من قتل ضياء الحق

أ.د/ جابر قميحة

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

محمد ضياء الحق بن محمد أكرم (12 أغسطس 1924 - 17 أغسطس 1988) قائد باكستاني قوي، ترأس باكستان من 1977 إلى 1988. وعن اغتياله نقلت الرواية الآتية :

 عرضت واشنطن على ضياء الحق شراء بعض الدبابات الأمريكية، وأحضرت بعضها إلى باكستان لرؤيتها ومعرفة مزاياها القتالية على الطبيعة. وتحدد يوم 17 أغسطس 1988 موعدًا

 لاختبار هذه الدبابات. فخرج ضياء الحق وبعض كبار قادته، يرافقهم السفير الأمريكي في باكستان أرنولد رافيل والجنرال الأمريكي هربرت واسوم وكانت الرحلة في منتهى السرية. بعد معاينة الدبابات، انتقل الرئيس ومرافقوه إلى مطار بهاوالبور لينتقلوا منه إلى مطار راولبندي واستقلوا طائرة خاصة. وما إن أقلعت الطائرة، حتى سقطت محترقة بعدما انفجرت قنبلة بها وتناثرت أشلاء الجميع محترقة.

 وكان يحضر كل عام احتفالا عسكريا ضخما تعرض فيه أحدث الأسلحة , ويحضره عشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين . وما زال قاتله مجهولا حتى الآن . وقد كنت في باكستان آنذاك , وسمعت روايات متعددة , بعضها يدين آل بوتو في دم ضياء الحق .

وبعد اغتيال ضياء الحق بأشهر تولت بي نظير علي بوتو رياسة الوزراء .

اليوم عيدُها المجيدُ الأربعون

من أربعين عامًا أعلنَتْ ميلادها

وعانقت نهارها

وربيعها

وأنشدت بلادُها.. وهادُها.. نجادُها

تلالُها

سهولُها العروسُ

"باكستان زنداباد" (1)

باكستان زنداباد"

**********

واليومَ أذكركْ

في مثل هذا اليوم من عام مضى

قد كنتَ في منصتكْ

تزينها

بلبسك الكاكيِّ عملاقًا تَـزِينُها

والعرض والجنودْ

والشعب والبنود

والكل يهتفون:

"باكستان .. زنداباد".

"باكستان .. زنداباد"

والجند والقواد يضربون الأرض بالكعوبْ

صفوفُهم تسيرْ

وصرخة الجنود كالهدير

فتخفق القلوبْ

وألقِطُ الصورْ

وأرسل الخبر

وتحت صورتِهْ

عبارةٌ تقولْ

"هذا ضياء الحق في منصتِهْ

وقوته..

مصفقًا ويبتسمْ

ملوحًا بكفِّـهِ

محييا كتائبَـهْ

**********

واليوم نفس العرض والبنود

واليوم نفس المركبات والجنود

ونفسه الهتافُ والتنادْ

"باكستان زنداباد"

"باكستان زنداباد"

لكنني بحثت عنك لا أراكْ

بين الجنودِ لا أراك

بين الشهود.. لا أراك

لكنني رأيتها:

البومةَ المغبَّـرة

ممسوخةَ المنقارِ

كالحةَ الرؤى مشمِّرة

تحتل سُـدَّتَـكْ (2)

رأيتُها

يمر من أمامها البنودُ والكتائبُ

سألتُها بنظرةٍ مُبَعثرةْ

عن فارس من الكرام البررةْ

يخشاه كل الكفرةْ

يساند الأفغانَ والإيمانَ

والحقيقةَ المدمَّـرةْ

تبسمتْ.. وتمتمتْ .. وغمغمتْ

وفي عيونِها

ألفُ بريقٍ شامتِ

**********

ومر صاروخ على مُجنزَرةْ

و" حتفٌ " اسمُـهُ

فصفقَـتْ مرنِّـمَةْ

ومر صاروخ جديد اسمه "عنْـزا"

فلوحت بكفها "المُـجَلدة"

في بسمة مشددة

ولفتةٍ معطرة

رفعت "آلتي" لكي أصورَهْ

أصور الصاروخَ والمجنزرةْ

أصور المعروقةَ المجلدةْ

البومةَ المغبَّـرَةْ

أبَتْ علي "الكمِرةْ.

والعزةُ المدمَّرةْ

**********

بحثت عنك يا ضياء الحق

في منصتِكْ

وسُدتِك

لكنهم جميعهم يصفقون

مشغولين بالتصفيقِ

عن حكايتكْ

وسيرتِكْ

فهزني الذهولُ عن حقيقتي

فهمْتُ حاملاً آلامَ غربتي

وآلة التصويرِ والأوراقُ والأقلامُ

في حقيبتي

سريتُ مهزومَ الرؤى

أسائل الوديانَ والسهولَ والصدى

أسائل الأسحارَ

والفجرَ الغريبَ والندى

عن فارس.. في غمضةٍ

تمزقته لفحةُ الردى

وضاع في الزحام رمحهُ وسيفهُ

وخيلهُ وسرهُ

وقلبه وسيرتُـهْ

**********

رأيتُ فلاحًا هناك

في "بلوشستان" يحرثُ

سألته:

ـ قالوا: ضياء الحق ماتَ

هل علمت؟؟

ـ قد جاء يومُـهُ

لكل عمرٍ في الدنا كتابُـهُ

(يسألني):

ـ من بعده قد جاء، أو يجيءْ ؟

(لم ينتظر مني الجوابْ

لكنه أجاب قبل أن أجيبْ)

ـ يجيءُ من يجيءُ.. دعني أحرثُ

وسائلوا من شئتمو وحدثوا

(ودس في الفم المعْوج مضغةً مكورةْ

حمراءَ في خضراءَ في معصفرةْ

سرعان ما تدورت في شدقِـهِ

كأنها كرةْ

وبعد مصٍّ مزبدٍ تنخما

وفي بلاهة تبسمَ... وتمتمَ )

ـ خُدا حافظْ.. خدا (3)

(فرقعةْ..

من سوطِه المجدولِ ثم فرقعـةْ

تحث ثورَهُ المسلولَ كي يسيرْ

استأنف المسيرْ

والثورُ في تثاقلٍ يسيرْ)

**********

وفي بشاورٍ على الحدودْ

رأيتُها كسيرةْ

كزهرةٍ بريةٍ محروقةْ

وفي يديها

 بقية من خبزها المبللِ

بدمعةٍ مخنوقةٍ

سألتُها: عن فارسٍ قد كانَ

ثم صارَ " لم يكنْ "

خلت منصتُـهْ..

 وسدتُـهْ

وبالدم المحروق تمتْ قصتُـهْ ...

نهايتُـهْ

وجاءني جوابُها في صمتِها الكئيبْ :

ـ أبي ضياءُ الحق ماتْ

وأفْـقُنا قد جف فيه النهرُ والضياءْ

وضاع من خُـطانا الفجرُ

بعدها لم تمطر السماءْ

لكنهم قالوا لنا: يعودْ

يعود في غدٍ يعودْ

"سياف" قال خطبةً طويلةً

بالامسِ...

في سرادقٍ كبيرْ

"ضياء الحق عن قريبٍ عائدٌ

لكابلٍ يعود عندما نعودْ

ونترك الحدودْ

ويظهر السلامُ في الوجودْ

وتعْـمر المساجد الزهراء من جديدْ

بالتين والزيتون والضحى وهـودْ

**********

 الاسم: إظهار الحياة مهدوي

أستاذ كرسي الفلسفةْ

كهل تخطى الأربعين

ـ يا سيدي قد جئتُ باكستانَ

باحثا مكلَّفا

صحيفتي ,و"غربة الإسلام" اسمُها

ملهوفة وتنتظرْ

نسيت أن أقول: مصري أنا

وحيرتي تزداد كل يومْ

إذ أطرح السؤالَ.. والجواب تائهُ

مضلَّـل.. مضلِّـل

وكلما ساءلتُ مَن أقابلُ

زاد الضبابُ والظلامُ حولنا

وكلما أمسكت خيطًا يهربُ

سؤاليَ اليتيمُ سيدي

عن "فارسِ الإسلامِ"

عمن قتلهْ

ـ عن فارس الإسلامِ؟؟

والإسلامُ ؟؟

ما حقيقتهْ؟؟!

نحدد النقاط والأبعادَ أولا

لنستطيعَ أن نعِي

إن كان في حياتنا للدينِ فارسْ

أم عاش هذا الدين في أيامنا

بلا فرسانِ أو شجعانِ تحرسُهْ

من ذلك التحديد سوف ننطلقْ

إلى الجوابِ ننطلقْ

حقيقة الإسلام ـ صاحبي ـ

في أن نكونَ .. أن نقولْ

كينونتي في أن أقولَ كِلْـمتي

لا أن ألوك "كِسرتي" وجُبنتي

أو أن أنال بالسعرِ الرخيصِ

سكري ولحمتي

"في البدء كان الكلمةْ"

هل كان أولُ الآياتِ في النزولِ

غيرُ دعوة إلى الكلامْ ؟

أن يقرأ الإنسانُ... أن يقولْ ؟

حرية اللسانِ ـ صاحبي ـ

تعني الكثيرَ والكثيرْ

تعني بأن عُبودةَ الإنسانِ كفْــرْ

حرية اللسان تعني ـ سيدي ـ

كينونةَ الإنسانْ

حرية التفكيرِ والتعبيرِ

تعني أنه إنسانْ

و "الدكتَـتُور" آثمٌ وقاتلُ

ـ والمستبدُّ العادلُ ؟

ـ خرافةٌ .. أسطورةٌ. لا تنطلي

إلا على المخدورِ والسكرانِ والمُخبَّـلِ

انظرْ لمنطقِ القرآن سيدي

ـ لا يستوي جهلٌ وعلمْ

لا يستوي حرٌ وظلْ

لا يستوي عمْىُ البصيرةِ والبصرْ...

والمبصرونْ

فالاستواء ها هنا مُحالْ

والضدُّ فيها كلِّها أمرٌ محققْ

هل تستطيعُ القولَ:

" ذو علم وجاهلْ " ؟

لو صح هذا المستحيلْ

لصحَّ منك القولُ إذ تقولْ :

" المستبد العادلُ "

(رفعت كفي ...)

ـ غير معترض.. لكنني

أراك قد أغفلتَ ما لا يُغفل

هناك إلزام يقابل الحقوق:

لكل حق واجب يقابله:

هناك حق الله في حدوده..

فروضه...

أركان هذا الدين لا تقوم إلا..

ـ سيدي .. من قال إني غافلٌ

أو مُغْـفِـلُ ؟؟

لكنما التدريجُ في التشريع والتنفيذِ

قاعدةُ القواعدْ

من قال في شعبٍ فقيرٍ تُقطع اليدُ؟

الجائعُ المسكينُ إن سرقْ

فالمجرمُ الأثيم مَن أجاعَـهُ

من داسَهُ

وباعَهُ متاعَـهُ

وطـرَّدهْ

فصار يطرق الأبوابَ والجدرانْ

من أجل كسرةٍ إدامُها الهوانْ

فما أجابه أحدْ

حتى سرقْ

فصاح لصُّهُ ـ من باعه متاعـهُ

وطـرَّدهْ.. وأفسدهْ ـ

" قوموا حماةَ الشرعِ فاقطعوا يدهْ "

هل الحدود ـ سيدي ـ وسيلةٌ في الشرعِ

أم أن الحدودَ ـ سيدي ـ هدفْ ؟؟

ـ لا شك أنها وسيلةٌ.. للزجرْ...

نعم ... زواجرٌ هيَ

ـ لم نختلف..

ـ لكنما تفرعتْ بنا الطرقْ

وأصبح الحديثُ ذا شجونٍ لا تقِـفْ

ولسنا في مناظرةْ

وإنما أدور سائحًا وباحثًا عن الحقيقةْ

عن قاتلٍ مجهولةٍ هويتُـهْ

على يديه لاقى فارسٌ منيتْـهْ

ـ تعني ضياء الحق ؟

كنت من معارضيهِ

لم أكن أحبُّـهُ

ـ دع عنك منطقَ العدو والحبيبِ

والبعيدِ والقريبْ

وقل لنا من ذا الذي قَـتَـلْ.....

ـ يا صاحبي الصحفيُّ..!!

أين براعةُ الصحفيِّ فيكَ

وحسُّهُ .. وأنفُـهُ ؟؟!!

ضياء الحق ـ سيدي ـ لم يُـقتَـلِ..

ـ نعم أنا معكْ

يظل خالدًا بذكرهِ.. وسيرتِـهْ

ـ لا.. ليس ذا أعني

وهذا منك ما يُـدْعَى

بأسلوب الحكيم.. منطقِـهْ

... يا سيدي ـ ضياء الحق ما قُـتِـلْ

بل انتحرْ..

عادَى الحياةَ والإنسانْ

عادى انطلاقَ الفكرِ واللسانْ

ضاقت شعابُ النفسِ في أعماقِـهِ

بزحمةٍ من العداءِ.. فانفجرْ

**********

ـ لم تبحثون عمن قتلَـهْ ؟؟!!

ـ من أنت يا خاتونْ ؟!

ـ عُظمى يقيني مصطفى...

طبيبةٌ

يا ضيفنا المصريَّ

لم يقتله إلا من أحبَّـهُ..

ـ أحبه؟؟

هل المحبُّ يَـقتلُ ؟؟!

ـ نعم.. إذا أحب من يحب

مثلَ الدببةْ..

ـ من تقصدينَ ؟؟

معذرةْ .. جف المداد في القلمْ..

دقيقةً حتى أبدل القلمْ.. تفضلي

ـ حواريوهْ..

من ضللوهْ..

من ضَببوا الطريقَ في عيونِـهِ

وغمَّـمُوهْ..

وأوهموهْ

أن الجماهيرَ الغفيرة في هواه مُـدْنَـفَـةْ

ما دام يرفع الشعار

"الحكم للإسلامِ"

.. فالكلُّ معهْ

ـ لكنه ـ للحق ـ كان صادقا في رفعِهِ..

ما كان يوما بالدعِيْ

ـ أنا معكْ..

قد كان طيبًا.. وصادقا كالأشعري

لكنه .. وآه..

لو أن صدقه وطيبتَـهْ..

لم يُـحْرَما الدهاءْ..

دهاءَ عمرو أو أميرِهِ معاويةْ..

ضياء الحق قد أعطى الثقةْ

لمن لا يستحقون الثقةْ

فعيَّـشوه في غيابةٍ عميقةْ

وأوهموه أنه مع الشريعةْ

وأنها عدوةُ الحقيقةْ

وأن ما في الغربِ كله حرامْ

لأنه يعيش كافرًا وفاجرا

فكل ما في أرضه حرامْ

ـ مثال ؟؟

ـ قالوا له: الأحزابُ في القرآن ملعونةْ

وأن ربَّـنا

قد نزَّل الخُسرانَ بالأحزاب وحدَهْ

وأنها ستزرع الشقاقَ والبغضاءَ في الوطنْ

وأنها من صنع أوروبا اللعينةْ..

وأنها .. وأنها

فحرم الأحزابَ والحزبيةْ

من قال هذا.. سيدي؟؟!

من قال في الإسلام لا حزبيةْ ؟؟

الدينُ بالشورى وبالحريةْ

وتعددُ الأحزابِ روحُهما معا

والواجبُ الحتميُّ

إذما لا يتم بدون غيرِهْ

كان هذا الغيرُ واجبْ...

والعصرُ.. عصر الشعبِ

لا الفردِ.. المُحَـكَّمْ

عصر المجالسِ.. والنيابةِ

والشعوبِ الحاكمةْ

وكل هذا.. لا يتـمُّ

بغير أحزابٍ تقومْ

ـ لكنما الإسلام في عهد النبيْ..

لم تُعرف الأحزابُ فيهْ

ـ هل كان أيام الرسولِ مدافعٌ أو طائراتْ ؟

لكنها ـ في عصرنا هذا ـ ضرورةٌ

نعدها " رباطَ خيلٍ " ...

" قوةً " قد أوجب القرآنُ أن نعدَّها

أشكالُها.. ألوانُها.. أحجامُها

ليست ثوابتَ راسخةْ

لكنها..

للصالح المنشود في أرقى سِمةْ

محكومةٌ بمقتضَى الزمانِ والمكانْ

لا دخلَ في هذا لحِـلٍّ أو حرامْ

والمرجعُ الأصليُّ للممارسةْ

وكلنا يرى بلادَ الغرب دائمًا

تعيش في شورى وعدلٍ شاملِ

لأنها لا تنكر الأحزابَ

بل تحيا بها

انظر بلادَ الإنجليزِ.. أو فرنسا

أو أوروبا كلَّها

العدلُ شاملْ

والفردُ فيها آمنٌ

لا قهرَ.. لا استبدادَ

لا زوارَ فجْـرٍ

يزرعون الرعبَ في كلِّ القلوبْ

فالحكمُ شورى

والفردُ في وطن كريم آمنٍ

يحيا مُـكَـرَّمْ

فإذا تولى الحكمَ حزبٌ واحدٌ

فسياسةُ الوطن العزيز سياستُـهْ

ومهمتُـهْ :

أن يُـسعِدَ الشعبَ.. الجميعَ ـ وليس حزبهْ

في أمنِهم.. وطعامِهم.. وشرابِهم

فتراه يخلع ثوبَ حزبِـهْ

ويعيش في ثوب الوطنْ

وهناك أحزابٌ تعارضْ

هي حارس يقِـظ لمصلحة الوطنْ

فتقول "لا" إذ ما تعسف حاكمٌ

وتبررُ النقدَ الشريفَ وقوْلَ "لا"

أوَ ليس هذا ما أراد الشرعُ بالشورى

وبالعدل المكينْ ؟

أوليس هذا مقصد الإسلامِ

مِن " عرضِ الأمانةْ " ؟

وأدائِها للناسِِ

كل الناسِ.. في حزمٍ.. وعدلْ ؟

وأيُّـما سبب يحقق ما ابتغاه الشرعُ

فهْـو مرادهُ

أقرأتَ لابنِ القيم

بكتابه "الإعلام" حين يقول فيهْ

"ما أرسل الله الحكيمُ الرسْـلَ

إلا كي يقومَ القسط بين الناسِ

والعدلِ المُرَجَّى

فإذا أماراتُ الحقيقةِ أسفرتْ

وأدلة العدلِ الرجيحِ تبلجت

فهناك شرعُ الله

دينُ الله

أمرُ الله

فاللهُ لم يجعل سماتِ العدلِ

أو طرقَ العدالةِ واحدةْ

بل عدد السبلَ التي

إن حققتْ أمرَ الإله الحق

كانت واجبةْ

فإذا عرفتَ طريقةً

يُستخرَج الحقُّ المكينُ بها

ويُـعرَفُ كُـنْهُـهُ

كانت هي المطلوبُ

من شرع الإلهِ الواحدِ "

ويبلور ابنُ القيمِ العملاقُ

في كلمٍ قليلٍ

حكمةً عُلويةً فيقول:

"ولْتعلمنَّ بأن كلَّ الطرْقِ

أسبابٌ عَـرَضْ

لذواتِها لا تُطلبُ

بل المرادُ

المقصدُ الأسمَى الذي يُـحقِّـقُ

الغايةَ العليا من الشرعِ الحنيفْ " إعلام الموقعين 4/373

انظر إلى الغرب الكفورِ الفاجرِ

أعني كما قد أفهموه ... الطيبَ المسكينَ

عن جهلٍ أو عن تجاهلِ

دعني أسائلُ الألَى غشوا ضياء الحقِّ

طيلةَ حكمِهِ

أيُّ الأمورِ ـ سادتي ـ

لديننا هي أقربُ :

ما في بلاد الغربِ

من شورى، ومن عدلٍ أصيلْ

حتى استطاع الفردُ فيه

أن يقاضِيَ دولتَـهْ

ومليكَهُ.. وحكومتَهْ

ويقولَ ـ في حريةٍ شماءَ ـ

ما يدورُ بخاطرهْ

حريةُ التفكيرِ .. والتعبيرِ .. والتعليمِ

والعملِ الشريفِ .. للجميع على سواءْ ؟

أوليس ذا من الإسلام جوهرهْ ؟

أم ما نشاهد في بلاد المسلمين البررةْ ؟!!!

لا حزبَ يحكم غير حزب الحاكم

إذ ليس ثمة غيرُ حزبِ الحاكمِ

والحاكمُ الأعلى بـ "ذاتٍ" لا تُـمسْ :

هو الدستورُ والقانونُ والمستقبلُ

والناسُ في الوطنِ المُعـنَّى

يسجدونَ.. ويهتفون .. تذللاً ...

للحُلةِ الكاكيةِ الملعونةِ المُعربِـدةْ

فالحكم للسجونِ..... والسياطِ..... والرصاصِ....

والمصفَّحةْ

ـ مهلاً ـ رعاك الله ـ يا خاتون ـ

نحن لا ننسَى

ولا التاريخُ ينسى

ما جناه الغربُ ضد شعوبِنا

قتْل... وسِرْقات.... ونهْـبٌ

ـ أيْ نعمْ

الغرب ـ سيدي ـ حقيقةًًًًًًً نهَبْ

وجريمةُ المسروقِ في تفريطِـهِ

كجريمة اللص العتيِّ السارقِ

بل قد تكون أشدَّ في تأثيمِها

هذا هو الحكم الإلهي المكين

وليس من حكمي أنا

في آية من سورة كبرى هي "النساء" 97

سوَّى الإلهُ في عذابِ جهنمِ

ما بين ظالمٍ عَـتا

وبين مظلومٍ رضَخْ

خارت قواه فلم يقاومْ ظالمَهْ

لِمَ لمْ يهاجرْ تاركا أرضَ الظَّـلومِ

لأرضِ ربي الواسعةْ ؟

حيث السلامةُ والعدالةُ والسَّـعةْ ؟

لكن أكبرَ ما جناهُ الغربُ

تدري ما هو؟

في غفلةٍ منا

ونحن غارقون في الهوانِ.. والخَـدَرْ

تولى نهْبَ دينِنا.. نهْبَ جوهرِهْ

ـ هل أسلم الغربُ إذن؟

ـ لا لم يدْعُهُ " إسلام "

لكنها الحقيقةُ الأليمةْ

امتص منا روحَ هذا الدينِ..

جوهَـرَهْ

ونحن مشغولونَ

بالقشورِ منه والعَـرَضْ

تقوم بيننا معاركٌ عَجَبْ :

هل الفنونُ ـ كالتصويرِ والغناءْ ـ

يجيزها الإسلامُ أم يحرِّمُ ؟

واللحية التي يقرها الإسلامُ

طولُها يكون كمْ ؟

ودم البعوضة : هل تصح به الصلاةْ ؟

وهل الحجابُ , أم الخمارُ , أم النقابُ .. هو الأصحْ ؟

ـ عفوًا ـ أيا خاتونُ ـ إنا قد بعدنا

وأنا الذي قد جئتُ باكستانَ

من أجل الوصولِ إلى الحقيقةْ

محاولاً أن أكشفَ السر المُطَـلْسَـمْ :

ضياءُ الحق مَن ذا قتلَهْ ؟

لكنني للآن ـ يا خاتون ـ تُهتْ...

بَـعُدَتْ بيَ الكلماتُ في تيهٍ مُبَـدَّدْ

وغدوتُ مثل من يهوِي

ببئرٍ مظلمٍ لا قاعَ لهْ

فكلما امتد السقوطُ ازددتُ ظُلمةْ

ـ يا سيدي إني أجبْتْ

لكن سماحًا.. ربما استطردتُ

في ذكر الشواهدِ والحُججْ

وأعيدُ ما قد قلتُ في بدْءِ اللقاءِ وأوجِزُ :

الدبةُ الحمقاءُ كانتْ

تعشق الرجلَ النبيلَ الطيبَ

لم لا تحبهْ ؟

وهْـو الذي قد وفر العيشَ الهنيءَ لها ؟

وذات يوم راح في نوم عميقٍ هانئٍ

فأتى الذبابُ

وحط ـ للحظِّ المنكَّدِ ـ فوق وجهِهْ

وبكل مافي الدبةِ الحمقاءِ

من عزمٍ وإخلاصٍ وقوةْ

حملتْ إلى أعلى ـ حجَرْ

وهوت به فوق الذبابْ

فتمزق الوجهُ البريءُ إلى شظايا

أما الذبابُ فطار يبحث عن طعامٍ

في وجوهٍ.. أو قماماتٍ أخَـرْ

هذي الحكايةُ سيدي

فيها الجوابُ المقنعُ

يا ضيفَنا المصريَّ..

لم يقتل ضياءَ الحق غيرُ الدببةْ

قوم أحبوه ـ بطيش ـ في غباءٍ أحمقِ

وبنَـوْا حواليهِ الحواجزَ والسدودْ

فلم يرَ الدنيا بغيرِ عيونِهمْ

وعيونُهم

رمداءُ .. أو عوراءُ .. أو مسحاءُ

للأسفِ الأسيفْ

 ***********

وعدتُ أحمل خيبتي وجُعبتي :

كاميرَتي

أوراقيَ البيضاءَ والقلمْ

مرددا..مسائلا

أقطارَ نفسي المُهدرَةْ

عن فارسِ الإسلامِ...

عمَّن قتلـَهْ

لكنَّ كلَّ الحقِّ غابَ

والحقيقةَ اختفتْ ...

تاهتْ كأنها السرابُ والصدَى

              

(1)  هتاف بحياة باكستان .

(2)  السدة باب الدار والسرير . وتطلق مجازا على العرش والمكانة .

(3)  خدا حافظ : الله هو الحافظ , وحفظك الله .