قاسيون وصفحة من التاريخ
قاسيون وصفحة من التاريخ
ابن الفرات العراقي
[email protected]سَـطـر الخلودِ على رُباك يُوثقُ
وفـمُ الزمانِ مدى القرونِ يقصُّها
تـلـك القِلال لِمَنْ يشاءُ مسارحاً
وحـضارةٌ ماناشَ شامخَ عصرها
فـهـنـا أمـية مجدُ نورٍ غامرِ
جـبـلٌ تـزيَّنتِ الدنا وتبرّجتْ
نـشـرَ الذوائبَ في فُجاج فضائِه
مـلءُ الـسـمـا أنفاسُه مبلولةً
فـيـاضةً خفقتْ رفيف َ حشاشةٍ
مـمـتـدّةٌ آفـاقـهُ فـي بـاذخٍ
طـالـت أعـالـيه فلاحَ مزنراً
فـيـكادُ يُمْسِكُ في تلابيبِ الفضا
فـتـراه مـمـتـدّاً بأفقٍ شامخاً
عـصـبتْهُ أضلاعُ الرجال مهابةً
مـاكَـلّ مـن جودٍ يَمُدُّ إلى الملا
ألِـفَ الـوفـاءَ وما تأخّرَ مُترِباً
سـدّا لـمـيـلاد الكرامةِ قد دَحا
فََـدمُ الـكـرامةِ مهرجانُ عطائِه
طـوداً رأيتُ السحرَ في أعرافِه
وتـرى بـه زمرِ الوفودِ مواكباَ
ويـبـوحُ من ألم الحنين مرجعاً
وبـه ترى العشاقَ لهفى قد سَعتْ
وبـه الـحياةُ تواكبتْ في موكبٍ
صـورٌ مصورةٌ جلاها من جلى
فـي كـل قـلـب لهفةٌ مدفونةٌ
وبـكـل نفسٍ سرُ كونٍ ما انجلى
أسـرارُه خـفـيت دقائقُ أمرها
واسـتـغـلـقتْ أبوابُه مرقومةً
بـانـت دمشقُ عروسةً مزفوفةً
تـرفـاً ويـمـرُقُ بالعبير مبللاً
ويـلوحُ من (حطينَ) وقعُ بيارقٍ
* * *
يـا قاسيون ،وناظري لم يحتجبْ
ومـرارةُ الـزمنِ المريرِ حملتُها
بـلـدي احـتراقٌ والدمارُ أنسيهُ
سـتٌّ وفـينا الموتُ أصبحَ لعبةً
وهـوايـةُ الشذاذ في عصرِ البغا
وحـكـومةٌ زرعت أساسَ دمارِنا
واللاهثون على الكراسي تزدهي
والـسـارقون كروشُهم متخومةٌ
لا شيء في اللاشيء جلّ همومهم
وحـقـائـبٌُ بـحقائبٍ ملغومةٌ
إيـه دمـشـق أنا الحريق وناره
الـفـوضـوية قد علت أركانها
وطـنـي جـراحٌ أيـنعتْ ريانةً
إنـي العراقيُّ الذي رضعَ الأسى
وطـنـي مـباحٌ قاسيونَ ومتعَبٌ
أمـطـارنـاعـطش ونزف مآتمٍ
وطـنٌ أنـا .ودمٌ مـشـاعٌ يُتمُهُ
وطـنٌ وعُـريي يستباحُ .أباحَهُ
ودمـي سـفـيرُ مواجعٍ مشلولةٍ
يـا قـاسيون حملْتُ ألفَ حكايةٍ
عـريـانـةٌ روحـي تشدُّ نزيفَها
نـظـري بأفقك سارحٌ وعوالمي
مـتـوغِّلٌ أسعى بمنهمرِ الجوى
عصفت بي الذكرى وثارتْ جذوةٌ
فـتـسعّرتْ حرقٌ بموقدِ مهجتي
فـسـبـاقُ موتي ما انتهى مُعتلةٌ
يـا قاسيون ، كما وقفت مطاولاً
بـإرادة .نـبـتـتْ سنابلَ عِزّةٍ
وقـفوا بسرحِكَ صرخةٌ دوّت هنا
مـن هـا هنا .يوما اطلوا أخوةً
أِنّـا عـرفنا الدرب كيف نخطهُ
سـاروا يجرّون الخطى بدوارعٍ
فـاضوا على الدنيا بدفق عروقهم
مـدّوا لـمـيـلاد التحرّرِ أنفساً
جـاءوا بـكـل خوارقٍ وخرافةٍ
مـا شـحَّ من جهدٍ وضاقَ بما به
فـعـيـونـهم مكحولةٌ بسهادها
* * *
يـا قـاسـيون خلعْتَ أبهى حلة
نـادى بي الشوقُ الملحّ فصفقتْ
أعـيـا الـفؤاد ولم يسعْ إدراكهُ
فـالحب بذلٌ والقلوبُ بها الرضا
والـحـب فيضٌ والنفوسُ شواهدٌ
عـجـبـي بجنتك التي بسفوحِها
ولقد وقفتُ وقصّرتْ بي خطوتي
فـرأيـت فيك ملاحما مسطورةً
وهـنـا أمـيـةُ لم تزل آثارها
نجري حيالك قاسيون على الظما
جـئـنـا نزورُك خاشعين تحفنا
والـشـوق يـفري للكبود لهيبهُ
بـاءَ الـلسانُ بما يجيءُ فصاحةً
عـذري فـنفسي بالهموم تقنعت
سـأعـيدُ نفسي كي أُلمْلمَ ما بهاوحـروفُـه شـفةٌ تبوحُ ومنطقُ
دنـيـا الـفـخارِ حكايةً ويُنمِّقُ
درجَ الـعـلى فيها وشبَّ البيرقُ
درنٌ وجـابـتْ لـلـمفازةِ بُلقُ
مـازال يـلمعُ في ثراها الروْنَقُ
سـاحـاته وبهِ اكتسى الإستبرقُ
وتـعـطـفـتْ محبوكةً تترقرقُ
يـجري رخياً في الجوانحِ يَعبقُ
وهـنا النسيمُ على التأرجحِ يُغدقُ
وبـه جـلالُ الله قـدراً يَـسْمَقُ
وعـلى بساطِ النورِ يسهَرُ مُغْرِقُ
ويَـنـالُ أجوازَ السماءِ ويلصقُ
مـن دونـه ثـبجُ الغمائمِ تمرُقُ
حـبـاً وعـيـنُ الله فيه تُطوّقُ
كـفـاً لِـيُسْعَدَ في الحُطامِ مُمَلّقُ
يُـعـطي ويمنَحُ ما يشاءُ وينفِقُ
غـولَ الخطوبِ وكم تشرذمَ فيلقُ
مـادامَ فـي جـنبيهِ قلبٌ يخفقُ
والأفـق مـربدُّ الجوانبِ مُحدِقُ
وتـخـفُّ من طربٍ به وتصفِّقُ
شـاكٍ ومن نزف المواجع يشْرََقُ
فـيـها جموحُ الشوقِ وجداً يدفقُ
صـوراً مـحـلأة الفنونِ توثقُ
سـحـرٌ وتـأنسُ بالبهاء وتغسقُ
وبـكـلِّ روحٍ عـالَـمٌ مستغلَقُ
غـنـيتْ بغمرته الغيوبُ تُحققُ
عـنّـي وخـابَ بما يرومُ مَحققُ
فـيـما تخفّى حيت طاشَ مدقِّقُ
وعـلـى بـساط باللآلىء تََغرقُ
بـردى ويـغفو الياسمينُ وينتُقُ
(وصلاحُ) في سبق العوادي يَسبقُ
* * *
لـكـن بـروحـي شهقةٌ تترنَّقُ
جـسدا .ومنها نونُ حرفي يُطلقُ
وعـلى رصيف الذكريات نفرَّقُ
وبـه صـنـوفُ الوالغين تدققُ
سـحـتٌ .ويـدرأُ للمفاسدِ منطقُ
لـمَّـا تـزلْ لـلأمرِ فيه تُحققُ
لـيـلاتُـهـم .وبهم يُكابرُ بيد قُ
والـشـعبُ مقتولٌ يُداسُ ويًحرقُ
كيف البطونُ من الحرام ستُرزَقُ
فـيـهـا أمـاني الجائعين تنسّقُ
أهـلـي .وفينا ألف موتٍ يُخلَقُ
وبـهـا تـفنَّنَ ما استطاعَ مُعتقُ
ودمُ الـشهيدِ على الشوارع يُورِقُ
وبـه انكسارُ الروح مما أغرقوا
وبـه نـيـوبُ الـنائبات تُشققُ
وبـنـا أعـاصـير الدمارِ ترنقُ
حـتى القبورُ على مماتي تشهقُ
صـلـفُ الـذيـن دناءةً تتعملقُ
غـرزتْ بصدري مديةً لا تشفقُ
وحـكـايـةٍ .وأنا طريقٌ مرهَقُ
وجـعٌ جـراحـاتي تسلُّ وتوبقُ
غـيـبـيـةٌ .بطوافِها مُستغرقُ
فـي مـوقـدٍ حرُّ الجوانحِ مُطبقُ
تـحـتَ الجوانحِ جمرُها يتشرنقُ
ولـواعـجُ الأشـواقِ هَـمٌّ مُقلقُ
مُـدنـي .وفـيها ما يزالُ تدفّقُ
سـيـظـلُّ يـعيا بالعراق مفلّقُ
حـتـمٌ عـلينا البذل ليس تشدُّقُ
جـازت .لـبـغدادَ الرشيدِ تُحلّقُ
وعـرى العروبة والدما لا تمحَقُ
بـدمِ الـرجـالِ الثائرين نصدِّقُ
حـتى يرى فجرُ الرسالة يُشرِقُ
والـى الـجـلا أرواحهم تتحرّقُ
شـمـخـتْ .تفيضُ كرامةً تتأّلّقُ
مـا زلّ واحـدُهم وأُوهنَ مرفقُ
بـابُ الرجولةِ ما التظت لا يُغلَقُ
وطـريـقـهـا للسائرين يؤرِّقُ
* * *
حـولي يفيضُ بها الجمال ويغْرِقٌ
روحي .وخفَّ بي اللهيبُ المُحْرِقُ
فـغـدتْ عـجائبُ وجدِهِ تتنسّقُ
حـالٍ . ومـيزابُ الهوى يتدفّقُ
يـبـلـى الزمانُ وثوبُهُ لا يَخلقُ
لـلـوافـديـن على المدى تتأنقُ
عـنـد الـسفوح بلاعجٍ يتشوّقُ
تـجـري بمضمارِ الحياةِ فتسبقُ
عـظُـمـتْ مقاماً والشواهِدُ دُفقُ
وتـقاطرت فيك الشخوصُ تحدِّقُ
فـيـك الـمهابةُ والنفوسُ ترنُّقُ
وأراه مـن عـجبٍ بنا لا يَرفِقُ
وعـصـى البيانُ كأنه لا ينطقُ
عـجـزت غواربُها وغابَ منمِّقُ
عـلـي بمحبوكِ الحروفِ أُوَفقُ

