من مكة إلى روما

أحمد الجدع

شعر : أحمد الجدع

حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم العصور السياسية للإسلام : إن أول دينكم نبوة ، ثم خلافة راشدة ، ثم ملكاً عضوضاً ، ثم حكماً جبرياً ، ثم خلافة راشدة .

وبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح المدن الحضارية الكبرى : مكة والقدس والقسطنطينية وروما .

وفتح المسلمون مكة في عصر النبوة ، والقدس في عصر الخلافة الراشدة الأولى ، والقسطنطينية في عصر الملك العضوض ..

وخسر المسلمون سيادتهم وشوكتهم في العصر الجبري ... هذا الذي نحياه .

وسوف يفتحون روما مع الخلافة الراشدة الثانية ، الآتية قريباً بإذن الله .

هذه هي الأجواء التي تستلهمها هذه القصيدة : من مكة إلى روما .

ولله فـي تدبيـره حكمـة جُلّـى    لذا هاجـر المختار من مكة الفضلى
أقام بـدار النـور يبنـي كيانـه    وما العين عن أم القرى ناعس وسنى
ورفت على قلـب الحبيب رسـالة    روائـع آيـاتٍ بهـا ربنا أوحـى
أضاء سماء الدين أنبـاء نصـره    وأعداء دين الله في ساحنا صَـرْعى
ونـادى أسـود الله لبيـك مكـة    فهبـت زحوف نحو كعبتها تتـرى
وأعطى رسول الله أمنـاً لأهلهـا    وطـار بلال فـوق كعبتها  يرقـى
ونـادى بـلال بـالأذان مكبـراً    وسال صدى التكبير من صوته يندى
جيـوش نبـي الله تجنـي ثمارهـا    ومكة ربع الفتح والوثبـة الأَوْلى

                 

خلافـة ديـن الله أعلـى منارهـا    وأوسـع فيها الفتح فاروقنا الأفرى
دمشق وحمص والملوك تسـاقطت    وفي  ساح أجنادين عمرو العلا أبلى
وهب أسـود الله ، والفتـح همهـم    وغايـة غايات المنى قدسنا الأسنى
أحاطوا بسور القدس يدعون ربهـم    ويعلـون تكبيـراً لربهـم الأعلـى
وجاء كبيـر القوم يطلـب ودّهـم    ويسـتقدم الفاروق كي يأخذ الأقصى
فيا فرحة الدنيـا أعيـدي ورددي    لنا الوعد بالفتح المبين ، لنا اليُسـرى
جيوش أسود الله تجني ثمارها    وذي القدس نصف الفتح والوثبة الأخرى

                 

وجـاء بنـو حرب بثالث عهدنـا    بمـلك عضـوض يطلبون به الدنيا
فجـاءوا بخير شـابه بعض ظلمـة   ومن خيرهم فتح بأسفارنـا يـروى
رأوا فتح قسـطنطينة جـلُّ همهـم    بها بشّر المختار ، ما أروع البشرى
ولكنهـم ما أدركـوا يـوم فتحهـا    وقد  أدركوا فتحاً يجلُّ عن الإحصا
وجاء بنو العبـاس زُهـرٌ عهودهـم    ولكن بنو حربٍ سيوفهم أمضـى
وطالـت عهود الملك حتى تطلعت    عيـون بني الإسلام نحو بني عُثمـا
وقال أسـود  من أسـود رسـولنا    لنا الفتح ، نعم الفاتح السيد الأعلـى
وطاح جدارٌ قـاوم الفتـح حقبـة    وصلى أمير الفتح شكراً لمن أعطـى
جيوش بني عثمـان تجني ثمارهـا    وثالث بشرى الفتح تمَّ ، فما أحلـى

                 

إذا هجم الجهلُ الذميمُ على امـرئ    فلا عزَّ يرجوهُ ، ولا سيرة تُروى(17)
يذلُّ جهـولُ العقـلِ في عُقرِ نفسِـهِ    فيصبـحُ لا نفعٌ لديهِ ولا رجـوى
تحوت رجال الأرض أفنوا وعولهـا    وراحوا يسوسون العباد بما أشـقى
تداعى بغاث الطير يغزون أَنْسُـري    ويلتهمون الرأس والقلب والأعضـا
تمادوا بقهر الناس والبغـي نهجهـم    أنصمت حتى ينصبون لنـا مبكـى
وسـاد بـلادي والعبـادَ روابـضٌ    وما منهم من صام أو قام أو صلـى
بهم تمّ حكم الجبر والخطب قد طغى    وكادت غصون الدين من ظلمهم تبلى
وكنا لفتـح الأرض أسـداً ضريَّـة    فصرنـا  ولا فتـح لدنيا ولا معزى
بل الغزو يغزونـا ويقهـر عزنـا    ويمعن فينا القتل والنهـب  والبلـوى
حنانيـك يـا رب العبـاد بقومنـا    أعدهم إلى الدين القويم ، إلى الحسنى

                 

وتمضي عهود الجبر حسرى كسيفةً    وتشـرق فينـا ثانيـاً أمة عظمـى
خـلافـة ديـن الله تأتـي هدايـة    وتنشر فينا العدل والسـيرة المثلـى
تسـير كما سار الرسول وصحبـه    تحقـق وعد الله في نصرنا الأوفـى
ويظهـر ديـن الله في كل خافـق    وينقـاد للإسـلام كل الورى طـرا
وتأتي إلى رومـا زحـوف هدايـة    فتخضع رومـا للهدايـة والتقـوى
وهـذا تمـام الفتـح يأتيك رابعـاً    بـه تـمَّـم الله السـعادة  والنُّعمى

هوامش

 

1ـ كان في هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة حِكَم كثيرة ، ومنها إرادة الله أن يتم فتحها بيد الرسول صلى الله عليه وسلم .

2ـ دار النور : المدينة المنورة ، ومنها انطلق نور الإسلام يعم الجزيرة والعالم بعدها .

يبني كيانه : يبني دولته .

أخذ في بناء دولة الإسلام في المدينة ، ولكنه وهو يبني ويجاهد لم ينس مكة أبداً .

3ـ نادى منادي رسول الله يوم الفتح بالأمان لأهل مكة .

بعد تطهير الكعبة من الأصنام صعد بلال على سطحها ورفع صوته بالأذان .

4ـ بشر الرسول صلى الله عليه وسلم بفتح أربع مدن ، أولاها مكة ، فهي ربع الفتح الذي بشر به ، وهي أَوْلى المدن الأربع بالفتح .

الأفرى : من فرى يفري فَرِيّاً ، أي قطع في الأمر ومضى به شوطاً بعيداً .

5ـ أجنادَيْن : المعركة الرئيسية في فلسطين ، وعمرو هو عمرو بن العاص الذي تولى فتح فلسطين .

6ـ كبير القوم : هو أسقف القدس صفرونيوس الذي طلب أن يتولى عمر بن الخطاب بنفسه استلام القدس .

7ـ لنا اليُسرى إشارة إلى أن فتح القدس تم بسهولة وبدون قتال .

8ـ بنو حرب هم بنو أمية ، فحرب هذا هو ابن أمية الذي تنسب إليه الدولة ، ومؤسس الدولة الأموية هو معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية .

الملك العضوض هو الذي يتمسك به أهله ويعضون عليه بالنواجذ .

9ـ الأسفار : الكتب .

10 ـ قسطنطينة : مخفف قسطنطينية .

11 ـ زهر عهودهم : كانت عهودهم عهود حضارة ومدنية ورفاهية وبلهنية ولم تكن عهود فتح مثل عهود بني حرب بن أمية .

12 ـ بنو عثما : هم بنو عثمان بن طغرلبك الذي تنسب إليه الدولة العثمانية ، وحذفت النون من آخر عثمان لضرورة القافية ، وهذا جائز في اللغة .

13 ـ الفاتح هو محمد بن مراد الذي لقب بالفاتح بعد فتحه القسطنطينية .

14 ـ جدار ، الجدار هنا سور القسطنطينية ، وهو في الواقع ثلاثة أسوار متوالية تحمي القسطنطينية ، وقد قاومت القسطنطينية بأسوارها جميع الفاتحين قبل السلطان محمد الفاتح .

وفي الحديث الشريف : لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش .

15 ـ التحوت هم أراذل الناس ، والوعول هم سادة الناس ، والوعل بالأصل تيس الجبل وهو لا يعيش إلا في القمم ، بعكس التحوت الذين يعيشون تحت .. أسفل .. في الحضيض .

وفي الحديث : "إذا رأيت التحوت تعلو والوعول تسفل فانتظر الساعة" .

16 ـ بغاث الطير : ضعافها ، ونسور الجو سادتها ، سادة الطيور جميعاً .

الأعضا : مخفف الأعضاء ، وهذا من قصر الممدود .

17 ـ الروابض : التافهون من الرجال ، كل حقير منهم .

وفي الحديث : "إذا رأيت الرويبضة يتكلم في شؤون العامة فانتظر الساعة" قالوا : يا رسول الله : وما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه الحقير .

18 ـ حكم الجبر ، وهو ما عبر عنه الرسول بالحكم الجبري حيث يخضع المسلمون لدول وقوانين ليست من الإسلام في شيء ، وفي العصر الجبري يحارَبُ الدين ، ويحاول أعداؤه القضاء عليه .. كما نرى .

19 ـ الأسد الضريّة : الأسد القوية شديدة الافتراس .

20 ـ النصر الأوفى : التام الكامل ، إشارة إلى قوله تعالى : "ليظهره على الدين كله" أي يظهر الإسلام وينصره على كل الأديان .