تنهّدات
د. مصطفى عبد العزيز العاني
وقعَتْ على أرضها أدمعي قبل ناظري.. (عانة) مدينة الطهر.. حين زرتها في صيف عام 2009م، بعد أن انزاح عنها –معتذرًا- النهرُ الذي أغرقها، وانحسر مطأطئًا بعدما عزّ عليه أن يحني رؤوس النخيل فيها، حيث ماتت واقفة كما مات أجدادي الذين غرسوا نخلها وطيبها.. وطهرها.. ومنه ارتوى أهلها، وحملوه إلى الدنيا.. فارتوت..
همسات عتاب إلى نهر الفرات.. وكلمات إكبار له وهو ينحسر عن المدينة الساحرة.. المغرقة
لا، لست أعلم أيّ جرح بدّلكْ؟
وجراحنا، أيّ الجراح
عقودُ نحسٍ أرغمتك لتقتلَك
ولتقتلَ الأرضَ العطاء
وتخنق الأزهار
توصد مدخلَك
وتسدّ قرصّ الشمس
تقطعُ خيطها
وتقصّ أجنحة المَلَك
يا نهرُ، قد أذنَ الرحيل
فلستُ لكْ
لا، لستُ لكْ
**********************************
ماهكذا يُطوى الحنين وسحر أشعاري..
تحاكي أنجمكْ
أقريحتي وَجَمَتْ؟ أكلُّ قصائدي احترقت؟
أين الزهور بكفّكَ الفيّاض
يعتصرالصباحَ من الحلكْ
أين الشفاه ترتّل الآهات، ثكلى
تستميح لتسألكْ:
أهي النهايةُ؟ أم سيجري مرة أخرى الفلكْ؟
أنا لستُ لكْ
************************
أنا مثقلٌ، تحكي رواياتي العصور
وتنطوي مابين أضلاعي الجراحُ لتحملَك
توّاقةٌ عيني.. تراقب أي درب قد سلك؟
لهفي عليك
على الصبا.. ملهى الصبا
قلبي يغازل مقلتيك
ويفتديك بما ملك
كانت تراتيلي هناك..
على جبينك.. فوق رملِك
في الصدى المخنوق من زمن هلك
إني هنا.. إني أتيت لأسألك:
ما غيّرك؟ ما بدّلك؟
ماكنت أستجدي لأغفرَ زلّتك
أنا لستُ لك
*****************************
أَهُنا البساتين التي كانت مدلّاة الغصون
وها هنا كانت نواعيرٌ تغني للسمك؟
أَهُنا الصباح يغازل الضحكات
يختلط الخرير بعذبها
يحكي الجنان
روحي الفداء لكلّ ثغرٍ ضاحكٍ ولكلّ فكّ
أَهُنا على رمل الشواطئ كان يلعب صبية
وبكلّ رملة شاطئ.. في كلّ ساقية
يُسَبِّحُ في جوانبها مَلَكْ
سِحْرٌ حلالٌ .. ثورةٌ.. تغريك
تغري قلمَك
تستدرجُ النزوات بالشعر المباح
تثير أقلامي ومحبرتي.. وشجوي
هَيتَ لك
***************************
يا أيها الناي المكسّر
كم عزفنا في الخطوب
وكم تراقصت الجراح
فصيّرتني اللحنَ لك
كم أسهرتني تحت قبّتها الهموم
فجئتُ ألتمس الهوى.. وأناملَك
قد جئت ألتهم التراب
أنام تحت عريشة كانت هناك
أفتش الماضي وأوراقي
وأبحث عن عصا جَدِّي
أفتّش عن أباريقي
فألقاها مهشّمة
فأنشد منهلَكْ
*****************
جفّت سنون
يعتريني قيضها.. فظمئت لك
جرداءُ يا(عاناتُ)
تبكيك السنون
وقبر جدّي ثاويًا ما غادرك
تبكيك نفسي.. مهجتي
يبكيك كلّ الكون..
يبكيك الفلك
يا ليل قد أثقلت
ياليل الهوى.. ما ألْيلَك!
يا ليتك الساقي هوانا يا فراتُ
وليت تعتصرُ الصباحَ من الحلك
لأكونَ لك