نسمة من الشام

نبيل شبيب

شعر :نبيل شبيب

أرادت زيارتي في ألمانيا، لأوّل مرة، يحملها الشوق إلى مشتاق لها، واتّصلت بي تسأل عمّا أودّ أن تحضر لي من الشام.. فجاء الجواب دون تفكير طويل: كوب ماء من نبع بردى وحفنة من تراب الشام، فاستعبرتْ واعتذرتُ مستعبرا. وأتَتني بعد أيام تحمل في آنية جميلة ترابا من الشام عطّرته بالمسك، واعتذرت عن الماء فقد جفّت مياه بردى.

وَرُبَّ  سـائِـلَـةٍ عَـمَّـا أَتوقُ iiلَهُ
مِـنَ الـشَّـآمِ فَـإِنْ جاءَتْ سَتَحْمِلُهُ
أَحْـلـى الهَدايا بِسوقِ الشَّام مَوْطِنُها
فَـاطْـلُبْ  تَجِدْ كُلَّ ما تَرْجوهَ iiأَفْعَلُهُ
إِنْ شِئْتَ خُذْ صَدَفاً قَدْ نُضِّدَتْ صُوَراً
مـاجَـتْ حَـيـاةً عَلى لَوْحٍ iiتُجَمِّلُهُ
فَـنٌّ  عَـريـقٌ وأَعْـيـا مَنْ iiيُقَلِّدُهُ
دِمَـشْـقُ نَـبْـعَتُهُ وَالأَرْضُ iiمَنْهَلُهُ
أَوْ آيَـةً وَمِـدادُ الـخَـطِّ مِنْ iiذَهَبٍ
عَـلـى  سَـوادِ قِماشٍ ضاءَ iiمُخْمَلُهُ
تَـسْـبـي القُلوبَ خُطوطٌ في تَأَلُّقِها
وَالـعَـيْـنُ تَـخْشَعُ مِنْ ذِكْرٍ iiتُرَتِّلُهُ
أَوْ بـاقَـةً فـي سَـنى البِلَّوْرِ نافِرَةً
تُـهْـدي  لِـنـاظِرِها عِطْراً فَتُثْمِلُهُ
يَـدٌ تُـصَـنِّـعُ وَالآلاتُ iiتَـحْسُدُها
كَـأَنَّـهـا إِذْ تَـسامى الزَّهْرُ iiمَشْتَلُهُ
أَوْ قِـطْـعَةً مِنْ نُحاسٍ في iiمَحاسِنِها
مِـنْ  مُتْقَنِ النَّحْتِ وَالتَّصْويرِ iiأَكْمَلُهُ
تَـرى الصَّوانِيَ تَدْعوعَيْن iiمُبْصِرِها
وَعَـنْ  تَـنـاوُلِ مـا فيها iiتُشاغِلُهُ
أَوْ مـا يُـشَـبَّكُ بِالأَخْشابِ مِنْ iiإِبِلٍ
تُـبَـطِّـئُ الـخَطْوَ سَيْرا أَوْ iiتُعَجِّلُهُ
شَـمَّـاءُ  لا تَـنْـحَني إِلاَّ iiلِصانِعِها
تَـكـادُ تَـشْـكُـرُ ما سَوَّتْ iiأَنامِلُهُ
أَوْ  حُـلَّـةً حَـبْكَةُ القِيشانِ iiتَنْسِجُها
فَـنٌّ  مِـنَ الـشَّـامِ لا فَـنَّاً iiيُماثِلُهُ
تَـجـولُ  عَيْني بِسوقِ الشَّامِ iiحائِرَةً
لَـوْ كُـنْتُ أَقْدِرُ حَمْلَ السُّوقِ iiأَحْمِلُهُ
أَيـا حَـبـيـبَة خالٍ لا يُريدُ iiسِوى
رُؤْيـاكِ  تُـطْفِئُ شَوْقا هاجَ iiمِرْجَلُهُ
أَنْـتِ  الـهَدِيِّةُ لا أَبْغي سِواكِ iiوَفي
لُـقْـيـا الأَحِـبَّـةِ أَلْـقى ما أُؤَمِّلُهُ
وَهَـلْ تُـواسي الهَدايا قَلْبَ iiمُغْتَرِبٍ
يَـحْـيا  شَريداً وَعِشْقُ الشَّامِ iiمَوْئِلُهُ
فَـمـا  تَـطـيـبُ لَهُ دُنْيا iiبِغُرْبَتِهِ
أَوْ  يَـسْـتَـقِـرُّ بِغَيْرِ الشَّامِ iiمَنْزِلُهُ
عَـسـى  تَـحِنُّ لِمَنْ يَحْيا يَحِنُّ iiلَها
فَـهـاتِ  إِنْ جِـئْتِ مِنْها ما iiتُحَمِّلُهُ
مِـنْ نـورِ فَجْرٍ تَمَطَّى عِنْدَ iiرَبْوَتِها
مِـنْ  هَمْسِ طَيْرٍ إِلى العُشَّاقِ iiيَهْدِلُهُ
مِـنْ  عِطْرِ زَهْرٍ رَوَتْهُ الشّامُ iiحانِيَةً
مِـنَ الـنَّـسيمِ إِلى المُشْتاقِ iiتُرْسِلُهُ
أَوْ كَـأْسِ ماءٍ وَفيهِ الدَّمْعُ مِنْ iiبَرَدى
يَـرْويـهِ  مِْـن ظَمَأٍ بِالشَّوْقِ iiيُشْعِلُهُ
أَوْ  قَـبْضَةٍ مِنْ تُرابٍ ضَمَّتْ iiأَحِبَّتَهُ
وَالـبُـعْـدُ عَـنْهُمْ وَقَد غابوا iiيُقَتِّلُهُ
وَقَـدْ تَـضُـمُّ شَـريـداً كَيْ iiيُقَبِّلَها
إِنْ  غـابَ يَـوْمـاً وَلا مَثْوى iiيُقَبِّلُهُ