تـشـبهُ أكثرَ الناسِ الأُلَى وأراهُـمُـو لـو يَظهرون حقيقةً وغـدا يُـمَـعِّـي تـيسُهُمْ قُدَّامَهُمْ وَلـطـأطـأوا أسَفاً وما رفعوا بنا * * * يـا بان ُ ماذا أنتَ إذ تحمي الحمى أسـطـورةٌ ؟! قالتها أربابُ الأسَا وكـذلـكَ الـرّومانُ حينَ تَوارثُوا والـيـومَ حين أرى خيالَكَ ماثلاً أصـبـو إلى دنيا الأساطيرِ التي وبـهـا أرى شَـحْذَ النفوسِ وإنّما يـا لـيـتَ ظَلَّ الناسُ في أكنافِها أو أنّ قـومـي راجـعوا تاريخَهمْ أو ليتَ لي وطناً أصوغُ سُطورَه ُ | واعـزِفْ بـمـوسيقاكَ عـذبُ الـظّلالِ لدى وريفِ البانِ قَـبَـسَ الـمضيفُ النارَ للضيفانِ نـارُ الـغـرامِ شـهيّةُ الأشجان يـا بـانُ فـوقَ السّفْحِ والوديانِ ويـبـوحُ مـثلَ رفارفِ الألوانِ مـنـهُ ، لـبستَ رُؤاه في نيسانِ مـنـثـورةً نُـظِـمتْ بلا أوزانِ وبـلابـلاً تـشدو على الأغصانِ ضَـمِـنَ الـخـلودَ لصانعٍ فنّانِ يـزهـو بـحُسْنِ النّقشِ والإتقانِ يـمـحـو سَـناها ظلمةَ الأكوانِ والـغـابِـوالـصَّـيّادِ والقُطْعانِ مـن عـزفِ نـايٍ شائقِ الألحانِ ألـهـمْـتَ رقصَ الغيدِ والغلمانِ وبـثـيـسَ بالعزف النّدِي الفتّان شـوهـاءَ مـن جَدْيٍ ومن إنسانِ فـي الـغـابِ يرعَى زانَهُ قَرْنانِ سَـتَـرُوا طـبـيـعتَهم بِزِيٍّ ثانِ لَـمَـشَـتْ بـهم رِجْلاهُمُ وَيَدَانِ وَهُـمُ يُـمَـعُّـونَ بـغـيرِ لسانِ صـوتـاً ، وكـلٌّ مَـرَّ كالخَزْيان * * * والـضـأنَ والمِعْزَى من الذُّئبانِ طـيـرِ الـقديمةِ من بني اليونانِ مـا رَسَّـخَ الـيونانُ في الأذهانِ بـتـخـيّـلي كالحُلْمِ في الأجفانِ أثْـرَتْ بـنـي الإنسانِ بالوِجدانِ شَـحْـذُ الفؤوسِ يكونُ بالصَّوّانِ يـسـتـلـهمون الفنَّ في الأزمانِ فـي الـشـامِ قـبلاً شامةِ البُلدانِ قَـصَـصَاً أتيهُ بهِ على الأوطان | للرُّعيانِ