العجوز المتصابية

د.محمد حكمت وليد

العجوز المتصابية

شعر: د. محمد حكمت وليد

 "جفّ ماءُ الحياة في عروقها، وما زالت تستجدي الأصباغ والمساحيق.. وجراحاتِ التجميل لإيقاف مسير الزمن".

     

لقد كُنتِ يوماً جميلهْ..

وكانت عُيونُك أحلى العيون الكحيلهْ

وكانت تحومُ القلوب عليكِ

كنحل البراري يحوّم فوق زهور الخميلهْ

لقد كُنتِ بنتَ الجمالِ

تمدينَ شَعركِ بحراً..

فَيغرق كل شباب القبيلهْ

وكانت رموشُك مثل السهام الطويلهْ

وكانت عيونُك مِثلَ السيوف الصقيلهْ

وَكنتِ ربيعاً أنيقاً

يتيهُ دلالاً..

بِوَرْدِ الخدودِ الأسيلهْ..

*   *   *

وَها قد أتاكِ زمانُ الخريفِ

وجاءت ثلوجُ الشتاء الطويلهْ

وَجاءَ إليك رسولُ العُمرْ..

وَصارت تجاعيدُ وجهكِ مثلَ النُّدوبِ بوجه الحَجَرْ

وأعجازك الخاوياتُ..

كأعجاز نخلٍ ذوى وانقعر..

ولم يبقَ من نار حُبكِ

غيرُ الرمادِ.. وذكرى الشررْ

تمرُّ الغرابينُ تنعَبُ بين الطلول..

وترثي شباباً مضى واندثرْ

فيا من تلوذُ بتلكَ العهود الجميلهْ

لقد كنت يوماً جميله..

وقد هجرتكِ طيورُ الخميله..

ومازلتِ في الغنجِ مثل فتاة جهولهْ..

تريدين أن تستعيري شباباً..

وقد راح زَينُ الشبابِ

وعافَ خُيولَهُ

فمالكِ في الحب مثل القتيلهْ؟

إذا ما صبغتِ الشفاهَ..

فمن ذا يَشدُّ العظام النحيله؟..

وإنْ ما استعرتِ من الشعر أحلى جديله

فهل تستعارُ عهود الطفولةْ؟

وإن ما استعرتِ الرموشَ الكحيله..

فهل تُستعارُ القلوبُ النبيلهْ؟

*   *   *

أكادُ أقيءُ

إذا ما ظهرتِ على شاشة الرقص كالأفعوانِ..

تميلين مثل السكارى..

على نغمات الأغاني..

تهزّين خصركِ كالبهلوانِ

فتعوي ذئاب الرذيله..

ويُهتك ستر الفضيلهْ..

*   *   *

أيا من تَمَسَّكُ بالقدِّ.. والنَّهدِ

والضحكات الهزيله..

أليسَ لديكِ جمالٌ سوى هزة البطن بين السكارى..

وبحة صوت الغناء العليله..

ألا تؤمنين بأن الوقارَ جمالٌ..

ومَسحَ دموع اليتامى جمالٌ..

وتسريحَ شعر الحفيدة يوم الزفافِ جمالٌ

وأنَّ الأمومةَ أمُّ الفنونِ الجميلهْ

ألا تشعرين بأن الشُّروق جمالٌ..

وأن الغروبَ جمالٌ..

وأن الشموسَ ستطفأُ يوماً..

ونجمَ الصباح سيُدرك يوماً أفولهْ

*   *   *

تُريدين إيقاف نهر الزمانِ..

عَن الجريانِ..

بحزمةِ قشٍ..

وذلك وَهمٌ يُشوِّهُ معنى الحياةِ..

وتلك أمانيك المستحيلهْ

*   *   *