من حصاد القرن العشرين

الطاهر إبراهيم

شعر: الطاهر إبراهيم

أغمض القرن من عناءٍ جفونَـهْ       وطوى بين جانحيه شـجونَـهْ

أرهـقتْ جسمَه الخطوبُ  فولى       هارباً تاركاً عليـنا ديـونَـه

غـير أني و قـبل أن يتـوارى       عن عينٍ أبصرتُ تـواً عيـونه

بللتها الدموع يبكي بصـمـتٍ      و هو يُخفي عن الأنام أنـينـَه

أثقلتْه عبر اللـيالي خـطـوبٌ       و حروبٌ ومنكراتٌ مشـينـة

كدّرت صفوَه  أمـورٌ جسـامٌ       ملؤها البغيُ والهوى والضـغينة

كم رأى  ظالماً يعيـث فسـادا      و علواً على الورى ورعـونـة

ملأت نفـسَه اللئيـمةَ حقـداً      ضـدّ أعدائه شرورٌ دفيـنـة

حسب المجـدَ  أن يتيـه علـواً      لا يواري عن العيون مجـونـه

كم  غشومٍ أثار حرباً ضروسـاً      أزهقت أنفساً و أخرى حزينـة

أوسع الأرض  والعباد شـروراً      و دمـاراً وحِطـة وعفـونـة

حين غابت شمس الخلافة عنـا      عصفَ الريحُ في شراعِ السفينـة

وتداعت من كل حدبٍ وصوبٍ      أممٌ شُـحنت علينا ضـغينـة

زعموا – كذبوا – أرادوا رقـياً     بل أرادوا استلاب أرض مصونه

قسّموا أرضنا وجاسـوا ديـارا     لم تـزل قبلهم بلاداً حصـيـنه

أوغلوا بالأذى فأعطوا  يهـودا      قدسـنا عفروا بغدر جبـينـه

فتنادى أهـل المـروءة مـنـا     أن هلمـوا أهلَ الزنـود المكينه

دُنّست أرضُكم وديسَ حمـاكم      حـقّ لليث أن يصـون عرينـه

أرعب الغربَ ما رأى من شبابٍ     في دروب الردى صفوفاً متيـنه

صافحوا الموت دون خوفٍ فعزّوا    أرخصـوا أنفس الأباة الثميـنه

لملم الغـربُ شعـثـَه ثم ولّـى   ظهره حامـلاً عليه شـجونـه

غـادرت جنـده فعـاد بوجـهٍ   آخـرٍ مبطـناً نوايـا دفيـنه

تاركاً خـلفـه البـلاد ولكـنْ    بعـد أن بثَّ في البلاد عيونَـه

فرأينا من كـان بالأمـس فـأراً    قد غدا قطـة البلاد السمينـه

حينما سـادت الخـيانة غابـت    عن ديار الإسـلام أيدٍ أمينـه

فغـدونـا نهـباً لكـلّ شـقيٍ     بـاع للغرب بالدراهم دينـه

قد حبا عصـبةَ النفـاق قصـوراً    وبنى للدعاة –ظلماً- سجونه

من (سلام الشجعان) صاغوا شعاراً    أيّ سلمٍ هذا الذي يدّعونـه

وغدت قبـلةَ (الشجاع) أميركـا    (الوسيط النزيه) إذ يقصدونه

هكذا قد غـدا العـدوّ (شريكاً)     تلك حقاً  شراكةً مضـمونه

كيف يـنجو الخروفُ يوماً إذا ما     أسلم الذئبَ في فلاةٍ قرونـه

ينـحني الظهرُ نحو (رابين) حتـى     تسقطَ ( الغترةُ) العتيدة دونه

ليس رابين من يُعـظّم ! لكـن       من يهنْ يطمسِ الهوانُ عيونه

ليس رابين من يكـرم ! لكـن       من يهنْ يملأ الظلام عيونـه

كيف ننسى ما كان يفعـــــل رابين بأطفال الحجارة المسنونه

يكسر العظمَ يفقأُ العـينَ يُبقـي    أمهات الأطفال ثكلى حزينـه

أُسقطت رايـةُ الجهـاد لتبقـى    قبـةُ المسـجد الشريف رهينه

أزهر الشوكُ في ربـوع بـلادي   واختفى الورد من حقول المدينه

ذاك غيضٌ من فيضِ قرنٍ تـوارى  قد بلـوْنا أحزانه وشجـونـه