وتبلّل ثوب السّلطان...

عمر البوسعادي

وتبلّل ثوب السّلطان...

 قصة حوارية شعرية خيالية من نسج الواقع

عمر طرافي البوسعادي* / الجزائر

[email protected]

 ذَبـُلتْ أزهارُ الحريّه

في زمن السّيف المصقولْ

في قبضة أنجمِ ليلٍ أزرقْ

وفضاءٍ أحمرَ مصبوغْ                    

تتوقّدُ حمرته بالخضْب وتذكو

من دَمِ شَاءِ القطعان

في البلدان العربيه

جَنّ اللّيل فصاح السّيفْ:

ـ جبروتي عزّ السلطانْ

    وشريعة غابي

   تقصي الأديانْ

   أقهر كلّ عزيزٍ بانْ

   يرفض إذعان التّبعيّه ...

     ****

ويطلّ الفجرْ

بنهارٍ أسفرَ عن وجهٍ أصفرْ

في يده غصن الزّيتونْ

صاحَ ينادي ثانيةً:

ـ يا من دبّت قدماه

   فوق الأرضِ

   وتحت الأرضْ

   أنتم أحرار ٌورعيّه

   نحميكم بطش الأعداءْ

   نحن الأرباب بقوّتنا

   نحن الأسيادُ بعزّتنا

   نكفل شمس الحريه

   للإنسانِ

   و للغربان المنكودينْ

   عفوا..

   أقصد... للعربان المنكوبينْ

أرأيتم كم يسري في عرق السلطانْ

ودّ ُالأيتام الحنـّــانْ ؟!

لازلّةَ إلاّ تحريك النقطه

تُهمَل في عين الإنسانْ

و تربّع فوق العرشْ

في خُيَلاء الكِبْـر الأعظم ْ

مزهوّا بالبهْو الفاخرِ و الفاجرْ

        ****

تدخل شبدعةُ السّمّ النّافث"إسرالْ"

تذرفُ دمعَ تماسيحٍ كاذبْ

وتصيء بصوتٍ مبحوحْ

تحبسه بالشّهق الزّائفْ

ـ آهٍ يا ملك العدلْ...

   فيجيشُ السلطان ويغضبْ

   للحزن السّافرْ

   ويثورْ:

ـ من يجرؤ عن قرف الآثامِ

   وحوبِ الإصرِ على "إسرال" المسكينه؟

فتجيبُ على الفور بخبثٍ:

ـ غربان الشّؤم المنكوده

   يا حضرة عزّ السلطانْ

وتَصعّدَ من أصداء الزّفره

ما دَرَّ  التحنانْ المنّـانْ

ـ يا "إسرال" الروح ونبض القلبْ

 كم تصمي أنفاسك نفسي

   كفّي عن هذا...

   واروي ما فعل الغربانْ

ـ آه لو يعلم مولاي السّلطان ويدري

   كم أرّق ليلي الغربانْ

   الشّرُّ الأكبر حوصلهمْ

    تحت المنقار المسمومْ

   والهمّ الأعظم ديدنهمْ

   هشمي كالعصف المأكولْ

   لم أَحْتَمِ إلاّ بالغرقدْ

[وتُتِمّ:]

   والمرقد سهْدٌ وهمومْ

   يا سيف العزّ المسلولْ

   أنصفْ "إسرال" الثّكلى المفجوعه

   في خيبر من أيّام النار الحبلى

   بالتّاريخِ الأسودْ

   مازال الجرحُ ينكِّــئهُ

   فورانٌ من غضبِ الدمْ

فانتفض السلطان و قد قدحتْ

في عينيه شراره

تُشْهِرُ حقدَ الأغوارْ

ـ يا للعارْ!

   الريش الأسود يستنسرْ ؟!!

   لالالن يحدث أبدا هذا

   في أرض مُدلـّـلةِ السلطانْ

   يا عربان السَّوْءِ و غربان الشّؤمْ

   سأريكم كيف  يجيء الردُّ

   بجيش العدِّ ...

   و حدِّ الحدّْ...

   من " إسرال" الغالية الكبرى

   أ حبيبة عمري أهديكِ الضوء الأخضرَ

   والأحمرَ..

   والأصفرَ..

   كلّ الألوانْ...

   النّسر الأكبر "إسرالْ"

   والصّقر الأعظم "إسرالْ"

   بيدي يا "إسرالَ" العظمى

   كلّ العربان الغربانْ

   أنتِ الملكةُ في تلك الأرض الموعوده

   أفديكِ بنفسي

   وبأَنفَسِ ما أملكْ

   في أيِّ مكانٍ وزمانْ

فتهلّل في فرحٍ وجه الصّفراءِ

وأزمعتِ اللّسب اللادغَ واللاّذعْ

بالسّمّ القاتلْ

تنفثه في عُرْبِ الأحشاءْ

     ****

وتسير إلى وجْهاتٍ مقصوده

لتنفّذ آراء السّلطانْ

وهْو يعضّدها بالتّرسانة والقوّه

برّا...

جوّا...

بحرا...

كلّ الإمدادات

لكن ما لبثتْ أن عادت تشكو

"بابلَ" ـ تنعتها ـ أختَ الغربانْ

ـ الغوثَ الغوثْ ...

   أدركني يا مولى العزة و الجبروتْ..

تتحدّثُ و الأنفاس يقطّعها

 لهثٌ محسوسْ

و الوجهُ الممتقعُ الأصفرْ

قد جلّى كلّ المدسوسْ

جبنًا ..

رعبًا ..

وشتاتًا في القلب المنكوسْ

ـ ما الأمرُ؟ يقولُ السلطان و يتوعّدْ:

   الويل لمن أفزع نصف العقل المسلوبْ

   يا "إسرال" الحلوه

   لبّبيكِ وسعديك

   وأنا بين يديكْ

   لوما هدّأْتِ الرّوعَ

   و أخبرْتِ السيف المصقولْ

   عن سِرّ الهلع المجهولْ !

تلتفتُ إليه و قد ذرفتْ عبرات الخوفْ:

ـ هل يدري مولانا أنّا أصبحنا ـ نحن وإيّاكم ـ

في خطرٍ من "بابلْ" ؟

ـ مَنْ "بابلْ"؟

ـ أخت الغربانْ

   تمتلك سلاحا نوويا لدمارٍ شاملْ

   يهدفُ أملاك السلطانْ

   و يروم إبادة سحري

   سحر الوجه الفتّــانْ

   و جلالته لا يرضى أبدا أن يفنى

   غضّ الوردْ

   و قطن الثلجْ

   في صبْح الوجه الملآنْ

ـ يا ويلي ماذا أسمعْ ؟

   هل يعقل هذا وأنا الملك الديّانْ؟

ـ أدركْ أدركْ نفسك وانقذني

   قبل فوات أوانٍ أوشك أن يخزي ويذلّ السلطانْ

إنتفختْ أوداج الملك المشحونة بالسّخط الطافحْ

كشّرَ عن أنياب الشّر وثارْ

ثورانَ المجنون الأعورْ 

كالقرصانْ

ـ أخت الغربانْ ..!! تجرؤ عن تهديد العرشْ!!

   لا تخشى صارم فرعونْ؟!!

   قسما بالسّيف المشهورْ

   والعزّ المنصورْ

   و النصر المسطورْ

   إنّ عذابي  بالبطش شديدْ

   سأسير بجيشي الأزرق و الأحمرْ

   مصفوفا بالنجم اللاّمعْ

   فلأغتصبنْ أخت الغربان بساحتها

   حتىّ يغشاها الذّلُّ

   ووصْم العارْ

   وسأشهر سوْءتها

   في كلّ الأمصار العربيه

   كي تفقه معنى الثار

   من هيمنة الأقدار

     ****

وتحرّكَ جيش الفجّار

نحو العذراء يؤدّبها

عن جرم القرْف المجسار

ولأنّ العذراء أبيّه

صدّتْ جيش الكفّارْ

صدّا قد هال الأشرارْ

فاغتاظوا حنقا وبليّه

وازداد العدوان الصّارخْ

حتى سقطت "بابلُ" مغشيّه

وتحطّم عصْم الأسوارْ

وتغنّتْ "إسرالُ" بهذا اليوم الموعود

و الظفر المنشودْ

لكنْ ما إن ملأت نخب النّصرْ

في قهقهةٍ كبرى

تشكر آلاء السّلطانْ

حتّى سمعا وقع حوافر خيل الفرسانْ

جلجل في أفق العربانْ

يحمل صهوات الإسراءِ

 إلى "إسرالْ"

وصهيلَ العذراءِ

 إلى السّلطانْ

سقط الكأسُ وساح النّصرْ

وتبلّل ثوبُ السّلطانْ...

 

 

تمّت بعون الله يوم:18/02/2005م

          

* عمـرطرافي من مواليد 30/06/1977 ببوسعادة ، تلقى تعليمه الابتدائي بمسقط رأسه وتدرّج في التعليم حتى نال شهادة الباكالوريا سنة 1995 بتقدير " قريب من الجيد " في علوم الطبيعة والحياة.

ـ  درس في كلية الطب بجامعة سطيف ولوعكة صحية أجبرته على التوقف بعد عامين من الدراسـة

ـ  درس في كلية الهندسة بالمسيلة كمهندس لتسيير التقنيات الحضرية مدة عام ونصف بيد أنه راوده الحنين لعالم الصحة فعزم على إنهاء هذا المشوار .

ـ  تحصّل على شهادة باكالوريا ثانية عام 2000م في علوم الطبيعة و الحياة وولج بها مدرسة التكوين شبه الطبي بالمسيلة ليتخرج منها كممرض حاصل على شهادة دولة الأوّل في دفعته عام 2003م.

ـ تحصّـل على شهادة باكالوريا ثالثة عام 2004م في الآداب و العلوم الإنسانية لينتقل إلى كلية الترجمة بقسنطينة و لظروف خاصة اضطرّ للتوقف .

ولع منذ صغره باللغة العربية و آدابها فكان يحفظ من الشعر الجاهلي ودرس النحو على شيوخ المدينة ولعب الكتـّـاب دورا هاما في التنشئة الأدبية و الإسلامية المعتدلة بيد أنّ قريحته الشعرية لم تتفجّـر إلاّ في أواخر عام 2003م الأمر الذي أدّى به إلى الاعتكاف على أسرار الشعر فنظم العديد من القصائد نشرت بعضا منها في الصحف الوطنية الأسبوعية و اليومية .