جنين.. سنديانة بيعتنا

م. صالح الجيتاوي

جنين.. سنديانة بيعتنا

م. صالح عبد الله الجيتاوي

[email protected]

للردى أن يقول الكلام الأخير

للشهادة أن تغسل اليوم أطرافها

برحيق البهاء

وتنسى التعب

وللأمنيات العرب

لا عتب

غمس الذل خنصره

في دماء الشهيد المسجى

تذوق أطرافها

هز رأساً أطاح بها عسكر القهر

منذ زمان بعيد:

لا نسب

ومضى موغلاً في غيابات صحرائنا

يستحث قوائمه للعدم

عثر الذل بين الذهول وبين التعب

خر للجبهة المرهقة

شجّها الحجر المستفز أسى

في دروب تلوب على نفسها أسفاً

مسح الذل جبهته بيد راعشة

لا دماء

ولا الشوك بلل أطرافه

من أخاديدها

بدم أو عرق

جبهة ناشفة

نشفتها براهين فرعون منذ الطفولة

أي خشب

يا عرب

يا عرب

يا عرب

عندما هبت العاصفة

شجر الزينة المستعار انحنى

ليقبل أقدامها

والسراخس راحت تمجد

(نعمة) خستها

لا جذوع لها

لا فروع لها

لا أصول لها

لا يراها أحد

هي نخلتنا وحدها

بقيت واقفة

نازفة كالغمام

ولكنها واقفة تتجلى لوعد السماء

وتمتد أعراقها في القلوب

وتهزأ بالعاصفة.

تقيم الطيور على حقلها

مهرجان الحياة الأثير

وتأوي إلى السعف الحر

ترشف قطر الندى الأحمدي

وتزكو العذوق

فديتك يا نخلة العز

حين مددت أياديك

في الوطن المستباح

جرى النهر ثانية

وحامت مهور الشهادة

تكتب بين المخيم والبحر

قافية للخلود

وترسم فوق القلوب

(جنين)

شفيعتنا الماجدة

وعادت حقول الكرامات

ترفع رايات (حطين) أشرعة

وعلى (عين جالوت)

(محمود) صلى وكبر ثانية

(ويعبد) طارت بفارسها

(العز) بين الغمام

عليك السلام..

وسالت كتائبه

تغسل القدس من دنس الأشقياء

وتزرع في جبل النار

سارية الفداء

وحين أقام المخيم طقس الإباء

ورتل الجنازير

والطائرات

وموج الصواريخ

مجنونة الكلمات

تجلى على النار في كفن الشهداء

وراح يبرطم (تركي)

أطلت على الكون شمس الفتوح

وخط الزمان شهادة مستبصر:

هنا أفلت دولة الغاصبين

هنا أدبرت ريحها

وهبت نسائم (بدر) على القدس

تمسح دمعتها

وتمسد خصلة شعر

تدلت على جبهة النور

تفضي بسر اللقاء القريب

(جنين) حنانيك

قلبي تصدع

من ذا يطيق جمالاً كهذا

ومن ذا يطيق جلالاً كهذا

وكيف تقر القلوب العطاش لخفقة عز

وقد رفرفت في الحنايا

طيور مواسمنا

عرائس أحلامنا

قناديل بهجتنا المستحيلة

يا فرساً ما سباها دخيل

ولا مسَّ عفّتها طامع

وفتيانك الغر

أسيافك الحمر

مشرعة بالردى

تلوتك قربان منزلة في سماء الندى

رفعتك راية أمنية حائرة

ترقرق من حبة القلب

كالدمعة الحائرة

متى يستقيم المسار الذي زاغ عن شمسه؟

متى يرجع الغائب المعتبر؟

مثابة أفئدة لم تزل

منذ قرن تهيم مع الكلمات

وتهتف للمنتظر

تشققت الكلمات مراراً

وسالت على الصخر مثل المطر

ولكنها كلما قام (مهديها!) الكاذب

ابتدأت بالخبر

فما اكتملت جملة

وقد فقدت مبتداها

وهامت على وجهها

في ثقوب البلاغة

بين القبائل

تكنسها كل حين

رياح الاخر

(جنين) تبوأت عرش الكرامة

في زمن

لم يعد للكرامة جحفلها

ولكنه حجر طاهر

كضمير الصباح

وبعض رصاص

كزيتون عينيك

والمعجزات

وقلبك يا سنديانة بيعتنا

كريما كوجه مروجك

صلباً كبعض صخورك

والسابقون الذين يكاد الزمان

بهجرتهم في ضحى الراجمات

لرب السموات

يذهل عن نفسه

بأي خشوع يقارب هذا الجلال

وفي أي غيمة عطر

يخبئ وجه (أبي جندل)

عن عيون البنات

فما عاد في الأرض حسناء

تسعفها الأمنيات

وقد عقدت في السموات أعراسه

وقام على الصحب جبريل يرفع غرته

سلام على من أقام على الثغر

لا يستقيل

ولو أجلب القرظي

ونادى على خيل (كعب)

وخيل هرقل

ومادت به الأرض وانكسر السيف

فالقلب سيف وترس

وأسياف قومي

تزين أحذية الراقصات

وتلمع فوق جيوب اللصوص

وتكتب بالدم سطر الممات

سلام على من أكب

على حفنة من تراب (جنين) وذاب

ليبعث عبر الزمان شذى عطرها

تكاد النجوم التي سهرت في شوارعها

على قدم الرعب

تسكر من خمرها

إذا جئتها ذات يوم

توضأ بأنفاسها

وارتشف من كراماتها

تلمس شهود القيامة

بين الركام

وبين الحديد

أصابع طفل

وقمباز شيخ

ومفتاح علية من علالي الجليل

تلمس شهود القيامة

في معصم طارت الكف عنها

مع الريح

تصفع وجه الخيانة

رهط ثمود

وعين شهيد على جذع دالية تستقي

وتدير كؤوس الرضا كل عيد

إذا جئتها ذات يوم فقبل ثراها

وحنِّ يديك

هنا هتف العز منتسباً

لخيول النبي

هنا حل تاريخنا يستجم

هنا عبر الوله المقدسي

هنا أشرق الفتح

وانحسرت موجة الهمجية مثل الغبار

هنا البشريات

هنا ستموج السنابل يوماً

مع الميجنا والعتابا

هنا..

هنا سيلقن شيخ الطريقة

أتباعه

نسك الاحترام

لسادتنا في تراب (جنين)

ويطوي الكتاب

على سورة الفاتحة.