الخمسون
محمود النجار *
[email protected]أمـطرتُ بؤسا على يوم مضى فاني
مـا كـنتُ إذ طوّح الليلُ الهوى ملَكاً
ضـيّعتُ من عُمُري المحزونِ أمثلةً
مـا الـعمرُ بعد رفيف الوجْد ذا ألقٍ
قـد فـاتني اليومَ من عمري مطالعُهُ
عـزّيـتُ فـيـه زماني لا مفرَّ إذا
عـزيـتـه ثـمِلا من بوح مضّجِعٍ
حتى إذا ، دنِفاً ، حطَّ الهوى ومضى
يـا ضَـيعةَ العمر فيما كنت أحسِبُهُ
ضـيّـعـتُـهُ ثملاً نشوانَ ذات سنىً
يـا ويـحَـهُ المتنبي - حين أرّقني
بـكـى الـمشيبَ ولم يُعقَدْ له سببٌ
مـا بـحتُ بالخوف لكن لا خفاءَ لهُ
قـد كـنتُ في كدَرٍ عمري وأسترُهُ ؛
حـتـى بـكـى زمـني فيما أغالبُه
مـا أبْـتُ مـن وجـع إلا إلى وجع
ألـفـيـتُني حَجرا والشعرُ ذاتُ يدي
أرثـيـكَ يـا زمـناً لانت له هُدُبي
خمسون عاماً مضتْ لمحاً ، بلا أمل
مـا أعـسـرَ الـحالُ إلا خلتُه فرجا
لـبنى امّحتْ أبداً من خاطري وسلا
قـد كـنـتُها دمَنا الْيجري بنا سَرَبٍاً
حـتـى الـتقيتُ جبيني لا مضاء له
أدركـتُ حـيـنئذٍ أني التقيتُ دمي
حـطّـمتُ ، من قلقِ المرآة ، ساكنَها
فـارقـتُ ، مـنتعلا قلبي ، بلا أمل
عـيناي ما عبئتْ بالجرح مثلَ دمي
أفـلـتّ مـنـهـا ولم أبرحْ يعذبني
يـا حـسـرةً جمعتْ من كل داهيةٍ
لـلـهـمّ خـذ بـيدي وارحم بعافيةٍفـأوجـس البرقُ مني رعدَ أحزاني
بـل كـنـت ملتمساً فيه الغدَ الجاني
مـن الـشباب الذي بالوهم أغراني
إلا صـبـابـةُ كـهلٍ نبضُه الفاني
ألـفـيـتُ كـلَّ صـهيلٍ بَعدَهُ واني
عـزيـتُُ ؛ إذ ربما كان العزا الثاني
لانـت لـه الـفُرش لولا كزُّ أسناني
واسـتـسـلم القلبُ للتبريحِ عزاني
طـعـمَ الـحياة ولونَ الزنبقِ الداني
لـم أدرِ بـالـقـادمِ الـحتميِّ يلقاني
وعـدُ المشيب - بُكاه الشيبَ أشجاني
فـكـيـف إذ في رماد الشيب ألقاني
لـم يـسترِ الشيبُ ما أخفاهُ وجداني
الـبـشرُ في حَدَقي والحزنُ جُواني
لـمّـا غـدا عَـلـني والسرُّ سيان
لـلـخوف أسلمني بالخوف أوصاني
والـحـزنُ قـافيتي والبَوحُ تحناني
واحـدودبـتْ عـنقي وانهدّ بنياني
روحي بها احتُضرتْ وانسدّ شرياني
مـن بعد عسرٍ ؛ وإذ بالعسر عسران
روحي الذي ، عجبا ، بالأمس أحياني
لا الـعذل يولعني ، لا الوصل يأباني
تـعـلـوه شـاحبةٌ ، يعروه شجان
لـبـنـى بـه شبحٌ قد ضلَّ عنواني
قـيـدٌ عـتيقٌ هوى ما كان يهواني
قـد غـالني سَقمي ، وانهار إنساني
عـيناي ما نزفتْ ، بل نزفُ كتماني
بـيْـنٌ ذبـيحٌ وجرحٌ راعفٌ عاني
مـا كـنتُ مصطبرا من غير إيمان
روحي التي انفطرتْ يا واسع الشان
* رئيس تجمع شعراء بلا حدود