تلفاز بني شداد بعد سقوط بغداد

د.محمد حكمت وليد

تلفاز بني شداد بعد سقوط بغداد

شعر: د. محمد حكمت وليد

     

قلِّبْ في التلفاز.. تأمّلْ..

وتنقل بين محطات البث العربيه..

حاولْ أنْ تفهمَ ما يجري..

بين اللامعقول الحاصلِ..

والمعقول الممكنِ..

والمنفيِّ منَ الأوطانِ العربيه..

ما هذي الصورةُ؟

هذا راعي بقرٍ..

جاء ليهدينا الحريّهْ..

هجمَ الراعي.. يهدمُ بابلَ..

يثأر منْ أحفاد صلاح الدين..

ومنْ آثار نبوخذ نصّر..

يحمل كل الأحقاد التلمودية..

يقتل من دبّ على الأرضِ من الأطفال

ويحرقُ آبادَ التاريخ..

ومَهدَ حضارات البشريه..

هدّم راعي البقر البلد

وطَيّرَ أضخم طياراتِ الموتِ

وأحدثَ أسلحةِ التدمير الصاروخيه

وأتى يطلب أجرة هدم البلدِ

يطالب أهل البلدِ..

بنصف عوائده النفطيّه

ويطالبُ بالنصف الأخرِ..

للشركات الأمريكيه..

لتعمِّرَ ما هَدَم الراعي..

بالأسلحة الأمريكيه..

*  *  *

قلِّبْ في التلفاز.. تأملْ..

وتنقل بين محطات البث العربيّه..

هذي نشرةُ أخبار يوميّه..

ومذيعٌ دهن المكياج على خديه..

يذيعُ الأخبار بكلِّ حياديّه..

الآن البثُّ يباشر مع مستر كوهين..

- ماذا تعمل يا كوهينُ جنودك في قلب القدس العربيّه؟

- إنا نغتالُ قياداتِ الإرهاب..

ونقتلُ أطفالاً لو عاشوا في القدسِ

لصاروا جند التنظيماتِ الإرهابيه..

إنا نقطع أشجار الزيتون..

لأنَّ الزيتونَ بأرض القدس له طعم إرهابيه..

ويتابعُ ذو المكياج على خدّيه بكل حياديّه..

- ما قولك يا سيد كوهين بأطفالٍ..

وُلدوا في القدس..

وعاشوا في القدسِ..

وماتوا في القدس العربيّه

أخفى كوهينُ إجابتهُ..

ودارَ.. "داورَ"

أعلن أن القدس موحدةٌ..

وهي العاصمة الأبديّه..

وبأن الجارةَ إسرائيل تريدُ السِّلمَ

لكل الجارات العربيه..

*  *  *

قلّب.. في التلفاز.. تأمل..

هذي طائرةُ أباتشي..

ترمي طفلاً بالصاروخِ..

انعجن اللحمُ الطفلُ بتربِ القدسِ..

وسال دَمٌ غالٍ..

أغلى من كل دماء خنازير الإستسلام السلميّه

*  *  *

قلّب في التلفاز.. تأمل..

هذي آياتُ الأخرسُ.. تنطقُ..

حين أصاب البكمُ جميع الأفواه العربيه..

غَضَبٌ بالعزة مُنفجرٌ..

يخترق العجزَ.. وجُبنَ الأنظمة العربيه..

ورئيسُ السلطة يستنكرُ فعل الإرهاب..

وقتلَ الأرواح المدنيه..

ورئيس منظمة التحرير.. يحرر من كل قيود العز عقيرته..

ويعزي كوهينَ بقتلى الصهيونيه

ويطارد جندَ الاستشهاد العربيّه

قلبي.. هدِّئ من روعكَ لا تحزنْ..

فالحزنُ عَدوّ القلبِ..

ويأتي بالآلامِ الصدريّه..

قلّب.. قلّب.. وتنعَّمْ..

بمحطات البث العربيه..

فَرفش.. فَرفش..

هذي غانيةٌ تتلوى فوق المسرحِ..

مثلَ الحيّات البشريه..

وتوزعُ نظراتِ الشبق الآثمِ..

والحركات الجنسيّه..

والجمهورُ يُصفِّر تحت المسرح..

يغرق في الضوضاءِ المجنونةِ..

تحت الأضواءِ الورديه..

يشربُ أنهاراً من خمرٍ..

ويعربدُ

يصرخُ..

ينزو.. مثلَ الأبقار الوحشيه..

*  *  *

قلبي.. هدئ من روعكَ لا تحزنْ..

واستنجد من علقم هذا الواقع..

بالأمجادِ التاريخيه..

هذا فلم صلاح الدين يبثُ الأيام المنسيّه

وتشاهده كل أقاليم الأعرابِ

وكل فصائلها الكرديّه

وصلاح الدين يشاهدنا من خلفِ الشاشةِ..

أعرابٌ تقتلُ أكراداً..

أكرادٌ تقتلُ أعرابا..

أكراد تقتلُ أكراداً..

أعراب تقتل أعراباً..

ويراقب ما يجري في القدس..

فيعجبُ..

كيف ننسقُ مع جيش المحتل الأمنَ..

ونضربُ أهل الاستشهاد بخنجر سُمٍّ سمَّيناهُ الشرعيه..

وينادي.. واإسلاماه.. ينادي..

وتعود الصرخة دون صدىً..

ضربَ القحطُ جميع الأرحام العربيه..

وأنابيب الأطفال تُوَلَّدُ أطفالاً مخصيَه..

*  *  *

قلّب.. قلّب..

وتنقل بين محطات البث العربيه..

لقد انشق القلبُ وزاغ العقلُ..

فلا تعرفُ في تلك الأمواج اللجيّه..

هذي مريمُ نور..

تسبح في بحر الحُبِّ

وتحكي أسرار النفس البشريه..

وتُرينا الحكمة في الوصفات الشعبيه

تحكي عن لصقةِ بزر الكتانِ..

وعن أسرار الشاي الأخضر..

ثم تُطعِّمُ ما نحكيهِ..

برياضاتٍ هندوسيه..

تُلقي الأضواء على الريكي..

ومنافذ جسم الإنسان على الطاقات الكونيّه

تدعو لتعاليم المهاريشي حيناً

وبأحيانٍ أخرى..

بعضِ الأقوال النبويّه..

قلّب.. قلّب..

هذا الطاهي رمزي..

يقلي الباذنجانَ بصلصةِ خَلٍّ..

يَشوي اللحم..

ويفقس بيضاً فوق العِجَّةِ

يخبز أحلى كيكات الدنيا..

ويجيب المستمعات على ما يخطر في الباب عن..

الطبخات اللبنانيه..

وعن المجهول من الأطباق الصينيّه

وبنفس الوقت نشاهد أطفال الصومالِ..

تلوبُ على بعض الأعشاب البريّه..

قلّب في التلفاز.. تأمل..

وتنقل بين محطات البث العربيه..

هذا راعي إبلٍ..

لم يشبع خبزَ المُلَّةِ إلا من أيام..

يتبرع بالقطمير إلى..

شعبٍ يملكُ أجمل نخلِ العالم..

أطول نخل العالم..

أعرقَ نخل العالم..

والثروات البتروليه..

*  *  *

قلّب.. قلّب..

تلكَ محطة بثٍ..

تحكي عن عادات الحيوان الفطريه..

هذا دوريّ ينقرُ ثمر التين

وهذا حوتٌ يخترقُ الأعماق اللجيّه..

سبحانَ الخلاقِ..

وهذا سبعٌ راح يطاردُ في الأدغالِ فريسته..

أكل السبعُ حمارَ الوحشِ..

وأعطى بعض العظم لبعض كلاب الصيد المحظيّه

ما ذنبُ حمار الوحش؟

وكُلُّ الذّنبِ على رابطة الحُمُرِ الوحشيّه..

*  *  *

قلّب.. قلّب..

لا تحزن يا قلبُ فإن الحزن يسبب نوبات قلبيّه

هذا بيتٌ في الضفة يُهدمُ

والأوغادُ تُهجِّر أهل الدار..

وتجرُفُ بيارات الليمون اليافاويه..

وجيوش العرب تُشاهده..

لا عين تطرفُ..

لا دمع يُذرف..

لا طلقةَ عزٍّ وحمية..

*  *  *

قلّب.. قلّب..

انظر.. واسمع.. واحزنْ.. واركَعْ..

شيء مؤسف.. -قال الحاكمُ-

وكأن البيتَ المهدوم على المريخ..

وليس بأرض فلسطين العربيه..

وأضاف يُعلق.. –بعد استكمال شجاعته-

هذا لا يخدم أي جهودٍ سلميه..

قلّب.. وتنعم بين محطات البثِّ العربيه..

هذا أعجبُ فلمٍ..

قام رئيس الخيمة.. من بين ركام الخيمة..

ويرفَعُ شارة نصر أمريكيه..

والأمريكي يقوم بإصلاح الخيمةِ..

من أجل عيون الشعب..

ويزمع شارة نصرٍ صهيونيه..

قلِّب.. قلِّب..

انظر واسمع..  يا رباهُ..!!

ماذا حصل؟؟

انقطع البثُّ..  وغاب الصوتُ..

توقف قلبُ الشاشة.. ما عاد يطيقُ سماع الأخبار العربيه..