إنسان العصر

محمد الحسناوي

إنسان العصر 

شعر : محمد الحسناوي

أُحِـسُّ ضَيـاعاً يَلُفُّ كِيـانـي       ويَحجُبُنـي عن بصيـصِ الأَمَـلْ

أُحِـسُّ دمـاراً  وراءَ السـتارِ        يّدُكُّ الجِبـالَ ويَطـوي الــدُّوَلْ

وأَلمحُـهُ كالصَليـبِ الرَّهيـبِ        يُطَـوِّحُ بالنـاسِ  أنَّـى نَــزَلْ

فمن مُمسِـكٍ بِرقابِ الخِـرافِ        ومن هاتِـكٍ  حُرُمـاتِ المُثُــلْ

أفاقـوا جميعـاً بِعصرِ الفضاءِ        وغزوِ السمـاءِ بِأبهـى الحُلَــلْ

أَما عُبِـدَ المـالُ دونَ الإلــه       و زُيِّـنَ للنـاسِ طـولُ الأمَـلْ؟

أما حجَّـرَ الخوفُ دمعَ العيون        أما فجَّـرَ الزَّيـفُ سيْـلَ الزَّللْ ؟

أما جرَّحَ القحـطُ خدَّ الرِّياض        أما عبَّـدَ المـوتُ وجـهَ السُبُلْ ؟

أما كسِّـرَ الحـقُّ ميزانَــهُ         وبـارتْ تجـارتُـهُ فارتَحَــلْ

فمن دودةٍ تَستبيـحُ الرَّبيــع         ومن مُترَفٍ يَزدرِيـهِ الكَسَــلْ

ومن لاهِـثٍ في سرابِ الحياةِ        قدِ استَمرأَ الشـوكَ حتَى انتَعَـلْ

ومن بَشَـرٍ فكَّ بعضَ الرُّموزِ        وزلّلَ للنـاسِ  دربَ زُحَـــلْ

تَطاوَلَ حتَّى استفزَّ  النُّجـوم          وعَكَّـرَ  فيـها صفــاءَ الأزَلْ

لِيَنظُرَ في اللهِ ( ربّ ِالضِّعاف)       كما تَنظُـرُ العيْنُ أُذْنَ الجَمَــلْ

وقالَ: ( السماءُ لِبيضِ الوجوهِ        ولِلسـودِ ربٌّ بعيدُ الخطَـــلْ)

 ( فلولا حَباهمْ ضياءَ الشموس        ولـونَ السمـاءِ وطُهرَ الحَمَلْ؟)

           

.. هوىً أَنبتَ الشرَّ بين الأنام        كما أشبـعَ السهلُ وحشَ الجَبَـلْ

ففي الكـونِ أورق َشَرعُ الإخاء     وفي النـاسِ أَطبقَ شرعُ الأَسَـلْ

أُحِسُّ زمانـاً  يُعـادي البَقـاء       جِهـارً نَهـارا ً عَداءَ الخَبَــلْ

أُحِـسُّ  العـوالِمَ والنّيَّـرات         تسيـرُ مَسـارَ الحيـاةِ الأَجَـلْ

فشمـسٌ تُثيرُ طِمـاحَ العَمَـلْ       وليـلٌ  يَـذودُ رِيـاحَ المَلــلْ

وطيـرٌ يُغَـرِّدُ تحـتَ الظَّلال       يُنـاجي الغديـرَ  بِلحنِ الغـزَلْ

فللطيـرِ ظِلُّ الغُصونِ الوَريف      ومـاءُ الغديـرٍ شهـيُّ العَــلَلْ

وحسبُ الغصونِ الأنيسُ الظريف    إذا طَعِـمَ المـاءُ عذبَ القُبَــلْ

شريعةُ حـبٍّ  تُؤاخـي النُّجُوم      علـى صفحـةِ النهرِ منذُ الأَزَلْ

وتَنشـرُ في الكونِ سرَّ الحياة         بِأَبسَـطِ رمـزٍ وأّحلــى مَثَلْ

ونحنُ كما نحنُ عُمْـيُ العيون       يُغَـرِّرُنا بأسُـنا المُنْتَحَـــلْ

نَظُـنُّ الطبيعةَ صُنْـعَ يدَيْنـا        إذا مَنَحَتْنـا الكِسا والنَّعَـــلْ

ونَستعبِـدُ الناسَ  دونَ الإلـه        لأَنّا غصبناهُ (علمَ الحِيَــلْ) !

           

ولكننـي ، يا لِحَظّي السقيـم        أُحِـسُ الغَبـاءَ ، أُحِسُ الخَجَلْ

أُحـسُّ بِأنَّـيَ والعـالمِيـن         نَخُوضُ البِحـارَ ونَخشى البَلَلْ

أُحِـسُ الغُرورَ يَشُقُّ الجلود          يَهـزُّ الوجـودَ يُثيرُ الوَجَـلْ

أُحِـسُّ بِأَنِّـيَ عبدُ الجنـون         فإمَّا ( إلـهٌ ) وإمّا (هَمَـلْ) !