محنة

سليم عبد القادر

محنة

شعر : سليم عبد القادر  

السجن جنّاتٌ  ونارُ    وأنـا المغامر والغمارُ

أنـا والـدجى والذكريات  مريرة والاصطبار

ومطامح تـصلى السَّعير ولا يـحرِّقُها السُّعارُ

طـلع النَّـهارُ على الدُّنا، وعليَّ ما طلع النّهار

ليـل السـجون يـلفّني، وتضمُّني الهِمَمُ الكِبارُ

والآهُ بـعد الآهِ شعري، والمـصابرةُ الـشِّعارُ

ولـكلِّ آهٍ لسعةٌ، ولـظىً، وشـوقٌ، وانـتظارُ

وأنا الكبير –على أسى قلبي- ويجهلني الصِّغارُ

روحي طليقٌ  في السَّما، والجسم يحكمه الإسارُ

ربـاه، عـفوك ، إنّ هذا القلب بالشكوى يَحارُ

لا أشتكي لـسواك لو  شكتِ الصَّدى يوماً بحارٌ

لـكـنّها أنّـاتُ مكـلومٍ،  ويـسبقها اعـتذار

فـي قـصة كان  العذابُ إطارَها، والاختصارُ

ضـجَّ الكيان  بوجهها الضّاري، فكان الانفجارُ

     

الرعبُ والسجن الغشومُ  سجنان حولي، والهمومُ

ورغـائبي ، والوسوسات السود في خلدي تحوم

والـذّكريـات تـطلُّ غامضة ، كما تبدو الغيوم

أيـام كـان السجن سخريتي ، ومطمحي السّديم

والآن وحـدي .. يفتنُ الإخلاصَ والفكرَ الجحيمُ

بيـن الـذئـاب، ولا رسولَ يذيعُ سرّاً، لا نسيمُ

في القـيد وحـدي، والطّيوف يلمُّها قلبي الكظيم

الأهـلُ والأحـبـابُ والإخـوان والأُمُّ الرَّؤومُ

     

أأراهـمُ مـن بـعدُ، أم لا، أيـها القدر الـرَّحيم!؟

آسـى مـن البؤسى، وأعـلم أن بؤسى لا تـدوم

أنا لا أضيق، وفـي عروقي ينبض الـذّكرُ الحكيمُ

روحي الذي رشف الهدى من بعض ماملك النجوم

   لكنه...

   هيا إلى التحقيق.

   وابتدأ اختبارُ

     

أتظلُّ كاساتُ المنونِ في السجن من حقِّ السَّجينِ!؟

كـأسٌ، فكأسٌ، ثـم كأسٌ ... كاندفاعات الظُّنونِ

قالوا: اعترفْ، قلتُ: اعترفتُ بما علمتُ، فكبّلوني

وضـعوا على وجهي القناع، ومن ثيابي جرّدوني

ورُمـيتُ فـوق الأرض، والقدمانِ في حبل متين

تـهـوي العـصا كالنّـار فوقهما ، فأبدأ بالأنينِ

الـله، يـا الـله، أنـتَ الـحقُّ مـهما عذّبوني

بـالـله أعـلو فـوقهم، ونـعالهم تـعلو جبيني

وبصاقُهم يغزو فمي، وعصاهُم في الـ(أعذروني)

والشَّـتمُ يهـزأ بالـعُلا، والـكفرُ يـهزأُ باليقينِ

يـا سـادتي، إنّـي لأعلمُ أنَّ ذنبي  حُـبُّ ديني

والـلهُ حـزبي، والرسولُ، فعذّبوني واضربوني

وجمـيع مـنشوراتنا سُـوَرٌ مـن الذّكر المبينِ

ولأصـدقـائي بهـجةُ الدُّنيا وعـطرُ الياسمينِ

يا سـادتي.. والـجلَدُ يتلو الجلْدَ فـي حقد لعينِ

مـوتٌ ، وبعد الموت موتٌ، ألفُ موتٍ كلَّ حينِ

يا سادتي، ما عاد في طَوْقي اصطبارٌ، فارحموني

     

إنّـي لأحـلم أن أمـوتَ، أريـدكمْ أنْ تعدموني

لـكنْ إذا رحـمَ الطُّـغاةُ، فـيا لآلام السَّـجين

يـا ربِّ  فاسترني بعتقي، أو بموتي، أو جنوني

لـولا البـقيَّةُ مـن تُقايَ لطاب عندي الانتحارُ

     

عـثر الجـوادُ فلا تلوموا  فـأقلُّ من لومٍ كلومُ

بـذل المحالَ، وبـعده يهوي  الفوارس والقُرومُ

سكروا، ولولا العجز لاحترقتْ من العار الكرومُ

سـكروا، فجسمي مـن فنون عذابهم شِلْوٌ رميمُ

والضـّرب  والتّجويع  والتّسهيد خصمي والنّديم

ومهـازلٌ تُبـكي السَّفيهَ، وربَّمـا انتحر الحليمُ

وجرى انهياري بي، كما ينسابُ في النار الهشيمُ

لا الموت أنقذ حصنَ أسراري، ولا القدرُ الحكيمُ

فمـضيتُ أنثرها، ويـبكي العقل والقلب الرحيمُ

فلـقد جرعت مـن الفظائع ما يشيب له الصِّغارُ

     

بقيتْ مـن السجن الثمارُ   تُجنى، ومات الانهيارُ

بقـي التـحفُّزُ والتّـجاربُ ، والسُّموُّ، ولا فخارُ

وتطـلـّعُ لله، يـجـهل سـرَّه القـلبُ الـبوارُ

سجـني، وحـبُّ اللهِ والإنسانِ، أعـمالي الكبارُ

إن يُـقبـلا مـني فـذاك المُبـتغى  والانتصارُ

تمضي الحياةُ بمجرمين لهم من الأخرى الخَسارُ

وبمـؤمنـين لـهم جـنانَ الخـلد منسرحٌ ودارُ

لا يستوون... أتستوي خُضْرُ الحدائقِ والقِفارُ !؟