أيقونات لعائلة القلب
أيقونات لعائلة القلب
شعر: سمر علوش / سوريا
إلى أمي :
تأتي السماءُ إليَّ
لا كالطيرِ محمولاً على جنحينِ
تأتي من شقوق الريح ِ
أو من حكمةٍ أدنى قليلاً
من حديثِ الغيبِ في الليلِ الطويلْ .
تأتي إليَّ فراشةً زرقاءَ
تحملُ من لغاتِ الغيم شعراً بابلياً
أو فراديساً تسيرُ على خدود النيلِ
تتبَعُها الجدائلُ
والسَّنا ظلٌّ ظليلْ .
تأتينَ يا أمّي
فتفتَحُ سلَّةُ النّجماتِ كفَّيها
لأخطفَ ما يشاءُ القلبُ
من ضوءٍ وريحانٍ
وحُبٍّ أخضر النسَّماتِ
ضمّيِني إذا شاهدتِ ورداً ذابلاً
في بركةِ العينينِ
ضمّيني
وَرُدِّي بُردَةَ النّيِلِ الجميلةِ
فوق بردِ قصائدي
لينامَ شِعرٌ دافئٌ قربي
وينكفئَ الحجابْ .
عيـناكِ أيَّتـها الرسـولةُ نجمتا ليلي وأشرعتي إذا الميناءُ غابْ .
أحتاجُ صدرَك كي يضمَّ طفولتي مازلتُ سنبلةً ، وتبقينَ السَّحابْ
* * *
إلى أبي :
منذُ البكاءِ حضنتُ صـوتَك آيةً أرجوحتي الأولى حدائقُ ساعديكْ .
سـأبوحُ للأزهارِ أنَّ قصائـدي جمعتْ رحيقَ ربيعها من راحتيكْ .
وسيعرفُ القمرُ المطلُّ على المساءِ السرَّ
من نورٍ يشقُّ حجابَ هذا الليلِ
نورٌ ينزفُ الوقتَ الطويلَ
على اشتعال الحبِّ في قنديلنا
وعلى وقوف السنديان على يدينا .
لابدَّ من سردِ الحكايةِ
تحت مرأى الغيمِ
كيما تدركَ الأمطارُ يا أبتي نداكَ
فتحتفي بولادة سحرية
لهطولها عطراً علينا .
لابدَّ من سردٍ لقصةِ بردِ روحكَ
حين ربَّيتَ الطفولةَ في أصابعنا
على الدفء الجليلِ
ليحفظَ الكونُ الحكايةَ
ثم يقرأها على شمسٍ
مذهَّبةِ الكلامِ
فلا تقيمُ لدفئها بيتاً
على أرضٍ سوى أحلامنا
لابدَّ من كشفٍ
ليبصرَ ذلك النَّزَقُ الطفوليُّ العنيدُ
جِنانكَ الصوفيَّةَ الخضراءَ
يا أبتي
فخَلِّ الكوثرَ الأبويَّ مُنْسَكِبَاً
لنرتشفَ اليقينا .
* * *
إلى إخوتي :
من نخلتينِ تعلَّقَتْ بهما السماءُ
تهاطلتْ سبعٌ من النجماتِ
كنتُ كبيرةَ الضوءِ المشعِّ
من ابتساماتِ البقيَّةِ
كان بيتٌ ـ تذكرون ـ جُنَينَةً
وأظنُّ جنَّتَنا التي قيلَ ادخلوها آمنينَ
وكانَ بيتٌ لا يعذبُّنا تعلّقُهُ بزندِ الشَّمسِ
بالبحث الطويلِ عن الظلالِ .
كم مرةً ـ هل تذكرونَ ـ غفا المساءُ
ونحن نرقبُ شرفةَ الألحانِ
قد تأتي لنا فيروزُ
بالقمرِ الجميلِ
وخصلةً من شَعرِ ريما
ثم دارتْ دارُنا فينا
ولازالت أسامينا على الحورِ العتيق ِ
وصارَ بيتُ القلبِ
منديلاً من الدمعاتِ
في كفِّ الخيالِ .
يا صبحَنا المنثورَ فوقَ صحائفِ الذكرى
ويا ليلِ الألقْ .
هذي ظلالُكُمُ الحبيبةُ
بين روحيَ والحكايا
كيف ينساني العبقْ ؟
سأظلُّ عمراً ثانياً ما تشتهونَ
وما يريدُ هواكمُ من راحَتَيّْ .
قلبي وروحي
كم أودُّ بأن يصيرا غيْمةً
ليرفَّ طيرُ عبيرها
حول ابتسامتكمْ
ويقطفَ ما على شجر الأماني
من هوى أحلامكمْ
وأودُّ لو صرتُ الدروبَ
إذا مشتْ خطواتُكمْ
تمشيْ عَلَيّ .
قلبي سيسبقكُمْ بنبضٍ طيِّبٍ
ليصيرَ قنديلاً
تشفُّ بنورهِ الحُجُبُ القديمةُ
هكذا نغدو الرسالةَ
والنُّبوَّةَ ،
حين يفتقدُ الزمانُ
إلى نَبِيْ .
* * *
إلى عمر إدلبي:
باقةً .. باقةً
كنتُ أجمعُ عطرَ الحديقةِ
ثمَّ أمرِّرُ كأسَ النّدى السكَّريِّ
على شفةِ الوردِ
غافلَني النومُ في ظلِّ داليةٍ
خبَّأتْ خمرَ عنقودها العذبِ
ياقوتةً فوق صدرِ السَّمواتِ
فاهتزَّ حلمٌ قبالةَ أنغامِ غفوةِ قلبي
ونامَ إلى أن أطلَّ على نجمةٍ
تتراقصُ في ضوء هالتِها
ثمَّ نامَ إلى آخرِ الذوبانِ
على سمرةِ الأرضِ
والأرجوانْ .
كان أن سألتني العصافيرُ
حين أفقتُ وأنتَ بقربيَ
كيفَ إذنْ
قمرٌ لم يزلْ صاحياً
والصّباح استوى فوق مقعدهِ اللازورديِّ ؟
من أيِّ غيمٍ
تساقطَ هذا الشتاءُ
الربيعُ ؟
ومن أيِّ نورٍ تَخَلَّقَ
حتى غدا للشموس ظلالٌ ؟
وهل سيقيمُ فصولاً أشدَّ لهيباً
بقربِ زغاريدنا
لنُخَبِّئَ في صدرهِ البيلسانْ ؟
حيَّرتني العصافيْرُ
كيف تسائلني
عن مدىً أخضرِ الروحِ
عن نسمةٍ تغرقُ الكونَ بالشِّعرِ
والحبِّ
والسنديانْ ؟
غيمةٌ يا حبيبي
ونورٌ على نورِ نخلٍ يضيءُ
إذا مسَّ ماؤكَ قلبي
ورحتُ أطوِّفُ في سوسنٍ من يديكَ
أحبكَ حتى انهمارِ النجومِ على راحتيَّ
وحتى اشتعالِ السمواتِ بالأقحوانْ .