مرثية فارس لا ينام

محمد وليد

شعر: د. محمد وليد

إلى الفارس الذي وُلدَ حراً

وعاشَ مجاهداً

وماتَ مُهاجراً.

تلبّد وجهُ السماءِ..

بتلكَ الغيوم الثقيلهْ..

وسالت دموع الغمامِ

عليكَ وكانت بَخيلهْ..

بكتك الرماح العوالي..

وحدُّ السيوفِ الصقيلهْ..

بكتكَ العيونُ الغوالي..

وأجهشَ قلبُ الفضيلهْ..

         

عرفتُكَ منذُ الطفولَهْ..

كريماً حليماً..

تجسَّد فيكَ إباءُ الرُّجولهْ

عَرفتكَ والظلم يطبق فوق البلادِ

ليطفئ نورَ الجهادِ..

فأشعلت رغمَ الظلام فَتيلهْ..

وأسرجتَ رغم العذابِ خيولَهْ..

وقدّمت عمركَ لله..

ترجو قُبولَهْ..

بقيتَ تُقاتلُ وحدكَ

والليلُ يُرخى سُدولَهْ..

تخلّى الأقاربُ عنك

وخانتكَ كلُّ القَبيلَهْ..

وخانتكَ كل الطرابيشِ..

كلُّ العمائم..

لم يبقَ إلا صغارك

في وجه تلك الوحوشِ الوبيلَهْ..

         

وراح الأعادي بياسر..

في ليلةٍ ذات غمٍ ثقيله..

وقد غرسوا خنجرَ الحقد بين الضُّلوع

ولم يرحموا قسماتِ الطفولَه..

صبرتَ..

وصابرتَ..

حتى تفطَّر قلبُ الرُّجوله..

وروحُك تهفو لياسرَ..

ترجو قُفولَه..

وتنتظر الريحَ عبر السنين..

عساها تجيء بريح الحبيبِ

فيرتد نور العيون الكحيله..

ويهدأ دمع الجفونِ الثقيلَه..

خرجتَ طريداً..

بدينكَ مثلَ الأسود الطَّريدهْ..

وغادرت أرضكَ

نحو المنافي البعيده..

وجمع الخنازير يجري وراءكَ

مثلَ الوباءِ

بنفس حقوده..

عبرتَ سُهول الشمال

وجزتَ جبالَ الجنوب

وقلبُكَ يجري إلى الله يلقى جُنودَه..

وروحكَ فوق السحابِ..

تناجي بروقَ الغمامِ..

وتهوى رُعودَه..

وأحلامها بِغَدٍ مُشرقٍ..

آرقَّ من الهمس بين الغصونِ..

وأعذبُ من تمتماتِ القصيدهْ..

         

حزنتُ لموتكَ يا سيدي..

حزنتُ لأنك متَّ وحيداً..

غريبَ الدّيار..

غريبَ اليدِ

وكنتَ إذا ما ادلهمّ الظلام..

تلاقي السكينةَ في المسجدِ..

وإن خَمِدتْ جمراتُ القلوب

براكينُ قلبك لم تخمدِ..

رأيتكَ في النائباتِ..

شموخاً على النازله..

تفرِّج أحزانها القاتلهْ..

تكفكفُُ دمعَ الحيارى..

إذا اشتدّ هولُ المصابِ..

وطال الطريقُ على القافلهْ..

         

رأيتكَ تذوي..

كنجمٍ يلاقي أُفولَهْ..

وأنت تصارعُ..

داءً وبيلاً..

بروحٍ نبيلَهْ..

لقد صرع الدّاءُ منكَ العظام النَحيلهْ..

ووجهك أبدى ذُبوله..

ولكن روحكَ كانت جليلَهْ..

تسبح كلَّ صباحٍ وكل مساءٍ..

بحمد الإله..

وترجو إليه الوَسيلَهْ..

         

سلامٌ عليكَ أبا ياسرٍ..

سلامٌٌ على المكرماتِ القتيلهْ..

سلامٌ على النُبل إذ كنت بين الأنام خليلَهْ..

سلامٌ على الطهر إذ عزَّ بين الأنام..

سلام على الصبر إذ ماتَ بين الزحام..

سلامٌ على فارسَ لا ينام..

وقلبٍ طواهُ الرغام..

وكان يُرابُط فوق الخيول الأصيلهْ..

ليصنع فجرَ الليالي الطويلهْ..