حنين إلى الشهباء

أحمد البراء الأميري

شعر: أحمد البراء الأميري

طـالَ البِعادُ وشَفّني النّصَبُ    فـمتى أعـودُ إليكِ يا حلبُ

أودعتُ فيكِ من الصِّبا عُمُراً    بـالشّوقِ والأحلامِ يختَضِبُ

ونـثرتُ فـوقَ رُباك أُغنيةً    بـيضاءَ ملءَ السمعِ تنسكِبُ

غنّـيتها والحـبُّ  يُـلهمني    والـسّامرونَ برَجْعها طرِبوا

نشوانَ، خمريَ ذَوبُ عاطفتي   فاخـجلْ ودعني  أيها العِنبُ

       

ودّعتُها وصـبايَ يـبسمُ لي    ومنايَ لا ترقى  لها السُّحبُ

وتـركتُ فيها أكبداً صُدعتْ    ومـدامـعاً بـالجمر تلتَهبُ

وأحـبـةً ذكـرايَ زادُهـمُ    لـولا الـتصبُّرُ  مسَّهمْ لَغَبُ

أحـلامـهم شـوقٌ  تُجنّحهُ    للـصّحوِ آمـالٌ لـهم قُشُبُ

والصـّحوُ  تَوقٌ للمنامِ عسى   طـيفٌ من المحبوبِ يقتربُ

       

أتُـرى أعودُ إليك يـا  حلبُ    قبل المماتِ ويَصْدُقُ الرَّغَبُ

غـادرتُـها طـفلاً تُعـانقني    قُبُـلاتُ أمٍّ كـلّـها حَـدَبُ

والـيومَ شيـبيَ ضاحكٌ وأنا   -قد جُزتُ سِنَّ الأربعين- أبُ

       

أأعودُ؟ - ويحَ العَوْد- منفرداً    لـم يـبقَ لي خِلٌّ ولا أَربُ

أأعـودُ؟ والأحبابُ قد رحلوا    والإرثُ  عند النذل مُغتصبُ

أأعـود؟ والدارُ التي درجتْ    فـيها الخُـطا بالحزنِ تنتقِبُ

أحـجارُها هـرمتْ وقاعتُها    مـهجورةٌ، وفِنـاؤها خَربُ

لا زهرَ  يضحكُ في حديقتها    لا مـاءَ يعلو صدرَه الحبَبُ

لا طـفلَ يمرحُ في مَرابعها     لا شيخَ تـروي علمَه الكتبُ

لا شـعرَ يشدو  في محافِلها    صمتتْ بها الأشعارُ والخطبُ

الأهـلُ شتّـت شملَهم  قَدَرٌ    والصّحبُ فرّق جمعَهم رَهَبُ:

(عـبدُ الكريم) رهينُ غربته   و(أبو الحسين) يـؤودُهُ التعَبُ

و(غياثُ)في القبر الغريب ثوى و(بهاءُ) وجهٌ في الثرى تَرِبُ

صُوَرٌ مـن الماضي مُوَلّهةٌ    فـي خافقي الملهوفِ تنتحبُ

شـهباءُ هذي  الأنّةُ انفلتتْ   مـن مُـدنفٍ حُـرٍّ له نَسَبُ

نَسَبٌ تروح الشمسُ كاسفةً    مـن حُـسْنه, وتظلّ تحتجبُ

فـضلٌ من الرحمن أغدَقه   لـم يـجنِهِ سَـعـيٌ ولا دأبُ

فعـسى الفَـعال تصونُ لي شرفاً قد هانَ من لم يحمِهِ أدَبُ

       

شهباءُ حبّكِ في الفؤاد لظى   والشوقُ نحوك بات يضطربُ

لكـنني أشركتُ في رمقَتي   لك أرْبـعاً تـعنو لها الشّهُبُ

أرضَ الحجاز، وحبُّ أحمده   بُـرءٌ لـقلبٍ بالـهوى يجبُ

والقـدسَ، والأطفالُ قـد رجموا كيدَ اليهودِ وكِبرَهم حَرَبوا

ومـغانيَ الأفغان ِ عطَّرها   أرَجُ الـدماءِ  وبحرُها اللَّجِبُ

أشركتُ في حبيكِ كلَّ ثرى   رَجْـعُ الأذانِ عـليه ينسكبُ

       

عُمُري مـع الأيامِ مُنسَرِبٌ   والصّفوُ في الأحزانِ مُنسَرِبُ

لم يبقَ لـي من مأملٍ غَرِدٍ   أسـعى لـه ليكونَ لي غَلَبُ

إلا رضـاءُ الله  يـغمرني   فتـزولُ مـن نعمائه الحُجُبُ