أَنَاشِيدٌ تَقتَرِحُ الوَطَنَ
خالد عبد الرضا السعدي*
القصيدة الفائزة بالميدالية الذهبية في مهرجان الشباب العربي 11
المدخل:
صرخةٌ بين بغدادَ وغَزّةَ
وَجْهُ الحَنِينِ شِراعٌ تَائِهٌ أفَلا
وَقَلْبيَ الطِّفْلُ فِي أكمامِهِ ذَبُلا
وَجْهُ الحَنِينِ بِلادي.. دَمْعُ قَافِيَتِي
وَصَوْتُ نَهْرٍ يَتِيْمٍ خَلْفِيَ اشْتَعَلا
كَانَ الصَّباحُ صَدِيْقِي وَالنَّدى رِئَتِي
كَم خَبَّأَ الغَيْمُ في أحداقِهِ المقَلا
وَكُنْتُ أنْثُرُ شَدوَ الأرضِ أَخْيِلَةً
بِذارُ حُبٍّ علَى آفاقِهَا غُزِلا
وَكُنْتُ عِيْداً سَمَاويَّاً وَأغْنِيَةً
لِلعاشِقينَ وَنايَاً دَافِئَاً ثَمِلاُ
كُنْتُ البلادَ الَّتِي تَاهَتْ مُحلّقَةً
بِالأمْنِيَاتِ وَكُنْتُ العاشِقَ البَطَلا
وَالآنَ لا عِيْدَ في عُمْرِي يُهَدْهِدُني
تَحَالَفَ الموتُ ضِدَّ الوَردِ وَاحْتَفَلا
قُولُوا(لِغَزّةَ) دَمعُ اللهِ في حَدَقي
وإنْ بَكَيْتُ سَمَائِي أمْطَرَتْ شُعَلا
لا نَخْلَةَ الدارِ لا (بَغْدادُ) زَائِلَةٌ
وَلا العِرَاقُ الَّذي في نَزْفِهِ اغْتَسَلا
وَالخَائِنُونَ نَدامَى المكْرِ قَد خَسِرُوا
وَظَلَّ صَوْتيَ فَجراً مِنْ دَمِي اكْتَحَلا
القصيدة([1])
(1)
لِلوقْتِ أسئلةٌ تَلَعْثَمَ في أقاصِيْها النَّشِيدْ
وَالدَّارُ وَالأشْجَارُ وَالجارُ البَعيدْ
حتَّى المدِينَةُ كَالغُيُومِ شَريْدةٌ
وَأنتَ وَجهُ مَدِينَةٍ تَعِبٌ شريدْ
فَالكُلُّ مُشْتَاقٌ إلَيكْ
وَقُلُوبُنا تَخْتَالُ راجفَةً لَدَيْكْ
وَالرُّوحُ يَخذِلُها الطَّريقْ
كَحَمامَةٍ نَاحَتْ عَلَيكَ تُسلِّمُ
لمّا بَسَمْتَ إلى العِراقِ.. بَسَمَتْ بِوَجهي الأنْجُمُ
الشّارعُ المكتَضُّ بِالألحانْ
كَفَرحةِ الأطفَالِ بِالألْوانْ
يَا بَلْسَمَ الأشواقِ قَلبُكَ كَعْبَةٌ
سَنَطُوفُ بِاسْمِ الحُبِّ أفْواجاً عَلَيكْ
لِنُلَبِّيَنَّ هِيامَنا.. وَنُعانِقَ الوَجْدَ الطَّهُورْ
وَنُوزّعَ الحَلْوى علَى كُلِّ الحُضُورْ
وَنُعيدَ أجملَ آيتينِ علَى مَسامِعِ حَاسِدِيْكْ
فَالآيةُ الأولى: عِـــراقْ
والآيةُ الأُخْرى: عِـــراقْ
حَصَّنْتُ إسمَكَ بالعراقْ
وَبَالوُرُوْدِ تَدورُ حَولَكَ مِثْلَما دارَ النِّطاقْ
(2)
قُولُوا(لِبُهُرِزَ)([2]) إنَّ قلبيَ
مُشْرَعٌ لِلمَوتِ
مَطْعُونٌ بالآفِ الخَنَاجِــــــــرْ
(فَأدِيبُ)([3]) عنّا قدْ رَحَلْ
وَجَدّتي([4]) رَحَلَتْ علَى كَتِفِ الملائِكِ وَالأزاهِرْ
وَأنا رَحَلْتُ عَنِ المدِينَةِ عِنْدما ذَبُلَ الوَفَاءْ
فَالكُلُّ مَصْلُوبٌ بِخَيْطِ الصَّبرِ يَجْلِدُهُ البُكـاءْ
(3)
سَلِّمْ علَى بَغدادَ كَرْخاً وَالرّصَافَةْ
سَلِّمْ علَى (الجِسْر)([5]) الَّذِي يَشْكُو ارْتِجَافَهْ
سَلِّمْ علَى النَّهرِ الحَزينْ
وَعَلَى النِّساءِ نَزَفْنَ دَمْعاَ فَوقَ خَدَّ الياسَمِينْ
سَلِّمْ علَى شَمسِ الصَّباحْ
فَالشَّمسُ فِي (بَعْقُوبَتِي)([6]) أحْلى مِنَ الشَّمسِ الغَرِيْبَةْ
سَلِّمْ عَلى أُمِّي الَّتي جَفّتْ مَآقِيْها السَّكِيْبَةْ
سَلِّمْ علَى العُشّاقِ وَالفُقَراءِ وَالأُدَباءِ وَالذِّكْرى الحَبِيْبَةْ
سَلِّمْ علَى صَوتِ الأَذانِ بِجامِعِ (الفَارُوقِ)([7]) يَحْتَضِنُ السَّماءْ
سَلِّمْ علَى (عَبدِ الكَريمِ)([8]).. مَنارةِ العُلَماءِ.. ظلِّ الأنْبِيَاءْ
وَمَآذنِ (المدَنِي)([9]) الـ تَوَضّاَ مِن تَلألُئِها الضِّياءْ
سَلِّمْ علَى بَيْتِ الصِّبَـــا
وَعَلَى خُطَى أُمِّي الَّتي صَارَتْ أبا
سَلِّمْ علَى مَحْبُوبَتِي وَشَرائِطِ الحُبِّ الملَوَّنْ
وَعَلَى زَمَانٍ حَالِمٍ بِالشَّوكِ وَالبَلْوى تَكَفّنْ
سَلِّمْ علَى كُلِّيَّتِي الأحْلَى
وَقَبِّلْ كَفَّ أُستَاذِي الحَصِيْفْ
وَعَلَى (خريسَانٍ)([10]) تَدَفَّقَ مِلءَ جُرفَيهِ النَّزيفْ
سَلِّمْ علَى كُلّ البَسَاتِينِ السَّجينَةِ خَلفَ أسلاكِ الذُّهُولْ
وَعَلَى المسَاجِدِ وَالكَنَائِسِ وَالمدَارِسِ وَالحَدائِقِ وَالحُقُولْ
سَلِّمْ علَى السُّوقِ القَدِيمِ... عَلَى (السَّراي)([11])
وَعَلَى عَصافِيرٍ الهَوَى حَيْرى وَيَخْنُقُها الذُّبُولْ
سَلِّمْ علَى عَبَقِ الضِّفافِ وَقُلْ لها:
أنا لَم أخَفْ يَوماً مِنَ الموتِ الرَّهِيْبْ
أ رأيْتِ مَجْنُوناً يَخَافْ..؟
(4)
أدري بِأنَّ الصَّوتَ مُلتَفٌ بِأسرارِ الحَناجِرْ
أدري بِأنّ الشِّعرَ مِفْتَاحُ الأماني حِينَ تَشْكُمُها المخَاطِرْ
أدري بِأنَّ حِبيْبتي سَقَطَتْ شَهِيْدةْ
وَأنا بِحُضْنِ الغُرْبةِ الصَّمّاءِ وَالجُزُرِ البَعِيدَةْ
أدري بِأنَّ أمِيرَتِي (بَغْدادُ) مَا زَالَتْ عَنِيْدَةْ
وَأنا أمِيرٌ هَارِبٌ بِالحُبّ قَد قَطَعُوا وَرِيْدَهْ
جَاءَ الغُزاةُ وَظِلُّهُمُ مَوتٌ مُعَلّبْ
وَاخْتَرْتُ دَرباً لِلْهَوى فَالأرْضُ وَاسِعَةٌ وَهذا القَلبُ كَوْكَبْ
أمْضِي وَتَحرسُني الحُرُوفُ وَحضنُها الألِقِ المُذَهَّبْ
أمْضي علَى حَدِّ السُّيُوفِ وَصَوتِ قَافِيَتي المعُذَّبْ
(5)
كَم خِفْتُ يَوماً أنْ أرى عُصْفُورَتِي مَذْبُوحَةً فِيْها السَّعادةْ
وَمَواسِمِي زَرعٌ تَآكَلَهُ الجَرادْ
وَالعُمرُ مَا يَدري حَصادَه
فَتَغُورُ صَامِتَةً حُرُوفي في فَمِي
وَعَلَى الجِراحِ صَدى نَشِيْجٍ أرتَمِي
فَالأهلُ فِيْما بَيْنَهُمْ يَتَنَاحَرُونْ
وَالفِتْنةُ الرَّعْناءُ تَركُضُ في الشَّوارعِ وَالْتِفَاتَاتِ العُيُونْ
وَالدمُّ سَالَ...
علَى الشَّواهِدِ وَالسَّواقِي وَالغُصُونْ
أنَّى يُكابِرُ عاشِقٌ...؟
وَالحَربُ تَقتُلُ لَهفَةً خَضْراءَ سَاكِنَةً فُؤادَه
مَاذا وَكُلُّ الحاقِدِينْ..؟
جَاؤوا لِيغْتالوا بِلادَه
رَكبُوا علَى ظَهْرِ الغَمَامْ
ذَبَحُوا علَى صَدرِ الصَّباحَاتِ اليَمامْ
لا شَيء يا مَحبُوبَتي غَيرُ الظَّلامْ
لا شَيءَ غَيرُ الخَوفِ يَفْتَضُّ الوِئامْ
سَلِّمْ علَى وَطَني الغَرِيبِ
مِنَ الشّمالِ إلى الجَنُوبِ
وَفي الشُّروقِ وَفي الغُرُوبِ
سَلِّمْ على كُلِّ العِراقْ:
إنّ العِراقَ هُوَ السَّلامْ
*خالد عبد الرضا السعدي/شاعر وكاتب عراقي/عضو أتجاد الأدباء والكتاب في العراق
/ر/رئيس رابطة أقلام شابة الثقافية العراقية
([1]) القصيدة الفائزة بالميدالية الذهبية (المركز الأول) في مهرجان الشباب العربي الحادي عشر الذي أقامته جامعة الدول العربية بالتعاون مع المجلس القومي للشباب في مصر/ الإسكندرية تموز2008.
([2]) بهرز: إحدى نواحي مدينة بعقوبة المطلة على نهر ديالى، مشهورة ببساتينها الخضراء وطبيعتها الجميلة.
([3]) أديب: هو الشاعر أديب أبو نوار صديق جميع الأدباء والشاعر وهو من منطقة بهرز الذي توفي أثر إصابته بمرض عُضال.
([4]) جدة الشاعر لأمه التي وافتها المنية وهو في المنفى ولم يحضَ بتشييعها مع الناس.
([5]) جسر الصرافية: وهو جسر حديدي تاريخي يجمع بين ضفتي بغداد كرخاً ورصافة تعرض الى تفجير جعله ينهار.
([6]) بعقوبة: مركز محافظة ديالى:مدينة الشاعر.
([7]) الجامع الفاروق: من أجمل مساجد بعقوبة التي يرتادها المسلمون.
([8]) عبد الكريم: هو آية الله العظمى السيد عبد الكريم السيد علي خان المدني، من أشهر علماء العراق المعتدلين ويعد رائباً لصدع الفتنة في ديالى والعراق وصاحب المقولة الشهيرة: "والله إني سني والله إني شيعي" وكان قد توفي في تسعينيات القرن الماضي وترك إرثاً من العلم الوفيروالسيرة الوطنية الطيبة وحسينية سميتْ بإسمه.
([9]) المدني: حسينية السيد عبد الكريم المدني رحمه الله في مدينة بعقوبة وتقابل الحسينية جامع الفاروق في المدينة.
([10]) خريسان: نهر صغير يجري في مدينة بعقوبة يتفرع من نهر ديالى ليروي البساتين والأراضي في بعقوبة وبهرز.
([11]) السراي: منطقة أثرية كانت تضم بناية المحافظة أيام الإحتلال العثماني للعراق وفي السراي القديم يوجد مقر إتحاد أدباء المدينة ملتقى المبدعين والمفكرين في هذه المحافظة.