الأرْبَعون
1
د. محمد علي الرباوي
كَانَ مِثْلِي
تَعْرِفُ الأَرْصِفَةُ الْمُحْرِقَةُ العَطْشَى خُيُولَهْ
كَانَ مِثْلِي ضَائِعاً يَسْكُنُهُ رَهْجُ الشَّوَارِعْ
سَئِمَتْ كُلُّ الْمَقَاهِي جُثَّتَهْ
فَارْتَمَى فِي جَوْفِ نَارٍ
أَجَّجَتْهَا مَوْهِناً أَشْجَارُ ذَاتِهْ
****
كَانَ مِثْلِي ضَائِعاً
لَكِنّ رِيحاً صَرْصَراً عَاتِيَةً
-ذَاتَ صَبَاحٍ- قلَعَتْ كُلَّ جُذُورِهْ
فَبَكَتْهُ الأَرْصِفَهْ
وَبَكَتْهُ نَدَماً تِلْكَ الْمَقَاهِي وَالشَّوَارِعْ
آهِ يَا كُلَّ الْمَقَاهِي وَالشَّوَارِعْ
اُحْضُنُونِي
فَأَنَا كَالصَّاحِبِ الضّائِعِ ضَائِعْ
لَكِنّ هَذِي الْحَيْرةَ الْوَلْهَى
سُدُولٌ مِنْ سُعَارِ الصَّيْهَدِ القَتّالِ تَمْتَدُّ حَوْلِي
فَمَنْ يَغْتَالُ وَعْثَ التَّيهِ فِي ذَاتِي
وَمَنْ يُخْرِجُنِي مِنْ ظُلُمَاتِي
آهِ مَنْ يُخْرِجُنِي اليَوْمَ إِلَى
أَنْوَارِ هَذَا الْمَلَكُوت
****
مُنْهَكاً دَاهَمَنِي صُبْحٌ
بَعِيداً عَنْ سَمَاءِ الْحُبِّ
بَيْنَا جَسَدي أَدْفَعُهُ بَيْنَ دُروبٍ وَدُروبٍ
نَشِبَتْ عَيْنَايَ مَا بَيْنَ وُجُوهٍ وَوُجوهٍ
كَانَ وَجْهٌ وَسْطَهَا
أَرْسَلَ نَحْوِي قَسَمَاتٍ حُلْوَةً
هَزَّتْ تَضَاريسَ كِيَانِي
زَلْزَلَتْ كُلَّ خَلاَيَا جَسَدي
يَا أَنْتَ...
أَخْرِجْنِي مِنَ الْوَحْشَةِ وَالْخَوْفِ
وَقُلْ لِي كَيْفَ مِنْ غَيْرِ وَدَاعٍ
سُحِبَتْ رِجْلاَكَ مِنْ هَذِي الشَّوَارِعْ
****
ضَحِكَ الصّاحِبُ مِنّي
أَخْبَرَتْهُ قَسَمَاتِي
بِحِكَاياتِ ضَيَاعِي
ثُمَّ أَعْطَانِيَ ظَرْفاً وَانْصَرَفْ
آهِ مَاذَا فِيكَ يَا ظَرْفُ
أَدُنْيَا
(وَأَنَا خَطْوِي قَرِيبٌ مِنْ شِفَاهِ اللَّيْلِ)
أَمْ لَغْمٌ[2]
(عَسَى يُحْرِقُ هَذَا اللَّغْمُ أَوْصَالَ ضَيَاعِي)
اَلصَّدى اللَّحْظَةَ يَمْتَدُّ امْتِدَادَ الآهِ
فِي كُلِّ الشَّوَارِعْ
وَأَنَا فِي الدَّرْبِ هَذَا الوَعْبِ[3] نَفْسِي ارْتَطَمَتْْ
فِي جَسَدِ الرُّعْبِ ارْتِطَاما
وَلَكِنْ هُوَ شَيْءٌ كَالْخُزَامى
جَثَمَتْ فِي جَوْفِهِ هَذِي العِبَارَه:
دَارَةُ الأَرْقَمِ تَدْعُوكَ انْسَحِبْ مِنْ ذاتِكَ الظَّمْأَى
ادْخُلِ الدّارَةَ أَنْتَ الأَرْبَعُون
[1] ـ البيعة المشتعلة
[2] اللَّغَمُ:بفتح الغين ولكنها سُكِّنت في النص للضرورة
[3] ـ الوعْبُ: الواسع ويُجمع على وعاب